تغلب رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركى على مدار العام الماضى على بعض العقبات الخطيرة، فقد سحق الاحتجاجات الشعبية الصيف الماضى، كما قمع أتباع رجل الدين فتح الله كولين داخل الشرطة والقضاء خلال فصلى الخريف والشتاء، ويبدو أن أردوغان، على صعيد الانتخابات أيضا، لا يُقهر، فعندما توجه الناخبون الأتراك إلى مراكز الاقتراع لانتخاب الرئيس الجديد – أول رئيس يتم اختياره من خلال التصويت الشعبى – فاز أردوغان بأغلبية ساحقة.
ولم تكن الأيديولوجية الإسلامية لأردوغان هى التى حافظت على حكمه، ولكنه الاقتصاد، فقد حافظ الناخبون على بقاء رئيس الوزراء التركى وحزبه، حزب العدالة والتنمية، فى السلطة لأن المكاسب الاقتصادية التى حققها الحزب تفوق أى اعتبارات أخرى، فعلى سبيل المثال، فقد أدت موجات من تدفق رؤوس الأموال الدولية خلال العقد الماضى إلى حدوث طفرات فى الاستهلاك الخاص والعام وقطاع الإنشاءات، ما حافظ على نمو الاقتصاد التركى.
ومع ذلك، فإن الأسس المادية لسلطة أردوغان غير مستقرة، فقد حذر مؤخرا رحمى كوج، الرئيس الفخرى لشركة «كوج القابضة»، من أن أهم مشكلة هيكلية تواجه تركيا هى اعتمادها المفرط على تدفقات رأس المال الأجنبي، فمستويات الدخل توقفت عن الارتفاع، وعادة ما يكون النمو الاقتصادى القائم على الاستهلاك والبناء غير مستدام على المدى الطويل.
وباختصار، فقد أصبحت تركيا عالقة فى فخ الطبقة المتوسطة، والمخرج الوحيد من هذا الفخ معروف جيدا، وهو زيادة الانتاجية التى تتطلب مواطنين على مستوى أفضل من التعليم، وتشجيع الابتكار الذى يتطلب مناخاً فكرياً حراً، وزيادة مشاركة المرأة فى القوى العاملة.
ومن خلال تقويض الاقتصاد فى تركيا على المدى الطويل، فإن السياسات الدينية لأردوغان سوف تضعه فى نهاية المطاف على خلاف مع بعض من أهم داعميه: هم الأعمال التجارية الكبرى فى اسطنبول ومجتمع الأعمال المحافظ دينياً فى قلب تركيا، الأناضول، كما أن الأمور لا تبدو جيدة على المدى القصير.
فلم تكن العلاقة بين الشركات الكبرى فى اسطنبول وأردوغان على وفاق لفترة طويلة، ففى عام 2008، طلب أردوغان من العامة التوقف عن قراءة الصحف التى تنتمى إلى مجموعة أيدين دوغان، قطب الأعمال والإعلام، وفى عام 2009، غرمت الحكومة المجموعة غرامة غير مسبوقة بلغت 2.5 مليار دولار بعد مراجعة ضريبية.
وما هو جديد وأهم هو توتر العلاقات بين أردوغان ومجتمع الأعمال الإسلامى فى الأناضول، فقد كلفت النزعة الطائفية السنية، لحكومة حزب التنمية والعدالة، مجتمع الأعمال فى الأناضول أهم أسواقها فى الشرق الأوسط، فعلى سبيل المثال، لم يصعّد دعم تركيا لقضية الإسلاميين السنة فى سوريا الحرب الأهلية هناك، بل أدى أيضا إلى ظهور الجماعات الجهادية مثل داعش فى العراق، ونتيجة ذلك، فقدت تركيا ثانى أهم سوق للصادرات بالنسبة لها، فقد بلغ إجمالى صادرات تركيا إلى العراق فى عام 2013 نحو 11.9 مليار دولار، لتلى بذلك صادراتها إلى ألمانيا التى بلغت 13.3 مليار دولار.
وقد زاد تبنى تركيا لقضية الإخوان المسلمين فى مصر وعداؤها الأيديولوجى تجاه إسرائيل من تعقيد الأمور، فبعد قطع الطريق فى العراق إثر تقدم داعش، تحتاج شركات التصدير التركية إلى الوصول إلى ميناء أشدود الإسرائيلى وميناء العريش المصرى للوصول إلى أسواق الخليج من خلال الأردن، وعلى الرغم من أن شركات التصدير التركية لم يعد مرحباً بها هناك، فلم تبدأ فى البحث عن طرق طارئة من خلال ايران.
وفى الواقع، فقد خلق استمرار نمو الاقتصاد التركى فى الوقت الذى تعود فيه البلاد إلى الحكم الاستبدادى اعتقاداً وهمياً بأن الأعمال التجارية من الممكن أن تستمر فى الازدهار فى بيئة غير ليبرالية، ولكن هذا الاعتقاد بدأ بالفعل فى الانهيار، فلم يعد الحكم الاستبدادى والرأسمالية يسيران جنباً إلى جنب فى تركيا، وفى ضوء ذلك، فإن انتصار أردوغان سيكون حتماً باهظ الثمن.
اعداد: نهى مكرم
المصدر: فورين أفيرز







