أصبحت مشكلة حوادث الطرق جرحاً يؤرق جميع بلدان العالم تقريباً، ودول العالم النامى بشكل أخص، ورغم ما تنفقه الدول على تحسين البنية التحتية وتثقيف الشعوب بقوانين المرور لا يزال الأسفلت يحصد المزيد من الأرواح كل عام بسبب نمو الطبقة المتوسطة، وزيادة عدد ملاك السيارات.
وتعانى مصر من واحدة من أكبر نسب حوادث الطرق السريعة فى العالم بسبب سوء البنية التحتية وإهمال السائقين والتسيب فى تطبيق القوانين المرورية، وأصبحت الحوادث التى تحصد أرواح الأطفال وطلاب وطالبات المدارس أكثر تكراراً ما يجعل معالجة تلك القضية إحدى أولويات الحكومة برئاسة إبراهيم محلب.
100 مليار دولار فاتورة الموت على الطرق فى الدول النامية
تحظى قضية سلامة الطرق باهتمام متزايد حول العالم مع نمو الطبقة المتوسطة، وتحتوى الدول متوسطة أو منخفضة الدخل على %48 من السيارات والمركبات عالميا، بينما تشكل %90 من حوادث السير القاتلة، وهذا يرجع إلى خليط من نقص أو انعدام قوانين للسلامة وضعف تطبيقها إن وجدت فضلاً عن البنية التحتية الفقيرة.
وذكر تقرير لجريدة الواشنطن بوست أن تكلفة الاصطدامات على الطرق فى الدول متوسطة ومنخفضة الدخل تصل على الأقل إلى 100 مليار دولار سنوياً.
وتقدم مؤسسة بلومبرج الخيرية خريطة توضح فيها الدول العشر التى تتسبب فى 600.000 حالة وفاة سنوياً نتيجة الحوادث، وتلك الدول هى الهند، وروسيا ومصر والصين وفيتنام وكامبوديا وكينيا والمكسيك وكينيا وتركيا.
ويبلغ إجمالى عدد وفيات حوادث السيارات سنويا 1.3 مليون شخص، وبذلك، تكون تلك الدول العشر مسئولة عن أكثر من نصف الوفيات، وبشكل عام، تعد الهند صاحبة أكبر عدد فى وفيات حوادث السيارات تليها الصين ثم الولايات المتحدة، أما إريتريا فهى موطن أعلى معدل لحالات الوفاة بالنسبة لعدد السكان حيث يموت 48.8 شخص لكل 100.000 شخص، وتأتى بعدها دولة جزيرة كوك التى تخضع لادارة نيوزيلندا يليها مصر وليبيا طبقاً لأرقام منظمة الصحة العالمية.
كما تقدر منظمة الصحة العالمية أن تشكل الحوادث القاتلة المركز الخامس فى أكثر الأسباب المسببة للوفاة بحلول 2030.
وبالنظر إلى العيوب فى النظام المرورى وممارسات التطبيق فى بعض هذه الدول يجعل من الأسهل فهم ماهية المشكلة، ففى تركيا على سبيل المثال، لا تلزم القوانين السائقين المهنيين أو المسئولين الحكوميين بارتداء حزام الأمان.
وألقى الرئيس الروسى السابق، ديميترى ميدفيديف، باللوم على عدم انضباط السائقين وسلوكهم المستهتر، وعلى حالة الطرق السيئة مما يتسبب فى معدلات حوادث مرتفعة، وتعد الشرطة المرورية فى روسيا من اكثر مؤسسات الدولة فسادا، لذا يلجأ الروس إلى وضع كاميرات على لوحة عدادات السيارة لكى يمنعوا الشرطة المرورية من مطالبتهم برشاوى ولاتقاء شر وحشيتهم.
ويبلغ عدد المركبات فى الصين حوالى ثلث ما تحتويه الولايات المتحدة، ومع ذلك، فإنها تشهد حوادث تسبب فى 20.000 حالة وفاة سنويا، ويميل معظم السائقين فيها إلى تجاهل قواعد المرور ما دفع الحكومة إلى فرض قوانين جديدة أكثر صرامة.
وتنقل الواشنطن بوست عن جريدة «الأهرام» المصرية، التى لخصت الوضع فى مصر فى عنوانها الرئيسى مفاده أن عدد الذين قتلوا فى حوادث السيارات فى 2012 أكثر من عدد شهداء الثورة، وبالفعل، فإن القيادة فى شوارع القاهرة بمثابة تجربة مروعة بسبب سوء الطرق وازدحامها بالسائقين غير المدربين.
وتعود معظم حوادث الطرق فى الهند إلى القيادة تحت تأثير الكحوليات، ثم تضاعفت المشكلة مع النمو السريع فى امتلاك السيارات وزيادة عدد السكان.
واستثمرت مؤسسة بلومبرج الخيرية 125 مليون دولار فى سلامة الطرق حول العالم فى الفترة ما بين 2010 و2014، واستخدمت المنظمات شريكة المؤسسة هذه الاموال فى الترويج لارتداء خوذة الرأس وربط حزام الأمان والتوعية بمخاطر القيادة تحت تأثير المسكرات، وغيرها من الحملات. كما قدرت منظمة الصحة العالمية فى 2013، أن الحوادث تكلف الاقتصادات حوالى 1 إلى %3 من ناتجها المحلى الإجمالي، بينما على الصعيد الأسري، فإن وفاة العائل تؤدى إلى زيادة الاقتراض والديون.
