«متفائل دائماً».. هذه طبيعته كما يقول، ويبدو أنها لم تتغير حتى بعدما أصبح وزيراً لمالية بلد يعانى من اختلال المؤشرات الكلية للاقتصاد.
ويرجع أحمد جلال تفاؤله، الذى لا يشاركه إياه الكثيرون، إلى سياسات الحكومة التى يفترض أنها تحاول دفع الاقتصاد بعيدا عن حافة الهاوية، وكذلك المساندة العربية واسعة النطاق التى حصلت عليها.
ووفقاً للسياسة الحكومية المعلنة، يتعين على وزير المالية الاسراع بإنفاق حزمتين تحفيزيتين بقيمة 50 مليار جنيه قبل يونيو المقبل، وهو تحد ليس سهلاً فى ظل جمهورية البيروقراطية التى يحكمها موظفون لا تعنيهم كثيراً مفردات من قبيل دفع النمو أو التشغيل أو السياسة المالية التوسعية.
وشكك محلل بارز فى المجموعة المالية هيرميس فى إمكانية الالتزام بالبرنامج الزمنى المعلن من قبل الحكومة لخطة التحفيز.
وقال محمد أبو باشا، محلل الاقتصاد الكلى فى المجموعة إن خطط الحكومة تحتاج ما بين سنة ونصف السنة وسنتين لانفاق الأموال المخصصة، وهو ما تثبته أرقام الانفاق الاستثمارى الحكومى فى الشهور الخمسة الأولى التى لم تتجاوز 9.2 مليار جنيه.
أحمد جلال، الذى يتبنى مع حكومته سياسة مالية توسعية تعتمد على زيادة الانفاق لرفع معدل النمو %1 على المستهدف فى خطة العام المالى الحالى، وجد نفسه مع مطلع 2014 أمام توسعات مالية أكثر، مما يمكن أن يقبل بها خبير سابق فى البنك الدولى لمدة 18 سنة، خاصة على صعيد زيادة الحد الأدنى للأجور %50 وهو ما سيكلف الحكومة المقبلة الكثير، على اعتبار أن الحكومة الحالية حصلت على دعم عربى سخى مكنها من تجاوز اختناقات التمويل.
وسيتعين على وزير المالية فى العام الجديد أن يثبت أن تفاؤله كان فى محله بعد رفع الانفاق الاستهلاكى والانفاق العام بمعدلات كبيرة بداية من يناير الحالى.
وعلى أجندة الوزير، البالغ من العمر 65 سنة، فى العام الجديد ملفين مؤجلين منذ سنوات لم يجرؤ 6 وزراء مالية سابقين على التعامل معهما، بمن فيهم رئيس الوزراء الحالى عندما كان وزيرا، لأسباب سياسية، ويبدو أن هذا ما سيكون عليه الحال فى العام الجديد لوجود نفس الأسباب.
والملفات هى الإصلاح الضريبى وهيكلة الدعم لتقليل فجوة العجز فى الموازنة البالغ %14 فى آخر سنة مالية، وكذلك السيطرة على معدلات الدين العام والذى اقترب من نفس حجم الناتج المحلى، ويواجه وزير المالية فى الفترة الحالية تحديات كبيرة، فالانفاق العام على الأجور وصل فى موازنة العام السابق 141 مليار جنيه بزيادة 18 مليار جنيه عن سابقتها بجانب ارتفاع فاتورة الدعم إلى 120 مليار جنيه فى موازنة العام السابق.
فضلاً عن تفاقم الدين العام إلى 5.1 تريليون جنيه وزيادة فوائده إلى 147 مليار جنيه، وكذلك سجل عجز الموازنة 240 مليار جنيه أى ما يعادل 13.8 % من الناتج المحلى الإجمالى.
