بقلم: دكتور طارق سعد الدين شل
يرتبط قرار رفع أو خفض سعر الفائدة بحالة الاقتصاد، فرفع سعر الفائدة من شأنه أن يولد حالة من الانكماش الاقتصادى، وهى حالة غير مطلوبة للاقتصاد المصرى فى هذه المرحلة التى تتطلب مزيداً من الاستثمار والإنتاج لزيادة العرض وخلق فرص عمل جديدة، وبالتالى خفض معدلات البطالة. فارتفاع سعر العائد سيؤدى لانخفاض معدلات الاستثمار وزيادة البطالة وارتفاع معدل التضخم الناجم عن زيادة الطلب، فى ظل انخفاض العرض.. وعلى العكس من ذلك فإن خفض سعر الفائدة مطلوب فى حالة الانكماش الاقتصادى.
ولكن على عكس المتوقع، قررت لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزى المصرى رفع سعر الفائدة %1.. الأمر الذى دعا العديد من البنوك لرفع سعر العائد على الشهادات كالشهادة البلاتينية للبنك الأهلى المصري، وشهادة التميز لبنك مصر وشهادة «البريمو» لبنك القاهرة. وقد اتخذ البنك المركزى ذلك القرار فى وقت دعت الحاجة فيه لاتخاذ الإجراءات التى من شأنها إنعاش الاقتصاد من خلال سياسات نقدية توسعية بخفض سعر الفائدة مما يترك أكبر الأثر بالإيجاب على المؤشرات الاقتصادية، وقد تكون لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزى وقعت تحت ضغط ارتفاع معدل التضخم.. وبالتالى فهى مطالبة برفع سعر الفائدة لمواجهة ذلك الارتفاع، خاصة بعد رفع الدعم عن الطاقة والتى كان من نتائجها ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وربما أن ذلك هو مبررهم خاصة أن ارتفاع العائد %1 لن يؤثر بصورة كبيرة على الاستثمار. فقرار الاستثمار يؤثر فيه عدد من العوامل الأخرى من بينها سعر الفائدة، وإجمالاً سيعزز رفع سعر الفائدة من حالة الانكماش التى يعانى منها الاقتصاد بالأساس.
لكن على الجانب الآخر فإن رفع سعر الفائدة له جانب اجتماعى إيجابى حيث يؤثر بالإيجاب على أصحاب الودائع من خلال زيادة دخلهم القابل للتصرف مما يعينهم على تحمل ارتفاع معدل التضخم الناجم عن خفض دعم الوقود وزيادة ضريبة المبيعات على بعض السلع وبالتالى يرفع القوة الشرائية للقطاع العائلى.
ولكن ما عواقب ذلك القرار اقتصادياً؟
إن رفع سعر الفائدة سيترتب عليه العديد من النتائج منها:
1) المساهمة فى زيادة أعباء الدين العام بمقدار الزيادة فى العائد.
2) ارتفاع معدل التضخم الناجم عن تقويض الاستثمار بسبب ارتفاع تكلفته رغم أن قرار رفع سعر الفائدة قد يكون الهدف منه محاربة غلاء الأسعار مما له الأثر الإيجابى على محدودى الدخل من خلال المحافظة على القوة الشرائية لما يحتفظون به من دخل بزيادة العائد على ودائعهم.. لكننا نرى أن ارتفاع الأسعار قد يعود بشكل كبير لارتفاع التكاليف الناجم عن خفض دعم الطاقة، وليس لزيادة الطلب.. الأمر الذى قد يدعم أن قرار رفع سعر الفائدة غير مبرر، حيث إن التأثير على الطلب الكلى لن يؤدى لانخفاض معدل التضخم.. فالضغوط التضخمية الناجمة عن الطلب مازالت منخفضة مما يعنى أن معدلات الطلب لن تتغير بسبب قرار زيادة أسعار الفائدة
3) زيادة العائد على الشهادات بالبنوك بنسب تختلف طبقاً لما تحدده لجنة الأصول والخصوم (لجنة الألكو) بكل بنك على حدة، حيث تحدد العائد طبقاً لأوضاع السيولة والتوظف بكل بنك، ما يجعلها تعيد النظر فى سعر الفائدة على الودائع. كما أنه سيزيد من ثقة المودعين وحائزى الشهادات وتمسكهم بالاحتفاظ بشهاداتهم، بل والتوسع فى شراء شهادات ادخارية جديدة، نظراً لارتفاع عائدها وكونها تتسم بقدر مرتفع من الأمان ودورية العائد المتوقع منها.