واظهرت دراسة قامت بها منظمة الصحة بعنوان «عبء المرض العالمي» ونشرتها جريدة «واشنطن بوست» أن الحوادث أصبحت السبب الخامس المسبب للوفاء متجاوزة الإيدز والملاريا والسل، وغيرها من الأسباب القاتلة التقليدية. وأظهرت الدراسة أن معظم الضحايا يكونون من الفقراء والشباب والذكور، وتبلغ حصيلة القتلى فى إندونيسيا على سبيل المثال 120 شخصاً يومياً، أما فى نيجيريا فيحصد الأسفلت 140 روحاً يومياً.
الحياة الطويلة للفرد أهم الأصول الثابتة لرجال الأعمال
1000 مليار دولار عجز مشروعات البنية التحتية فى العالم
يبلغ الإنفاق على البنية التحتية الأساسية فى العالم من نقل وكهرباء ومياه واتصالات حوالى 2.7 تريليون دولار فى الوقت الراهن وفقاً للمنتدى الاقتصادى العالمى، فى الوقت الذى يجب أن يصل فيه إلى 3.7 تريليون دولار، وتقريباً تبلغ هذه الفجوة قيمة الناتج المحلى الإجمالى لكوريا الجنوبية أى حوالى تريليون دولار. ومن المرجح نموها سريعاً، الأمر الذى يوضح العجز الكبير فى الانفاق على البنية التحتية حول العالم.
ذكرت مجلة الإيكونوميست أن العالم يحتاج إلى الكثير من المال لسد الفجوة عن طريق الخزانة العامة، حتى فى عصر التقشف يجب على العديد من الحكومات أن تنفق المزيد.
وأشارت المجلة إلى أنه من السخافة أن يسجل الإنفاق على البنية التحتية فى أمريكا أكبر دول العالم أدنى مستوياته منذ 20 عاماً.
وفى معظم الاقتصادات الناشئة المحاصرون ماليا، عليهم التحرك فى مجال خفض الدعم غير الفعال (مثل الدعم على الوقود) وتبديل الأموال فى بناء مزيد من الطرق والمجاري.
يمكن أن يكون المال العام جزءاً من الحل، ولكن الفرصة الكببرة تكمن فى الاستفادة من رأس المال الخاص. ولسوء الحظ، فإن البنوك العالمية الكبيرة التى يتم من خلالها إقراض المال لتمويل مشاريع البنية التحتية ينسحبون، وتقلل معايير “بازل 3” إحدى قواعد رأس المال الجديدة مثل هذا الإقراض وتجعله أقل جاذبية.
يتم تخصيص %0.8 فقط من 50 تريليون دولار قيمة رؤوس الأموال التى تديرها صناديق التقاعد وصناديق الثروة السيادية وشركات التأمين ومؤسسات استثمارية أخرى حول العالم للانفاق على البنية التحتية.
ومن حيث المبدأ، فالاستثمار فى محطة لتوليد الكهرباء أو عدد القتلى على الطرق يجب أن يكون مجالا جذابا للمستثمرين من المؤسسات. فالحياة الطويلة من هذه الأصول بمثابة أفضل تطابق كامل للالتزامات الطويلة الأجل لصندوق التقاعد.
توفر مشاريع البنية التحتية سيولة موثوقاً بها، للتحوط ضد التضخم، وعلى وجه العموم فالتقلب والعوائد المنخفضة لا يرتبط بالأصول الأخرى.
وفى الممارسة العملية، ابتعد الكثيرون من مدراء الأموال عن الاستثمار فى البنية التحتية بدافع الخوف من الحجم والتعقيد والمخاطر السياسية.
تفتقر صناديق التقاعد الفردية إلى الخبرة فى تقييم المشاريع المعقدة، ومع انتشار الفساد والمزالق السياسية الناجمة من ارتفاع اسعار الطاقة تزداد هذه المخاطر فى الاقتصادات الناشئة ويمكن ان ينتج عنها حدوث ازمات فى العملة.
تحتاج كل دولة إلى مجموعة مختصة من البيروقراطيين الذين يمتلكون السلطة والنفوذ السياسى والمهارات اللازمة لتصميم صفقات البنية التحتية القابلة للنمو.
تمتلك شيلى، نظاماً وطنياً للاستثمارات العامة والذى عمل على تحسين كفاءة إنفاق رأسمالها بشكل كبير، وتبرز كندا وأستراليا أيضاً بشكل واضح. ولكن فى العديد من بلدان التكنوقراط فتميل إلى أن يكون هذا النظام تحت إبهام السياسيين.وفى البلدان الأكثر فقرا قد يكون من المفيد استخدام أموال المساعدات للدفع بأمهر الشركات للاستثمار فى البنية التحتية.
تعمل بالفعل الحكومات والمؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولى، على حماية المستثمرين من القطاع الخاص ضد المخاطر السياسية، مثل مصادرة ممتلكاتهم.
وينبغى على المنظمات التنموية الكبرى وعلى رأسها البنك الدولي، توفير قائمة كبيرة من التعزيزات الائتمانية والضمانات لتشجيع النمو فى سوق سندات البنية التحتية.
من المحتمل أن يكون لهذه التغيرات نتائج مأساوية، فسندات البنية التحتية يمكن أن تصبح فى كل مكان مثل الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري. وهذا لا يعنى أن تحصل جميع البلدان على شبكة الطرق التى تحتاجها. ولكن سوف تساعد فى التأكيد على أن المزيد من المدخرات فى الوقت الراهن يمكن استخدامه فى تمويل اللبنات الأساسية للنمو فى المستقبل.






