فقدان الثقة فى المؤسسات الروسية بعد التأثير الضئيل لرفع الفائدة على العملة
تعتزم الولايات المتحدة تصعيد الضغوط الاقتصادية على روسيا مع فرض مجموعة كبيرة من العقوبات الجديدة تستهدف الدفاع الروسى والطاقة والقطاع المصرفى، وذلك فى خضم معاناة روسيا من وطأة واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية منذ سنوات.
وقال الرئيس الأمريكى باراك أوباما إنه سيوقع على التشريع الذى مرره مجلسى الشيوخ والنواب مؤخرا والذى ينص على تشديد الاجراءات الرامية إلى حرمان الشركات الروسية الكبرى المملوكة للدولة من التمويل الغربى والتكنولوجيا، فى حين يمنح أوكرانيا أسلحة ومعدات عسكرية تبلغ قيمتها 350 مليون دولار، نظراً لأنها تقاتل تمردا مواليا لروسيا فى منطقتها الشرقية.
وأوضحت صحيفة نيويورك تايمز أن هذا التشريع أثار قلق أوباما، الذى حاول ألا يبتعد كثيراً عن إطار العقوبات الذى يرغبه حلفاؤه الأوروبيون، كما عارض الرئيس الأمريكى إرسال أسلحة فتاكة إلى أوكرانيا.
وتأتى العقوبات الجديدة فى الوقت الذى يترنح فيه الاقتصاد الروسى من انهيار قيمة الروبل والهروب المتزايد لاستثمارات رأس المال وشبح الركود، وساهمت الجولة الماضية من العقوبات – التى فرضها الرئيس الأمريكى والاتحاد الأوروبى على الكريملين رداً على التدخل العسكرى الروسى فى أوكرانيا – فى حدوث المزيد من الاضطرابات السياسية والاقتصادية التى تفاقمت مؤخراً جراء انهيار أسعار البترول الذى تعتمد عليه روسيا اعتماداً كبيراً.
وقال السكرتير الصحفى للبيت الأبيض، جوش إرنست، إن الاضطرابات التى تشهدها روسيا هى نتاج أفعال فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، فهى علامة على فشل استراتيجية بوتين للنهوض ببلاده، فهو وبلاده الآن فى عزلة عن المجتمع الدولي.
واستبعد مؤخرا مسئولو روسيا احتمالية فرض عقوبات جديدة على روسيا، وقال وزير الخارجية الروسي، سيرجى لافروف، إن روسيا لن تبقى واقفة على أقدامها فحسب، بل ستخرج من هذه الأزمة أقوى من ذى قبل.
وأضاف لافروف أن هناك أسباباً قوية تجعلنا نتأكد من أن الولايات المتحدة تنتهج استراتيجية لتغيير النظام وإسقاط بوتين، فحتى دون تشريعات الكونجرس، صرح أوباما بالفعل بجولات عديدة من العقوبات التى حالت دون وصول العديد من البنوك الروسية الكبرى إلى أسواق الائتمان الأمريكية، وأعاقت نقل التكنولوجيا للتنقيب عن الطاقة على المدى الطويل، وجمدت أصول عدد من حلفاء بوتين ومنعهم من السفر إلى الولايات المتحدة.
وكان الرئيس الأمريكى حريصا على تنسيق العقوبات مع حلفائه الأوروبيين الذين ترددوا فى تصعيد المواجهة مع روسيا خوفاً على المصالح الاقتصادية.
ويلزم مشروع القانون الرئيس الأمريكى بفرض عقوبات على ثلاث شركات تصدير الأسلحة الروسية من أصل قائمة تضم تسع شركات، بما فى ذلك شركة روسوبورون اكسبورت، المصدر الرئيسى للأسلحة فى روسيا، وتُتهم هذه الشركات بزعزعة الاستقرار فى أوكرانيا ومولدوفا وجورجيا وسوريا، ولكن التشريع يضم بندا يسمح للرئيس بإلغاء هذا الشرط إذا اتضح له أن ذلك سيكون فى مصلحة أمن البلاد.
ويمنح التشريع للرئيس حق- ولكن لا يلزمه- فرض عقوبات على الشركات الدولية التى تستثمر فى مشروعات الطاقة الروسية غير التقليدية وفرض المزيد من القيود على تصدير المعدات المستخدمة فى قطاع الطاقة فى روسيا، كما يسمح للرئيس بحظر الاستثمار أو اقراض شركة «جازبروم»، عملاق الغاز الروسي.
بالإضافة إلى ذلك، يعطى مشروع القانون للرئيس الأمريكى الحق فى توفير الأسلحة الفتاكة لحكومة أوكرانيا، بما فى ذلك الأسلحة المضادة للدبابات، وطائرات الاستطلاع بدون طيار التكتيكية والردارات المضادة للمدفعية.
وأوضحت مجلة الايكونوميست أن هناك خطراً حقيقياً من تتطور أزمة انهيار العملة فى روسيا إلى أزمة مصرفية أكبر، فربما يبدأ الشعب الروسى فى التكالب على البنوك لسحب ودائعهم، وقد تحاول روسيا فرض قيود على رؤوس الأموال لمنع هروبها من البلاد، ولكن هذه الخطوة يمكن أن يكون لها آثار عكسية وتزيد من تدفق رؤوس الأموال خارج البلاد.
ويبدو أن السلطات الروسية تتخذ خطوات كبيرة لبث الاستقرار فى أداء العملة بعد أسوأ أداء لها، وقلبت اضطرابات العملة النظام الاقتصادى الذى شيده بوتين بعناية رأسا على عقب.
وخسر الروبل %17 من قيمته أمام الدولار خلال جلستى الاثنين والثلاثاء، بينما كان أداؤه متقلبا بعد التدخل الحكومى أمس.
ودفع الانخفاض الكبير فى قيمة العملة صناع السيارات وغيرهم إلى تعليق البيع حتى يتمكنوا من تقرير ما هو السعر المناسب لمنتجاتهم، وعطلت شركة «آبل» منفذها الإلكترونى فى روسيا اعتبارا من الأمس.
وقال وزير المالية الروسى إنه سوف ينضم للبنك المركزى فى بيع الاحتياطيات الأجنبية لمساعدة الروبل على تعويض خسائره، وحث بعض المشرعين المواطنين على عدم الفزع.
وقالت فانتينا ماتفينكو، رئيسة المجلس الأعلى للبرلمان، إن التقلبات الحالية فى العملة مثل الطقس السيئ الذى يأخذ فترته ويمر، ودعت لضبط النفس وعدم الفزع.
ورغم استقرار قيمة الروبل نسبيا يوم الأربعاء عن الأيام السابقة، إلا أن الوضع مازال هشا، ويبدو أن الكثير من المستثمرين فقدوا الثقة فى مؤسسات الدولة، خاصة بعد التأثير الضئيل لقرار رفع سعر الفائدة على أداء العملة.
وقال مسئولون اقتصاديون كبار إنه ينبغى على روسيا الاعتياد على تدهور مستويات المعيشة، وقالت نائبة رئيس الوزراء، أولجا جولوديتس، إن معدلات الفقر سترتفع حتما بسبب زيادة التضخم.
كما قالت إلفيرا نابيولينا، رئيس البنك المركزى الروسي، إن هذا الوضع الجديد يتطلب تغييراً فى السلوك، موضحة أنه ينبغى التخلص من البضائع المستوردة الغالية واستبدالها بالمنتجات الروسية الرخيصة.