4) وقد يكون لارتفاع العائد على الإيداع والإقراض تأثير على الاستثمار بالبورصة، وذلك يعود إلى تحول المستثمرين بالبورصة نحو الاستثمار فى أدوات الدين الحكومى (وهى أداة دين حكومية تصدر بصيغة لحاملها وهى قصيرة الأجل تتراوح آجالها ما بين 3 و12 شهراً وتتسم بارتفاع سيولتها أو قابليتها للتصرف وسهولة التصرف فيها دون أن يتعرض حاملها لخسائر رأسمالية وتعتبر البنوك العامة أكبر مشتر لتلك الأدوات) بالإضافة إلى اتجاه المستثمرين فى البورصة إلى الإيداع بالبنوك، مما سيترك أثراً سلبياً على البورصة. ولكن بنظرة واقعية نجد أن ذلك صعب الحدوث، نتيجة عدة أسباب أولها أن سلوك المستثمر فى البورصة يختلف عن سلوك المودع. كما أن صغار المودعين بالبنوك عادة لا يستثمرون بالبورصة وبالتالى تربطهم بها علاقة ضعيفة لن يؤثر من خلالها رفع سعر الفائدة على قرارهم بالاستثمار. كما أن المستثمر بالبورصة أساساً لن ينظر للعائد المرتفع بالبنوك إذا كان العائد على أمواله المستثمرة بالبورصة أعلى.
5) وسيتأثر الاستثمار المحلى بالسلب نظراً لارتفاع تكلفة الاقتراض من ناحية وتحول المستثمرين نحو أدوات الدين المحلى والشهادات الادخارية بالبنوك ذات العائد الأعلى من ناحية أخرى على حساب الاستثمار وافتتاح مشروعات جديدة أو التوسع فى القائمة فعلاً من أجل الإنتاج مما يقوض فرص العمل ويرفع معدلات البطالة.. لكن من ناحية أخرى فإن قرار الاستثمار يؤثر عليه عوامل أخرى بخلاف سعر الفائدة منها الاستقرار الأمنى والسياسى وحجم المخاطر والتشريعات وسهولة الإجراءات الخاصة بالاستثمار وتكلفة عوامل الإنتاج.
6) سيؤثر على الإنتاج التصديرى حيث سيرفع تكاليف الإنتاج الناجمة عن زيادة تكلفة الاقتراض مما يؤثر على القدرة التنافسية للسلع التصديرية فى مواجهة السلع الأجنبية التى تتسم بالتكلفة الأقل والجودة الأعلى.
7) جذب الإيداعات الصغيرة والمتوسطة لزيادة التمويل اللازم لما تعتزم الدولة تنفيذه من مشروعات قومية عملاقة وبالتالى هى خطوة مهمة للحفاظ على الإيداعات بالبنوك فى ظل ارتفاع معدل التضخم حيث يجب أن يزيد سعر الفائدة على سعر التضخم حتى لا يصبح الإدخار سلبياً كما يترتب على رفع سعر الفائدة رفع العائد على الشهادات بالبنوك وبالتالى زيادة حجم تلك الشهادات بالبنوك.
8) سوف يترتب على رفع سعر العائد على الشهادات عن عائد الاحتفاظ بالدولار انخفاض معدلات شراء الدولار (الدولرة) والتى يرى البعض أن القرار يأتى لزيادة الفارق بين سعر فائدة الدولار والجنيه فيقل جذب الدولار مما يحارب السوق السوداء باتجاه الطلب على الدولار للانخفاض.. لكن سعر الدولار لن يتأثر بسعر الفائدة نظراً لأن السوق السوداء تتأثر فقط بالعرض والطلب ويعود انخفاض سعره خلال الفترة الماضية نتيجة انخفاض معدلات الاستيراد وانخفاض الطلب عليه.
وبصرف النظر عن قرار لجنة السياسات النقدية ومدى ملاءمته للحالة الاقتصادية الراهنة، لكننا نرى أنهم قد جانبهم الصواب فى هذا التوقيت نظراً للضغوط التضخمية الناجمة عن رفع الدعم عن الطاقة وبالتالى ارتفاع المستوى العام للأسعار. كما أنه على جانب آخر له بعد اجتماعى يهدف للمحافظة على دخول المودعين بالبنوك وتمكينهم من مواجهة ارتفاع الأسعار، خاصة أن ذلك سيؤدى على الجانب الآخر لتحقيق غرض التوسع فى إصدارات الدين الحكومية لحاجة الحكومة لمنابع تمويلية، رغم أنه قد يرد عليه بوجود مصادر تمويلية أخرى نتيجة أن الحالة الاقتصادية خلال الفترة الحالية بدأت تخطو خطواتها نحو التعافى والازدهار مع الاستقرار السياسى النسبى والذى أدى لانتعاش الحركة السياحية كمصدر رئيسى للدخل بالعملة الأجنبية، مع توالى سماح الدول الأجنبية لمواطنيها بالسفر إلى مصر فى ذات الوقت الذى بدأت تحويلات المصريين بالخارج تشهد ازدهاراً (حيث ارتفعت إلى 22 مليار دولار أمريكى).








