من الصعب الدفاع عن مبدأ قانونى غامض فى وجه المطالبة بالعدالة من قبل ضحايا أسوأ هجوم إرهابى على الإطلاق وقع على أراضى الولايات المتحدة، ولكن يتحتم فعل ذلك، بعد أن قرر الكونجرس إعادة كتابة القانون الأمريكى بشأن الحصانة السيادية.
ومرر مجلس الشيوخ، الأسبوع الماضى، بالإجماع مشروع قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب»، الذى يسمح للمحاكم الأمريكية بسماع والحكم فى الشكاوى المدنية عن الأضرار النقدية ضد دولة أجنبية متهمة بالتورط المباشر فى عمل إرهابى لإيذاء مواطن أمريكى فى الولايات المتحدة، أما بموجب القانون الحالي، فإن جميع الدول الأجنبية تقريبًا محصنة من الدعاوى القضائية فى المحاكم الأمريكية.
رغم أن مشروع القانون لم يسمِ أى دولة محددة، فإنه سوف يسمح لعائلات 11 سبتمبر بمقاضاة السعودية، نظرًا إلى أن 15 من أصل 19 مختطِفاً كانوا سعوديين، ولطالما تعرض بعض المسئولين وأعضاء فى العائلة المالكة للاتهام بتورطهم فى الهجوم، ورغم الدعم الواسع الذى يحظى به مشروع القانون، وعد الرئيس باراك أوباما باستخدام حق النقض «الفيتو» ضده.
ويعد استخدام حق النقض مبررًا، وربما يتعين على أعضاء الكونجرس قبل محاولة تخطى الفيتو أن يفكروا فى قيمة الحصانة السيادية، وفى الدولة الأكثر استفادة منها.
وإذا حذت الدول الأخرى حذو مجلس الشيوخ، فلن يكون هناك دولة تشكل هدفًا أكبر، وأفضل، وأثرى للدعاوى القضائية مثل الولايات المتحدة، وبالفعل أصدرت المحاكم فى كوبا وإيران أحكاماً تقدر بمليارات الدولارات ضد واشنطن، وبالتالي، فإن تغيير القانون الأمريكى سوف يعطيهم وغيرهم من الدول فرصة لجمع أموال من مثل هذه الأحكام.
وسوف يقوض التزام الولايات المتحدة القانونى بتسديد الغرامات الناتجة عن الأحكام القضائية مجهوداتها لمحاربة الإرهاب العالمي، كما ستكون الحكومة معرضة لتحركات قانونية من قبل المتضررين من القوات الأمريكية فى أفغانستان، والعراق، وسوريا وغيرها.
وعلى سبيل المثال، قد تفتح المساعدات الأمريكية لإسرائيل الباب لدعاوى قضائية من قبل الفلسطينيين المصابين والمتضررين من القوات الإسرئيلية، بل إن السياسة الخارجية الأمريكية بأكملها قد تخضع للمحاكمة تحت ستار البحث عن العدالة النقدية.
ولا يتطلب الإقرار بأهمية الحصانة السيادية غض الطرف عن الدور السعودى فى ظهور التطرف الإسلامي، فقد دعمت الكثير من الجمعيات الخيرية والأفراد السعوديين الجماعات العنيفة مثل القاعدة بشكل مباشر.
ولكن الاستجابة لهذا النشاط تكمن فى عالم الدبلوماسية، والسياسة التجارية، ليس فى المحاكم، وقد تكون تلك عملية بطيئة وغير منتظمة، ولكن التغيير ممكن الحدوث، كما أن هناك دلائل على أن العائلة السعودية الحاكمة تدرك ذلك.
ولا أحد ينكر حق عائلات ضحايا 11 سبتمبر فى العدالة ومعرفة الحقيقة، ولكنهم تلقوا بالفعل تعويضات تقدر بمليارات الدولارات من صندوق تعويض الضحايا الذى أسسه الكونجرس، كما استغرق تحقيقان حكوميان منفصلان سنوات لإعداد تقرير لجنة 11 سبتمبر.
وربما من المثمر أكثر أن يركز الكونجرس سلطته على ذلك التقرير، خاصة ما يطلق عليهم الـ«28 صفحة» من التحقيق المبدئى لأحداث 11 سبتمبر، والتى لا تزال مصنفة كفائقى السرية، وتريد عائلات كثيرة، بجانب الأمريكيين الآخرين، معرفة ما يوجد فى هذه الصفحات.
ويقول بعض المحامين الذى اطلعوا عليهم، إن الصفحات لا تحتوى على شيء يضر بالأمن القومي، ويؤيدون عدم الإفصاح عن محتوياتهم، ويقول آخرون، من لجنة إعداد التقرير، إنهم مليئون بالشائعات التى تورط مواطنون سعوديون بارزون.
كما أن التوصل لحل وسط فى هذا الشأن ليس صعب تصوره، حيث ينبغى الإفصاح عما بداخل هذه الصفحات، ثم تفسر اللجنة لماذا لا توجد أدلة قوية تدعم هذه الإدعاءات، ومثل هذا الحل سوف يخدم مسار الحقيقة والعدالة، دون أن يهدد موقف الولايات المتحدة الأخلاقى والقانونى أمام بقية دول العالم.
افتتاحية وكالة أنباء «بلومبرج»
إعداد: رحمة عبدالعزيز








