بقلم: محمد العريان
ضربت عاصفة العملات التى اجتاحت العالم الناشئ، أسواقاً أخرى حول العالم، وضغطت على تقييمات الأصول، وخلقت نقصاً فى السيولة، وفى بعض الحالات، بدأت آثارها تتسلل إلى المجالات الاقتصادية والسياسية.
ورغم أن هذه الاضطرابات تسببت فى آلام للمستثمرين، وهددت ببعض الحوادث، فإنها خلقت أيضاً القليل من الفرص الاستثمارية اليوم، وستفرز عن المزيد مستقبلاً.
وعلى الجبهة الاقتصادية، عانى كثير من الاقتصادات الناشئة من الخليط غير السار من الطلب العالمى المتباطئ، وأسعار الأصول العالمية غير المحبذة، وبالتالى كانت تعيش تلك الاقتصادات فى بيئة تتسم بالتباطؤ، إذ صاحب انحدار النمو فى الصين ركود فى أوروبا واليابان، أضف إلى ذلك، الهبوط الحاد فى إيرادات الصادرات بالنسبة للدول المنتجة للسلع.
وتبدو الخيارات السياسية أمام تلك الاقتصادات الناشئة أقل جاذبية بكثير، خصوصاً بعد استهلاكها لبعض الاحتياطيات النقدية الضخمة التى راكمتها فى السنوات الأخيرة.
كما أصبحت قدرتها على الإبحار محدودة فى عالم من التراجعات باستخدام الأدوات المالية فقط. و
علاوة على ذلك، تعيق الظروف السياسية غير المستقرة فى البلدان ذات الأهمية النظامية والتأثير الكبير على مؤشرات السوق (مثل البرازيل، وروسيا، وتركيا) التعديلات السياسية المطلوبة فى الوقت الحالي، والتى تتضمن خليطاً من التعديلات المالية والإصلاحات الهيكلية الداعمة للنمو.
وأدى انسحاب الاستثمارات الرأسمالية الأجنبية إلى زيادة حدة التحدي. ويشعر المستثمرون الذين استثمروا فى أسواق خارج منطقتهم المريحة، بحاجة ملحة للعودة إلى أسواقهم الأصلية فى الاقتصادات المتقدمة.
وهذا لا يزيد الضغوط فحسب على الاحتياطيات الأجنبية وأسعار السلع، بل يحرم الأسواق الناشئة من السيولة التشغيلية، مما يجعل اختلالات السوق أكثر شيوعاً.
وكانت المذبحة أكثر حدةً بشكل خاص فى ساحة النقد الأجنبي، نظراً إلى انحدار أكثر عملات الأسواق الناشئة تداولاً إلى مستويات دنيا أسوأ من التى وصلت إليها فى أحلك أيام الأزمة المالية العالمية.
وتواجه الشركات خسائر متراكمة بسبب عدم التوافق بين التزاماتها بالعملة الأجنبية المرتفعة، ومكاسبها بعملات أجنبية منخفضة. وانهارت العملات المربوطة بعملات أجنبية ارتباطاً غير مرن، وكان آخرها عملات كازاخستان وفييتنام.
وكلما أصبحت الاضطرابات أعمق وأطول، ازدادت احتمالات انتقال العدوى إلى فئات أخرى من الأصول، وهذا ما حدث بالفعل. فبعد أن أدت التقلبات إلى تقويض الائتمان فى الأسواق الناشئة، وأسواق السندات المحلية، امتدت إلى سوق سندات الشركات فى الأسواق المتقدمة، وحتى إلى أسواق الأسهم الأكثر رسوخاً مثل الولايات المتحدة.
وقد تستمر التقلبات الناتجة عن ذلك لبعض الوقت. ورغم التطورات الأخيرة، فإن بعض الأجزاء فى السوق لا تزال غير متأثرة بما يحدث، خصوصاً تلك الأجزاء التى اعتمدت على سخاء البنوك المركزية.
وفى الوقت نفسه، لم تعد القرارات السريعة من صناع السياسة فعالة بنفس القدر هذه الأيام. وذلك يرجع إلى تبنى هذه المؤسسات لفترة طويلة سياسات استثنائية.
وعلى المدى القصير، يستدعى ذلك الحذر فى اختيار الاستثمارات، ولكن ذلك لا ينطبق على كل شيء، فقد أدى الجمع بين تخطى الأسواق والأصول المستويات المعتادة والعدوى، إلى خلق فرص استثمارية فردية مثيرة للاهتمام. فعندما ينهار السوق، تختلط الأسماء الجيدة بالسيئة، خاصة أن قواعد التداول فى أوقات الاضطرابات تجبر مستثمرين محددين على بيع كل ما يستطيعون بيعه.
كما أن مديرى الأصول أصحاب الاستثمارات طويلة الأجل يتدافعون لمراكمة النقدية بأى طريقة ممكنة، خشية أن يطالب العملاء بتعويضات عن الخسائر.
وتتركز معظم فرص التداول فى «التداولات النسبية»، وهى التى يستغل فيها المستثمرون، الأسواق المضطربة لشراء الأسماء الراسخة ذات الأسس الجيدة، ويبيعون تلك الأسهم ذات الأسس الضعيفة، المرجح أن تتراجع أسعارها أكثر.
وتتمثل أكثر الخصائص المهمة المميزة للشركات ذات الأسس الجيدة، فى الدعامات النقدية الكبيرة فى الميزانيات العمومية، والمرونة التشغيلية الواضحة، وسجل الأداء السليم. وعلى المدى الأطول، ستهاجر الفرص إلى كافة فئات الأصول، وسيجد المستثمرون طويلو الأمد فرصاً جيدة متاحة فى فئات أرخص نسبياً. وهذه على الأرجح ستكون الحالة بالنسبة لعملات الأسواق الناشئة، والسندات المحلية، والديون الخارجية، إذ سيكون الصبر مفتاح الفرج.
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز».