تعتمد البنوك بشكل أساسى على النمو القوى فى الأرباح الذى تحقق خلال العامين والنصف الماضيين لمواجهة التأثيرات السلبية للأحداث الدامية التى تشهدها مصر منذ ما يقرب من شهرين.
وتسعى لمواجهة المخاطر الناجمة والمحتملة عن الاضطرابات الامنية والسياسية من خلال اقتطاع جزء من أرباحها المحققة لتكوين مخصصات جديدة تؤِّمن للبنوك سيولة احتياطية تحميها من تقلبات السوق.
ولكن هذا الاتجاه الذى أبداه عدد كبير من المصارف العاملة فى السوق قد يصطدم بالتراجع المتوقع فى أرباحها خلال الفترة المقبلة نتيجة انخفاض العائد على اذون الخزانة المكون الرئيسى فى تلك الأرباح إلى جانب تراجع ملحوظ فى توظيف السيولة نتيجة حالة الركود التى تسيطر على مختلف الانشطة الاقتصادية بالدولة.
وعلى الرغم من استمرار تفاقم الاحداث الساخنة فى الدولة تشعر البنوك بثقة كبيرة أن الاحداث الحالية لن تستمر طويلا وانها قادرة على تحمل نتائج المرحلة الحالية بكل تداعياتها مع عدم انكار اتخاذها اجراءات اكثر تحوطا فى انشطتها على الأقل لحين انتهاء المرحلة الانتقالية.
اسماعيل حسن محافظ البنك المركزى السابق، رئيس بنك مصر ايران للتنمية قال إن طبيعة عمل البنوك تقوم على المخاطر وعندما توظف اموالها فى القروض او الاوراق الحكومية تهتم بتحديد حجم المخاطر بما فيها المخاطر المحتملة ولكن احيانا تنشأ مخاطر لم تكن فى الحسبان ولذلك تقوم البنوك بمراجعة المخاطر الجديدة فى كل توظيف وفقا للحالة الطارئة.
واضاف أن البنوك تتحسب للمخاطر الجديدة من خلال اقتطاع جزء من أرباحها وتكوين مخصصات اضافية خاصة أن الاضطرابات الاخيرة اثرت على حجم الانتاج الذى اثر بشكل مباشر على دخول الشركات المقترضة.
وقال إن البنوك تسعى فى الوقت الراهن لتكوين ما يلزم من مخصصات وتتوقع أن تنتهى الاضطرابات الحالية وتستقر الدولة سياسيا وامنيا قبل نهاية العام الجارى مشيراً إلى أن القطاع سيضع فى حسبانه الاوضاع الحالية عند منح قروض جديدة لمراعاة المخاطر الحالية والأرباح الجيدة التى حققتها البنوك خلال العام الماضى ستمكنها من تخطى الاوضاع الاستثنائية.
أكد ضرورة العمل بقوة لتعويض الخسائر الماضية من خلال زيادة الانتاج كما وكيفا والاتجاه نحو المنتجات المحلية بدلا من المنتجات الخارجية لتحسين ميزان المدفوعات.
حسام راجح رئيس قطاع مخاطر الائتمان بأحد البنوك الخاصة قال انه رغم التعقيد الذى يظهر على المشهد السياسى والامنى فإن البنوك يجب عليها فى ظل الظروف الحالية دعم الدولة لضمان استمرار عجلة الانتاج فى الدوران.
واشار إلى أن الأوضاع الحالية ستجبر البنوك على اتخاذ اجراءات احترازية عند منح القروض وخطابات الضمان ولكن يجب عليها الا تتوقف عن دعم الانشطة التى لها علاقة قوية بدورة الانتاج.
وقال إن القائمين على البنوك لديهم نظرة متفائلة بأن الافضل قادم لا محالة وان الاضطرابات الحالية مصيرها إلى زوال ولكنها لن تخاطر بأموال المودعين فى هذه الظروف الحرجة.
السيد القصير رئيس بنك التنمية الصناعية والعمال المصرى قال إن البنوك اعتادت التعامل مع الاضطرابات السياسية والامنية وتتعامل وفقاً لتعليمات البنك المركزى.
واشار إلى أن البنوك تتبع فى الاوقات الاستثنائية سياسة حذرة ومتابعة مستمرة للعملاء لمواكبة الحدث وضمان سلامة الهيكل المالى للبنوك مشيراً إلى أن كل بنك يراجع موقف عملائه ويحدد وفقا لهذه المراجعة مدى احتياجه لتكوين المخصصات.
وقال إن البنوك دائما تقف بجوار عملائها وتساندهم فى الظروف الاستثنائية من خلال تأجيل اقساط بعض القطاعات وجدولة مديونيات قطاعات اخرى حتى تتمكن من مواصلة نشاطها فى السوق.
من جانبه اكد محمد أوزالب، رئيس بنك بلوم مصر قدرة البنوك المصرية على مواجهة أى تحديات خاصة أنها اعتادت العمل فى مناخ سياسى غير مستقر منذ عامين ونصف العام، مشيراً إلى أن البنوك تأخذ فى اعتبارها التطورات فى المشهد السياسى فى سياستها الائتمانية.
وقال إن تكوين المخصصات يتم وفقا لمعايير محددة وغالبا ما يتم تكوينها للعملاء المتعثرين فعليا لا للعملاء المحتمل تعثرهم مستقبلا.
قال عادل قابيل، مدير عام قطاع المراجعة والتفتيش وقياس المخاطر بالبنك العربى الأفريقى الدولى إن الصورة تبدو ضبابية أمام البنوك فى تقييم مخاطر السوق حيث يكون التقييم فى الوقت الحالى يوما بيوم لاختلاف الأيام عن بعضها فى استمرارية قوة وضعف أحداث العنف والاعتصامات التى تشهدها البلاد وهو مايجعل البنوك عاجزة عن تقديم رؤية واضحة للسوق حتى تحدد توجهاتها فى التمويل.
وأوضح قابيل أن القطاع المصرفى فى مرحلة ترقب لهذه الأوضاع الطارئة وينتظر عودة الاستقرار حتى يستطيع تقييم المخاطر على المديين المتوسط والطويل بعيداً عن التقييم فى دائرة يوما بيوم.
ووفقاً لقابيل فإنه لا مجال للتعميم فى هذا التوقيت الحرج بدعوى اتخاذ إجراءات احترازية الا بعد أن يظهر السوق فى وضعيته الطبيعية ونضع الأشياء فى نصابها الصحيح وتقيس البنوك عودة قوة الصناعة والانتاج من عدمها.
قال قابيل إن البنوك تتضامن بشدة فى هذا التوقيت مع الشركات المتعثرة وتتفهم ظروفها باعتبار أنها مؤقتة، لافتا إلى أنه إذا استمرت هذه الظروف التى يمكن أن يطلق عليها استثنائية فإن البنوك ستكون أمام اجراءات تحوطية بهدف الحفاظ على أموال المودعين.
وقال كريم سوس، مدير المخاطر بالبنك الأهلى المصرى إن البنك لم يحدد توجهه بعد فى قياس المخاطر الموجودة فى السوق لعدم وضوح معالمها ولم يتخذ إلى الآن أى اجراءات استثنائية تلائم الظروف الراهنة لانتظام الكثير من العملاء فى سداد الأقساط المستحقة عليهم للبنك.
وأوضح سوس أن المشكلة الحقيقية التى تواجه القطاع المصرفى هى قلة الطلب على الاقراض فمعظم البنوك لا يوجد لديها طلبات للاقراض بسبب حالة الترقب والخوف من الاضطرابات التى تشهدها البلاد وحتى يتجنب العميل الوقوع فى مشاكل تعثر هو فى غنى عنها مع البنوك الدائنة.
وعن لجوء البنوك لزيادة مخصصاتها قال سوس إنه سيكون اتجاها حتميا لمواجهة زيادة نسب حالات التعثر فى حالة استمرار الأوضاع ضمن الاستراتيجيات الجديدة التى تتبعها البنوك على خلفية تراجع نشاط الشركات الأفراد وعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه البنوك حيث ترفع البنوك شعار زيادة المخصصات أمام قلة السدادات.
وقال سوس إن تقليص ساعات العمل فى القطاع المصرفى من قبل البنك المركزى يفرض على البنوك أبعادا أخرى فى استقبال العملاء ويعيق تلبية مطالبهم ليكون أحد عوامل عدم الانتظام فى السداد لأن هذه الساعات القليلة لا تكفى سوى عدد عملاء قليل.
وقال أحمد إبراهيم، رئيس قطاع معالجة الديون المتعثرة والمخاطر بأحد البنوك العامة إن استيراتيجيات البنوك ازاء الأوضاع الراهنة ستتحدد كاملة عقب انتهاء الربع الثالث من العام الجارى بنهاية شهر سبتمبر المقبل حيث يتحدد ما لدى البنوك وماعليها من خلال ميزانية هذا الربع من العام وأوجه القصور فيها.
وأوضح إبراهيم أن زيادة حالات التعثر ستقود البنوك لرفع نسب المخصصات كإجراء تحوطى حيث من المتوقع حدوث تدهور فى التصنيف الائتمانى للمراكز المالية للشركات التى قامت بالاقتراض من البنوك حيث يعاد النظر فى التمويل مجددا باستثناء شركات القطاع السياحى التى تم منحها مهلة لآخر العام.
وتوقع إبراهيم أن يتم منح مهلة أخرى للقطاع السياحى من قبل البنك المركزى لتوفيق أوضاعها ومساعدتها على تحدى الظروف الراهنة بسبب تأثر حركة السياحة بالاضطرابات فى مصر.
أوضح إبراهيم أن الأحداث الحالية المليئة بالعنف وكثرة الاعتصامات خلقت ركودا فى الوضع الاقتصادى ونتج عنه قلة السداد للأقساط المستحقة وقلة التحصيلات بالاضافة إلى قلة فتح الاعتمادات المستندية وخطابات الضمان وهو مايخلق جوا مضطربا للسياسات التى تتبعها البنوك فيما بعد.
أشار إلى أن البنوك لم تتأثر بأحداث 30 يونيو الماضى ولم يحدث لها سوى تأثير طفيف، لافتاً إلى أن جميع المؤسسات متأثرة تماما بما آلت إليه الأوضاع عقب ثورة الخامس والعشرين وأخذت فى رسم خطط واستراتيجيات جديدة تناسب أوضاع السوق التى تغيرت عما قبل بما يعنى أن التأثر لم يكن وليد الوضع الراهن وإنما تمتد أصوله إلى عامين ونصف العام وحتى الآن.
ووفقا لإبراهيم فإن القطاع المصرفى ينتظر تداعيات انتهاء فرض حظر التجول التى قادت إلى تحقيق خسائر كبيرة ربما تؤدى إلى فرض قواعد تمويلية مغايرة للقواعد السابقة.








