بقلم نواه سميث
أود أن أوضح كيف يفكر الكثير من الاقتصاديين المعاصرين فى قضية إعادة توزيع الثروة، فلو ناقشت قضايا الرعاية الاجتماعية أو الضرائب أو عدم المساواة مع خبير اقتصادى، فأنت على وشك التعمق فى مفهوم توازن العدالة والكفاءة، وهو مفهوم يقوم على التوازن بين الكعكة الاقتصادية والتوزيع العادل لهذه العكعكة.
افترض أنك بالفعل شخص ثري، وثروتك تبلغ 50 مليار دولار، مع بعض الزيادة والنقصان اعتمادا على التقلبات اليومية فى الأسواق المالية، ولكن حتى إذا انهارت الأسعار، سيكون لديك ما يكفى من المال لشراء كل ما تريد من عقارات، وطائرات خاصة، ويخوت فارهة، وأن بإمكانك تحمل منح ملايين الدولارات لدعم قضايا سياسية، أو جامعات، أو مؤسسات خيرية كل عام دون ان يتسبب ذلك فى تخفيض ملحوظ لصافى ثروتك.
والآن، افترض أن قرصان ما سرق 10 آلاف دولار من أحد الحسابات الخاصة بك لدى شركات السمسرة، فأنك لن تلحظ السرقة تقريباً، إذا كان المحاسب الخاص بك بارع للغاية، والفارق الذى ستشكله هذه السرقة لا يذكر فى قوتك الشرائية، ولن تكون خسارتك فى هذه الحالة أعلى مما تخسره مئات المرات فى اليوم بسبب التحركات العشوائية فى السوق.
والآن، افترض أن هذا القرصان، مثل روبن هود، قرر إعطاء العشرة آلاف دولار المسروقة إلى شخص فقير فى حارة فى بالتيمور (مدينة أمريكية)، وبلغ راتبه للعام بأكمله 10 آلاف دولار، وفجأة تضاعف راتبه السنوي، وانخفضت مخاطر أن ينام فى مأوى للمشردين بقدر كبير، حتى إنه قد يستخدم المال لأخذ دروس ليلية ويضمن لنفسه مستقبل أفضل.
بمعنى آخر، 10 آلاف دولار لا تشكل فرقا كبيرا للملياردير، فى حين أنها تفعل الكثير فى حالة الشخص الأمريكى الفقير، ناهيك عن الفقير فى الهند أو نيجيريا.
وهذا الفرق فى القيمة الهامشية للثروة – أى قيمة كل دولار إضافى – يمثل جزءاً رئيسيا لخبراء الاقتصاد المعاصرين، فهى تسلط الضوء على نظريتهم فى المخاطر ونظريتهم للعمل والرفاهية، كما أن لهذا الفرق معانى فيما نعتقده عن رفاهية الإنسان، فأى عدد من الدولارات ينتج خيراً أكثر فى يد الفقير من يد الغني.
إذن هل ينبغى علينا توزيع الثروة حتى يمتلك كل فرد قدر متساو؟ حتى وإن إعتقدت إن هذا مقبولا لأسباب اخلاقية، فإن هناك سبباً جيداً للحذر، ففى حين أن الأغنياء قد لا يلاحظون سرقة واحدة أو اثنين من حساباتهم، فسوف يلاحظون بالتأكيد الاستقطاع المستمر من ثرواتهم من قبل الحكومة، وهذا الاستقطاع بالطبع يطلق عليه الضرائب.
وعندما نفرض ضرائب على الناس، فنحن عادة نتسبب فى تقليلهم لقدر ما يفعلونه ويخضع لضريبة، وهذا ليس دائماً صحيحاً، فإذا فرضت ضرائب على عمل الناس، فقد يعملون أقل نتيجة انخفاض قيمة ساعة العمل، أو قد يعملون أكير لأنهم أصبحوا أفقر من ذى قبل، ولكن عموماً، تقلل الضرائب النشاط الاقتصادى، ففرض ضرائب على الاستثمار يقلل الاستثمار، وكذلك فرض ضرائب على الاستهلاك يقلل الاستهلاك.
وعلى أى حال، فإن الرسالة هى أنه كلما تحاول الحكومات توزيع الدخل، سيقل الدخل المتاح للتوزيع، وكلما أجبرت المجتمع على أن يكون متساوياً، كلما أصبح فقيراً.
وهذا يعرف بالعامية بـ«دلو أوكان»، على اسم الاقتصادي، آرثر أوكان، الذى وصف إعادة توزيع الدخل، ونقل الثروة من شخص لآخر كدلو مثقوب، لأنك تنجح بالفعل فى نقل الثروة من مكان لآخر، ولكن على طول الطريق تفقد أموال بسبب الثقوب.
وأتاحت التقنيات التجريبية الحديثة للاقتصاديين معرفة أفضل لحجم هذه الثقوب، فعلى سبيل المثال، أجرى الاقتصادي، ناثانيال هيندرن، بحثاً فى الآونة الأخيرة على الخصم الضريبى على الدخل المكتسب، وقسائم السكن، وطوابع الغذاء، ووجد أن كل دولار يتم إعادة توزيعه من الأغنياء إلى الفقراء فى هذه البرامج، يفقد ما بين 34 و56 سنتا من قيمته.
وهكذا يفكر الاقتصاديون عندما يتعلق الأمر ببرامج إعادة توزيع الدخل مثل المذكورة بالأعلى، ولا يفكرون عادة الجوانب الاخلاقية، مثل إذا كان من الأخلاقى أن تأخذ الحكومة من دخل شخص لإعطاء شخص آخر أم لا، وعندما يحاولون الخوض فى الجوانب الأخلاقية من الأشياء، تكون النتيجة فى كثير من الأحيان محرجة.
وبالتالى يترك الاقتصاديون قضايا العدالة للفلاسفة، والساسة، ويركزون فى الغالب على قياس التوازن بين العدالة والكفاءة، وقد يبدو ذلك قاسياً بعض الشىء، ولكنه بالنسبة للكثير من الاقتصاديين، يبدو الأمر كأكثر الطرق موضوعية فى التعامل مع قضايا إعادة توزيع الدخل.
المصدر وكالة أنباء بلومبيرج