لا شك أن احتجاجات عمال أسمنت السويس لن تكون الأخيرة.. فهذه الاحتجاجات والاعتصامات أصبحت واقعاً اعتدنا عليه يومياً.. ولكن السؤال إلى متى ذلك؟ وهل لا يوجد حل لهذه الاحتجاجات؟
فى البداية فإن الاحتجاجات مشروعة وبالتأكيد مطالب العمال أيضاً مشروعة إلا أن تزايد هذه الاحتجاجات يعنى أن هناك حواراً مفقوداً بين العمال وأصحاب الأعمال، وأن دور الدولة غائب فى إقامة علاقة متوازنة بين أطراف علاقة العمل.. وهذا دور وزارة القوى العاملة والنقابات العمالية.. فأى احتجاج عمالي يكمن أساسه فى عدم موافقة صاحب العمل أياً كان حكومياً أو قطاعاً خاصاً على مطالب العمال سواء بزيادة الرواتب أو صرف الحوافز.. وهى جميعها مشاكل يمكن حلها على طاولة التفاوض بين العمال وممثليهم فى التنظيمات النقابية وبرعاية حكومية متمثلة فى وزارة القوى العاملة، وهو ما يعرف فى الأوساط النقابية بالمفاوضة الجماعية بين العمال وأصحاب الأعمال للتوصل إلى اتفاق للمشاكل محل الاحتجاج.. وينتج عن هذه المفاوضات ما يعرف باتفاق عمل جماعى يحدد حقوق العمال وواجباتهم ورواتبهم وآليات ومواعيد زيادتها وطرق ومواعيد صرف الحوافز والمكافآت ونظم الترقية ويتم الاتفاق على العمل بهذه الاتفاقية لعدة سنوات ثم يتم التفاوض من جديد حال طلب تجديدها ويرعى هذه المفاوضات، كما قلنا وزارة القوى العاملة والنقابات العمالية.. وهناك أمثلة كثيرة لاتفاقات عمل جماعية فى شركات عاملة فى مصر حلت كثيراً من النزاعات وأطفأت فتناً كثيرة.. فماذا لو شغلت وزيرة القوى العاملة نفسها ووزارتها بإقرار المفاوضة الجماعية بين العمال وأصحاب الأعمال وكذلك المنظمات النقابية العمالية عليها أن تدرب العمال على المفاوضة الجماعية بدلاً من تبنى الاحتجاجات والإضرابات.. مطلوب أن يؤدى كل منا ما عليه ثم يحتج أو يضرب لا أن يبدأ بالاحتجاج ليضغط على الطرف الآخر بهذه الطريقة لتبدو الصورة أكثر حضارية فيما يجلس الجميع على طاولة المفاوضات بدلاً من الجلوس علي أرصفة الشوارع والميادين وتعطيل حركة المرور ووقف الإنتاج بسبب الاحتجاجات فيخسر صاحب العمل الكثير فى الوقت الذى نطالبه بزيادة الأجور.. فإذا فرغت الوزيرة ناهد العشرى وقتها وعلمت أن هناك عمالاً آخرين غير الموجودين فى موقع قناة السويس الجديدة يجب الاهتمام بهم لأدركت أن هناك مشاكل كثيرة تستحق منها الاهتمام والتركيز أفضل من أن تفرغ وقتها لتوزيع وجبات الطعام على العاملين بموقع حفر قناة السويس الجديدة الذين لهم حظ أكبر فى الاهتمام.. وأيضاً لماذا لا يدعو اتحاد العمال واتحاد الصناعات إلى مبادرة للمفاوضة الجماعية بين العمال وأصحاب الأعمال، خاصة ونحن بصدد إصدار قانون جديد للعمل لا يرضى على نسخه الأولى الكثيرون.. يا سادة لو قام كل منا بواجبه لنال كل منا حقه.
وكما قال العملاق محمود عباس العقاد إذا كثرت المطالبة بالحقوق فى بلد ستقل فيه الواجبات.. ولو قام كل بواجبه لنال كل شخص حقه.. فمن له حق إذا أدى واجبه سينال حقه من الآخر الذى سيكون دوره أداء ما عليه وهو حق الآخر.