بقلم: جيفرى ساكس
حان الوقت للولايات المتحدة والقوى الأخرى أن يتركوا الشرق الأوسط يحكم نفسه بما يتوافق مع السيادة القومية وميثاق الأمم المتحدة.
وبينما تفكر الولايات المتحدة فى جولة أخرى من العمل العسكرى فى العراق والتدخل فى سوريا، يتعين عليها إدراك حقيقتين أساسيتين، أولهما أن تدخل الولايات المتحدة، الذى كلف البلاد تريليونات الدولارات وآلاف الأرواح على مدار العقد الماضى، دائماً ما كان يزعزع استقرار الشرق الأوسط، فى حين يتسبب فى معاناة هائلة للبلدان المتضررة.
وثانياً، أن حكومات المنطقة – فى سوريا والسعودية وتركيا وإيران والعراق ومصر وغيرها – لديها كل من الحافز والوسائل للوصول إلى تسويات متبادلة، وما يمنعها هو الاعتقاد بأن الولايات المتحدة أو بعض القوى الخارجية الأخرى مثل روسيا، سوف تحقق انتصاراً حاسماً بالنيابة عنها.
وعندما انهارت الامبراطورية العثمانية فى نهاية الحرب العالمية الأولى، قسمت القوتان العظيمتان فى ذلك الوقت، بريطانيا وفرنسا، دولا وريثة من أجل ضمان سيطرتهما على بترول الشرق الأوسط ومفاتيحه الجيوسياسية وطرق العبور إلى آسيا. وأدى نهجهما الذى يتلخص فى استعدادهما لأن تتضرر تلك الدول من أجل مصالحهما، ما انعكس على سبيل المثال فى اتفاق «سايكس – بيكو»، الذى أدى إلى ظهور نمط من التدخل الخارجى المدمر.
ومع ظهور أمريكا فى وقت لاحق كقوة عالمية، فقد تعاملت مع الشرق الأوسط بنفس الطريقة، إذ أخذت تعين الحكومات أو تطيح بها أو ترشوها أو تتلاعب بها، وكل ذلك فى الوقت الذى تتفوه فيه بخطاب الديمقراطية.
وقد أيّدت الولايات المتحدة الانقلاب فى العراق عام 1968 الذى جلب حزب البعث وصدام حسين إلى السلطة، ومع غزو صدام للكويت عام 1990، انقلبت أمريكا عليه وتدخلت فى السياسة العراقية منذ ذلك الحين، بما فى ذلك حربان ونظام عقوبات والإطاحة بصدام حسين عام 2003، ومساع متكررة، آخرها الشهر الجاري، لتعيين حكومة تراها الولايات المتحدة مقبولة.
وكانت النتيجة كارثة حقيقية هى تدمير العراق كمجتمع منخرط فى حرب أهلية مستمرة تغذيها القوى الخارجية، وتدمير الاقتصاد وانهيار مستويات المعيشة. كما أن أعمال العنف أودت بحياة آلاف العراقيين منذ عام 1990.
وخلال العقد الماضي، حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها إضعاف نظام بشار الأسد، وبدأت فى عام 2011 محاولات إسقاطه، وبشكل رئيسى من خلال حرب بالإنابة لتقويض النفوذ الإيرانى فى سوريا.
وكانت النتيجة مدمرة بالنسبة للشعب السوري، حيث بقى الأسد فى السلطة.. ولكن قُتل أكثر من 190 ألف سورى، كما ترك ملايين السوريين بلادهم نتيجة للتمرد الذى دعمته الولايات المتحدة.
ويزعم الخبراء أن العرب لا يستطيعوا إدارة الديمقراطية. وفى الواقع، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها لا يميلون بكل بساطة إلى نتائج الديمقراطية العربية، التى غالباً ما تسفر عن حكومات قومية ومناهضة لإسرائيل، وإسلاميين، وتشكل خطراً على مصالح البترول الأمريكية.
عندما تسير نتائج الاقتراع فى هذا الاتجاه، تتجاهل أمريكا نتائج الانتخابات (مثلما فعلت عام 2006 عندما فازت حماس بأغلبية كبيرة من أصوات الشعب فى غزة).
ولن تستطيع الولايات المتحدة إيقاف دوامة العنف فى الشرق الأوسط، إذ يتطلب الدمار الذى تشهده ليبيا وغزة والعراق إيجاد حل سياسى داخل المنطقة، ليس مفروضاً عليها من الخارج. وينبغى على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يوفر إطاراً دولياً تنسحب بمقتضاه القوى الدولية، وترفع العقوبات الاقتصادية المعوقة، وتلتزم بالاتفاقيات السياسية التى تتوصل إليها حكومات المنطقة وفصائلها.
وتعرف إيران وتركيا ومصر وسوريا والسعودية والإمارات العربية المتحدة والدول المجاورة الأخرى بعضها البعض جيدا، بفضل ما يزيد على 2000 عام من التجارة والحرب، لفرز أسباب المعضلة وحلها بأنفسهم دون تدخل الولايات المتحدة وروسيا والقوى الاستعمارية الأوروبية السابقة.
بالإضافة الى ذلك، فإن بلدان الشرق الأوسط لديها مصلحة مشتركة فى تجويع جماعات العنف المتشددة مثل تنظيم الدولة الإسلامية، من الأسلحة والأموال والاهتمام الإعلامي، وتشترك أيضاً فى مصلحة الإبقاء على تدفق البترول إلى الأسواق العالمية والحصول على القسم الأكبر من العائدات.
ولا أدعى أن الأمور سوف تسير على ما يرام إذا انسحبت الولايات المتحدة والقوى الأخرى. فهناك ما يكفى من الكراهية والفساد والأسلحة فى المنطقة لإبقائها فى أزمة لسنوات مقبلة، ولا ينبغى أن يتوقع أحد أنظمة ديمقراطية مستقرة فى أى وقت قريب.
ولكن لن يتم التوصل إلى حلول دائمة مادامت الولايات المتحدة وغيرها من القوى الأجنبية مستمرة فى التدخل فى المنطقة. ويجب أن تنتهى الممارسات الاستعمارية فى نهاية المطاف بعد 100 عام من اندلاع الحرب العالمية الأولى، ويحتاج الشرق الأوسط إلى فرصة ليحكم نفسه ذاتياً، تحت حماية ودعم ميثاق الأمم المتحدة وليس أى قوى عظمى منفردة.
المصدر: «بروجيكت سينديكيت»
إعداد: نهى مكرم