بقلم: بيتر فان بيرو
كشف حيدر العبادى، رئيس الوزراء العراقى مؤخراً عن 50 ألف جندى وهمى فى صفوف الجيش العراقى يصرف لهم رواتب شهرية. ويرى كثيرون، أن هذه الظاهرة أحد أسباب هزيمة الجيش على يد الدولة الإسلامية ومثال واضح على محاولات العبادى للإصلاح.
ويعتبر الجيش العراقى حالياً صناعة أمريكية، حيث تم حله عقب احتلال الولايات المتحدة للعراق، والإطاحة بصدام حسين تمهيداً لتأسيس جيش جديد، وهو ما كلف دافع الضرائب الأمريكى 20 مليار دولار.
وجرى تشكيل الجيش العراقى على يد الولايات المتحدة فى أثناء مناخ من التمرد لكنه لم يكن مؤسسة وطنية حقيقية، حيث تشكل من مجموعة فضفاضة من الإقطاعيات المقسمة على أسس من الطائفية.
وجرى وضع الوحدات السنية فى المناطق السنية ليقودها جنرالات من السٌنة، بينما جرى تسكين وحدات الشيعة فى المناطق الشيعية، وبالقطع ذهبت الوحدات الكردية بجوار البشمرجة فى المناطق الخاضعة لهم. وقبلت الولايات المتحدة هذه التقسيمات بطريقة نفعية، حيث إن البديل لم يكن له قيمة وهو الانتظار حتى إنهاء المشاكل الطائفية أولاً.
ويعنى حل جيش «صدام» الإطاحة بالقيادات العسكرية ذات الخبرة والجنود العراقيين المحترفين، حيث اختفى العديد منهم، بينما انضم آخرون إلى مقاومة الاحتلال الأمريكى، وكان على الولايات المتحدة تشكيل فرق تدريب الضباط من الفتات، لكن فى أفضل الظروف يحتاج تدريب قادة جرى انتقاؤهم بعناية، وتم الإسراع بالمهمة فى ظل نتائج متوقعة، حيث جرى تسليم المسئولية لهواة بشرط أن تلقى الولايات المتحدة بكل جنودها المحترفين وذوى الخبرة.
وهناك مقالة مشهورة للإمبراطور الفرنسى نابليون بونابرت تقول إن الجيوش تسافر على معدتها نقلها الجنرال روبرت بارو قائد فرقة مشاة البحرية الامريكية «مارينز»، مشيراً إلى أنها حديث هواة عن التكتيكات لكن المحترفين يدرسون الامدادات اللوجسيتة. ومنذ الأيام الاولى تحالفت عوامل ميلاد الجيش العراقى لتكون هى سبب نهايته.
أسفر تقسيم حكومة بغداد على أساس طائفى عن عدم توزيع المصادر بحسب الاحتياجات على الاطلاق ولم يكن هناك وجود للرقابة الضرورية لتجنب الجنود الاشباح.
وجرى اخفاء المشكلات حيث تم تفكيك العراق لأجزاء فلا يمكنه القتال فى معركة طويلة داخل بغداد أو طلب قائد أمريكى محلى لتقديم المساعدة فيما يتعرض القادة أنفسهم تحت ضغط للإبلاغ عن نجاح مهمتهم كأمر اعتيادى لكن النظام العراقى الحاكم لم يدفع أبداً لينضج لوماً يسمح لها أيضا بالسقوط على الأقل حتى ظهور الدولة الإسلامية.
وظهر النظام للبعض غير كفء بينما كان فرصة لآخرين حيث يتطلب التعيين برتبة عقيد فى 2009 رشوة قدرها 20 ألف دولار ونفس الوظيفة حالياً تطلب دفع رشوة 200 ألف دولار بينما تقلد منصب قائد فرقة يتطلب دفع رشوة قدرها مليونا دولار. وبالطبع هذه المبالغ بالنسبة لدافع الرشوة هى استثمار سيعود عليه بالربح.
يستطيع القادة كسب النقود من خلال مواقع عملهم عن طريق بيع الغاز وقطع الغيار ونصب نقاط التفتيش غير قانونية لجمع الرشا من راكبى الدراجات البخارية فضلا عن بيع الكهرباء من محطات التوليد الكبرى التى يديرونها. يمتلك هؤلاء القادة صلاحيات لقشد الموازنات واخفاء رواتبهم الحقيقية عن القيادات العليا بل وخلق قوات وهمية مثل الاشباح لتبرير زيادة الموازنات الخاصة بوحداتهم.
ويقوم جيش الاشباح بمهمة أخرى أيضاً تتمثل فى التغطية على غياب الجنود فخلال انضمامى لصفوف الجيش الامريكى فى العراق كان من المسلم به أن أى وحدة عراقية تعمل معنا سيكون بها نسبة نقص فى جنودها. وبحسب المستشارين الأمريكيين كانت النسبة المعتادة للغياب %10 بينما بلغت تقديرات بعضهم إلى %30.
أين ذهبت القوات العراقية؟ ففى غياب نظام مصرفى معقول يجب أن يوصل الجنود رواتبهم بأنفسهم إلى أسرهم. بعض الجنود يضطر للذهاب لعمل إضافى، حيث التهم القادة معظم الموازنة المخصصة للطعام ولم يبق لهم ما يكفى لإطعام أنفسهم وفى أوقات المعارك المفاجأة يضطر الجنود لشراء الأطعمة من الأسواق المدنية، كما حدث فى الموصل وعندما اغلقت الأسواق ابوابها بسبب هجمات الدولة الإسلامية لم يكن امام الجنود خيار سوى الهروب.
والسؤال الحقيقى حالياً هل العبادى الذى دفعت به أمريكا قسرا للحكم يمكن أن يصلح الجيش عبر انظمة التدقيق المالى والتموين وغيرها أم أن تصديه لظاهرة الجنود الاشباح مجرد دعاية للاحياء بأنه يسعى للتغيير من أجل الحصول على مزيد من أموال الأمريكيين لتقع فى نفس الحفرة؟
إعداد ــ ربيع البنا
المصدر ــ وكالة رويترز








