بقلم: آلان بيتي
لا شيء يثير غضب المستثمرين المتخصصين فى الأسواق الناشئة أكثر من حصر جميع الدول متوسطة الدخل تحت مظلة واحدة، كما أنهم يكرهون مصطلح « البريكس » بشكل خاص، والذى يجمع خمسة اقتصادات متباينة للغاية تحت مظلة واحدة، وهى البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.
ورغم الاختلافات الواضحة فى الهياكل الاقتصادية وجودة صناعة السياسة فى الدول الناشئة، فقد عانت كلها العام الجارى من المخاوف بشأن ارتفاع الفائدة وانخفاض أسعار السلع.
وبالنظر إلى المسارات المختلفة التى سلكتها الدول متوسطة الدخل والسياسات المتباينة التى تبنتها، فمن غير المعقول أن تسلط الانتعاشة التى شهدتها تلك الدول، والتى تعود إلى أوائل عام 2000 الضوء على الاقتراض الرخيص والسلع الغالية فقط، وفى ظل غياب البيئة الخارجية الداعمة، أصبح من الأصعب الآن حتى على الاقتصادات المستقرة تحقيق النمو فى المستقبل.
وفى شهر يناير الماضى، أدت المخاوف من تخفيض الاحتياطى الفيدرالى من برنامج التيسير الكمى تدريجياً إلى موجة من البيع لعملات وأصول الأسواق الناشئة، كما تسبب التراجع الحاد فى أسعار البترول والاضطرابات فى روسيا خلال الشهرين الماضيين فى تصحيح عريض لأداء الأسواق.
ودائماً ما يلحق تراجع أسعار السلع الضرر بمصدرى المواد الخام، ولكن بعض الدول خلطت الحظ السيئ بسياسات فقيرة للغاية مثل توسيع الإنفاق الحكومى والاقتراض على خلفية الإيرادات المتوقعة.
واستعانت زامبيا، مصدرة النحاس، وغانا، مصدرة البترول، حديثاً بصندوق النقد الدولى، بعد التراجع الحاد فى إيرادات التصدير، ما سلط المزيد من الضوء على العجز المالى والعجز فى الحساب الجاري.
وخلطت دول أخرى الأخطاء الاقتصادية بالحماقات الجيوسياسية، فقد كانت روسيا نظرياً فى وضع أفضل من غيرها من مصدرى البترول فيما يتعلق بتحمل التراجع فى أسعار الخام وحتى الهبوط فى أسعار العملة، ولكان يساعدها على ذلك امتلاكها احتياطيات نقدية واسعة وديوناً أقل مقومة بالدولار، ولكان التراجع فى قيمة الروبل ليحمى قيمة الإيرادات الضريبية المقومة بالروبل، وبدلاً من ذلك، لجأت الدولة إلى إثارة الفزع ودفع رؤوس الأموال للهروب، ما تطلب رفعاً طارئاً لأسعار الفائدة.
ويبدو مستقبل روسيا أكثر كآبة بعد أن اتضحت تكاليف مغامرة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين الخطيرة فى أوكرانيا، وتزداد مخاطر السلوك غير المنظم للحكومة، وربما تتجه لمصادرة الممتلكات، وتؤكد الأزمة الاقتصادية الروسية عدم اليقين المرتبط بدولة الشخص الواحد والسلعة الواحدة وكلاهما لا يمكن توقع مساره بقدر الآخر.
وبينما يعد الألم الناتج عن تراجع أسعار السلع متوقعاً، صاحب التراجع فى أسعار البترول هبوط فى الطلب من جانب المستوردين الصافين مثل الهند وتركيا، وفى تركيا وغيرها من الدول صاحبة العجز الكبير فى الحساب الجاري، سوف يتم تقويض فوائد هبوط أسعار الطاقة بسبب تضييق شروط الائتمان والتحول العام نحو الأصول الخطرة، وقد تصبح العجوزات أصغر، ولكن سوف يكون من الصعب على تلك الدول الاقتراض لتغطية العجز.
وقد كان النمو فى تركيا على مدار العقد الماضى حقيقياً وجوهرياً، ولكن الدولة أصبحت معتمدة بشدة على الاقتراض الرخيص، وفى العام الماضى بلغ العجز فى الحساب الجارى %8، ومن المتوقع أن يبلغ العجز %6 هذا العام رغم انخفاض فاتورة استيراد البترول.
ونتيجة تنمر الحكومة علناً على البنك المركزى لإجباره على إبقاء السياسة النقدية متراخيةً، ظلت أسعار الفائدة قصيرة الأجل منخفضة للغاية، وارتفع معدل التضخم وخرج عن السيطرة، كما صعدت تكاليف الاقتراض طويل الأجل، وفقدت الليرة ربع قيمتها أمام الدولار منذ بداية 2013.
والأكثر إثارةً للدهشة، أن الدول الأفضل أداءً من تركيا مثل الهند قد تضررت أيضاً، رغم اتخاذ الهند تدابير تفوق تركيا لتقليص العجز فى الحساب الجاري، كما أن البنك المركزى الهندى بقيادة محافظه، راجورام راجان، تحرك سريعاً لتخفيف الضغوطات التضخمية.
وببساطة، لا يميز المستثمرون بين الدول بقدر ما تشير الأسس الاقتصادية المتنوعة لكل دولة، وتعنى الحالة المتقلبة للأسواق المالية حول العالم، إلى أن الأسواق الناشئة ما زالت تعانى جميعها من هروب رؤوس الأموال إلى الملاذات الآمنة فى أوقات الأزمات.
ولا يوجد شيء فى أيدى صناع السياسة سوى التركيز على أسس ومبادئ اقتصاداتهم والانتظار حتى يعود الهدوء.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز