الرئيسة روسيف تتبنى سياسة تقشف قاسية لإنقاذ الاقتصاد المتراجع
بالقطع ستكون الولاية الثانية فى رئاسة البرازيل صعبةً على ديلما روسيف، فلم تعد هى فتاة أحلام الفقراء الذين عقدوا عليها الآمال فى تخفيف معاناتهم، وانتهت ولايتها الأولى بثورة شعبية ضد قرارات رفع أسعار الخدمات خصوصاً النقل، فتراجعت عنها، واحتاجت جولة ثانية فى انتخابات أكتوبر الماضى لكى تفوز بفرصة أخيرة فى منصبها لإصلاح أخطاء الماضى.
لكن قرارت أصعب ستكون روسيف مجبرةً على تبنيها لإنقاذ الاقتصاد المتهاوى على وقع مشكلات هيكلية لابد من مواجهتها فمع أداء رئيسة البرازيل، اليمين الدستورية فى الأول من يناير، كان من المتوقع أن تصفو سماء العاصمة، برازيليا، ولكن التوقعات بشأن السنوات الأربع المقبلة تبدو قاتمة.
تكدست الغيوم فوق سماء الاقتصاد، فنهاية دورة الارتفاع الهائل فى أسعار السلع الأساسية تعنى انخفاض أسعار الصادرات البرازيلية من فول الصويا وخام الحديد والبترول، والسياسات التى اتبعتها روسيف خلال فترة رئاستها الأولى أثبتت أنها كارثية، فمزيج من تراخى الاقتصاد الكلى وتدخل غير مرغوب فيه فى الاقتصاد الجزئي، الذى كان يهدف إلى تعزيز النمو، أدى إلى تدهور المالية العامة ومصداقية روسيف.
ارتفع الناتج المحلى الإجمالى بنسبة %6.7 فقط خلال السنوات الأربع الأولى من فترة ولاياتها، وخفض محافظ البنك المركزي، الكسندر تومبيني، ووزير المالية، جويدو مانتيجا، أسعار الفائدة والإنفاق العام حتى مع ارتفاع التضخم وتراجع عائدات الضرائب، وإذا كان من المفترض أن تكون فترة ولايتها الثانية أفضل من الأولى، فهى فى حاجة ألا تكرر الكثير من سياساتها فى الفترة الثانية.
وأطلقت روسيف ضربة البداية بتعيين جوكويم ليفي، المصرفى المخضرم، وزيراً للمالية بدلاً من ماجنيتا، ونيلسون باربوسا، الاقتصادى المبجل، لوزارة التخطيط المنوطة بمراقبة استثمارات القطاع العام، وسيظل تومبينى محافظاً للبنك المركزى، ولكنه مكلف بتحقيق نسبة التضخم المستهدفة عند حوالى %4.5.
ومنذ فوز روسيف فى الانتخابات الرئاسية التى أجريت فى أكتوبر الماضي، ارتفعت أسعار الفائدة من %11 إلى %11.75، ووقع وزيرا التجارة والزراعة هدنة مع القطاع الخاص.
وتعهد وزير المالية الجديد، جوكويم ليفي، بفائض مبدئى فى الموازنة يبلغ %1.2 من الناتج المحلى الإجمالى عام 2015 و%2 فى عام 2016 لتفادى خسارة البرازيل تصنيفها الائتماني، فى حين تضخم الدعم الغامض وغير الكفء للطاقة والمواصلات والائتمان، تحت رئاسة وزير المالية السابق، كما تعهد ليفى بأن يرفع نصف بنود الإنفاق فى الموازنة العامة، بما فى ذلك المعاشات، بالتوازى مع الحد الأدنى للأجور، الذى من المتوقع أن يرتفع بنسبة %2.5 من حيث القيمة الحقيقية فى عام 2015. ويقول مانسويتو الميديا، خبير المالية العامة، إن تحقيق فائض بنسبة %0.7 أو %0.8 أكثر واقعية.
وحتى تتمكن الحكومة من تحقيق تلك النسبة، يتعين عليها خفض استثمارات القطاع العام ورفع الضرائب، ما يجعل العودة إلى النمو هدفاً صعب المنال على المدى القصير، ويعد العبء الضريبى فى البرازيل، الذى يشكل بالفعل %36 من الناتج المحلى الاجمالي، أعلى بكثير من ذلك الموجود فى البلدان الأخرى ذات الدخل المتوسط، ومن المرجح أن تنخرط شركات البناء الكبرى المتهمة بإرشاء شركة «بتروبراس» فى إجراءات قانونية، وبالتالى تُمنع من ممارسة نشاطاتها.
ويضع هذا الأمر مشروعات البنية التحتية المخطط لها بقيمة 325 مليون دولار فى خطر، بما فى ذلك المشروعات اللازمة للاولمبياد التى ستستضيفها البرازيل عام 2016، وبعد انخفاض الاستثمارات بنسبة %7.2 فى عام 2014، يتوقع بنك «إيتاو» ركود الاستثمارات فى 2015، وخفض المحللون توقعاتهم للنمو العام الجارى من %2.5 إلى %0.8، ويتوقع البعض الدخول فى مرحلة «ركود صريح».
وسوف تضر سياسة التقشف بشعبية روسيف على نحو كبير، إذ ارتفعت بالفعل أسعار البنزين وستتبعه الكهرباء والنقل العام، والخطة الأخيرة لرفع رسوم الحافلات فى المدن الكبيرة، فى يونيو 2013، أثارت أكبر احتجاجات شهدتها البلاد وسرعان ما تم خفضها، وأى تعديل فى السياسة المالية والنقدية لاستعادة قوة المالية العامة، سيرفع بالتأكيد معدلات البطالة التى تقترب حالياً من أدنى مستوياتها بنحو %5.
وبعد أن وعدت ديلما روسيف الشعب البرازيلى بأن سياسة «شد الحزام» لن تكون مؤلمة، فسوف تفك رئيس البرازيل حزام التقشف مع أول اضطرابات ستواجهها، وحتى لو لم تفعل ذلك، فإن شهيتها الجديدة حيال الإصلاحات لن تتواءم مع قدرتها لتحقيقها.