كما يواجه جلال فى الموازنة الحالية مأزقا يتعلق بالحصيلة الضريبية التى تم ربطها بالموازنة، حيث تم تقدير 321 مليار جنيه حصيلة متوقعة مقابل تحقيق227 مليار جنيه السنة المالية الماضية، أى بزيادة 94 مليار جنيه وهو ما يصعب من مهمته نتيجة ربط الموازنة مبلغ 21 مليار جنيه من تطبيق قانون الضريبة على القيمة المضافة، وهو قانون لم تنته الوزارة من صياغته ويجرى العمل عليه بمساعدة فنية من قبل صندوق النقد الدولى.
التحول لضريبة القيمة المضافة مطروح على مكاتب وزراء المالية السابقين منذ العام 2008، ويجرى تأجيله كل مرة بسبب مخاوف ارتفاع التضخم.
أما على مستوى الدعم، الذى يعرف جلال أنه أحد أكبر أسباب الخلل المالى الذى تعانى منه الدولة، فلا يبدو أن لديه النية للتعامل الجدى معه.
وتتلخص وجهة نظر الوزير الحالى فى إصلاح دعم الطاقة الذى ابتلع 120 مليار جنيه السنة المالية المنتهية فى تطبيق نظام البطاقات الذكية للقضاء على التهريب، ويرى أن اكتمال هذه المنظومة ستوفر 36 مليار جنيه بدون تحريك الأسعار للمستهلكين، وهو نفس ما كان يقوله مسئولو الإخوان المسلمين عندما كانوا فى الحكم قبل شهور، وهو قول يفتقر إلى دليل على أرض الواقع.
وقال الوزير لوكالة «رويترز»: سنبدأ العمل على ملف دعم الطاقة، البطاقات الذكية هتتعمل فى جميع الأحوال.
ويصف جلال عام 2014 بأنه عام دمج الاقتصاد غير الرسمى، لكن هذه الخطوة تتطلب، وفقاً للخبير الاقتصادى فخرى الفقى، تحفيز المتعاملين بالقطاع الموازى وتحفيزهم وتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتخفيف الضوابط البيروقراطية عليهم، وان تقوم الحكومة بتمويلهم عن طريق جهاتها المانحة للقروض ومنحهم اعفاء ضريبى لمدة 5 سنوات ومعاملتهم معاملة الممول الذى يسجل للمرة الأولى فى مصلحة الضرائب.
وعلى جانب تعاملاته مع المؤسسات الدولية، فإن جلال وحكومته يؤمنان بأن الفترة الراهنة لا تستدعى التفاوض للاقتراض من صندوق النقد الدولى، استناداً إلى المساعدات العربية الأخيرة، بلغت 12 مليار دولار فى دفعتها الأولى، والتى أبقت الاحتياطى الأجنبى فى موضع الأمان، بجانب رؤيته أن أى مفاوضات حالية مع الصندوق وتحسن فى الاقتصاد المصرى سيحسب للصندوق ولن يتم احتسابه لأداء الحكومة.
ويعطى جلال أولوية لملف العدالة الاجتماعية وأنشأ وحدة فى الوزارة لمتابعة هذا الملف لدراسة إمكانية التحول إلى الدعم النقدى بدلاً من الدعم السلعى.
ويبقى التحدى الذى يواجه وزير المالية الذى ورث الموازنة العامة الحالية عن الإخوان المسلمين هو صياغة موازنة السنة المالية المقبلة، وهى العملية التى بدأت ويتعين أن تنتهى مطلع مارس المقبل.
وسيكون جلال محظوظاً بسبب تراجع مخصصات الفائدة من اجمالى الانفاق فى الموازنة الجديدة، لكن سيتعين عليه أن يجيب على سؤال مخصصات الأجور والذى من المنتظر أن يزيد على نظيره فى الموازنة الحالية بقيمة 40 مليار جنيه دفعة واحدة بسبب رفع الحد الأدنى.
وستثبت الموازنة الجديدة ما إذا كان نظام البطاقات الذكية قادراً وحده على تخفيض الانفاق على دعم الطاقة بقيمة
36 مليار جنيه أم لا.
