البنك الدولي: عدالة توزيع ثمار التنمية أهم ميزات التجربة التركية
30% زيادة الحد الأدنى للأجور فى 2016 تعزز الاستهلاك المحلي
عاشت تركيا خلال الأشهر الأخيرة أياماً عصيبة، فى ظل تصاعد الهجمات الانتحارية والتفجيرات من قبل عناصر تنظيم الدولة الإسلامية، وحزب العمال الكردستانى، فضلاً عن ضغوط دولية على حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم؛ بسبب أزمة اللاجئين والمعارضة الداخلية، غير أن ذروة ذلك كله كانت محاولة الانقلاب الفاشلة التى جرت نهاية الأسبوع الماضي.
وكشفت أزمة محاولة الجيش التركى الاستيلاء على الحكم عن تماسك نسيج المجتمع التركى، خصوصاً مع انحياز التيارات غير الإسلامية لصالح الحكم الديمقراطى، رغم معارضتها سلطة الرئيس رجب طيب أردوغان الذى عارضوه طوال السنوات الماضية، رافضين الإطاحة بحكومته من خلال انقلاب عسكري.
وربما يعود ذلك جزئياً إلى أن الطبقة الوسطى التى عادة ما تكون انحيازاتها عنصر الحسم فى أى ثورة شعبية أو انقلاب يلقى مساندة جماهيرية لديها قناعة تامة بأن أيام الحكم فى عصر ما يصفه الغرب بالحزب ذى الخلفية الإسلامية أفضل بكثير بالنسبة لهم من أيام الانقلابات العسكرية فى عقود سابقة، كان فيها متوسط دخل الفرد السنوى لا يتجاوز 7 آلاف دولار، ليتخطى الـ15 ألف دولار حالياً.
وفى تقرير له منشور فى عام 2014، أكد البنك الدولى، أن أهم ما يميز النمو المطرد على مدى العقود الماضية الذى وضع تركيا على طريق التحول إلى اقتصاد مرتفع الدخل هو مشاركة الرخاء على نطاق واسع عبر فئات الدخل فى المجتمع، ما أسهم فى مضاعفة حجم الطبقة الوسطى.
ووصف التقرير النجاح التركى فى 3 كلمات، هى التكامل والاندماج والمؤسسات، لكنه طالب الحكومة فى أنقرة بضرورة مجابهة التحديات على طريق التحول من اقتصاد الطبقة الوسطى منخفضة الدخل إلى الطبقة الوسطى مرتفعة الدخل.
وبحسب التقرير، زاد حجم الطبقة الوسطى فى تركيا من 18% إلى 41% من تعداد السكان بين عامى 1993 و2010.
ووفقاً للتقرير، فإن التكامل الاقتصادى التركى كان السبب فى التقدم الاقتصادى سواء من حيث التكامل مع الأسواق العالمية أو مع النطاقات النامية فى الاقتصاد التركى ذاته. وعلاوة على ذلك حولت أنقرة المحن إلى منح، فاستغتلت الأزمة المالية العميقة التى وقعت نهاية القرن الماضى لإجراء إصلاحات فى بنوكها وماليتها العامة والسماح باستخدام النفقات العامة فى الخدمات العامة بدلاً من خدمة الدين.
وتم ذلك بحسب تقرير البنك الدولى وفق رؤية شاملة لتسخير التطور الاقتصادى فى خدمة المجتمع، ما أدى إلى تخفيض الفقر إلى أكثر من النصف، وتحسين الحصول على الخدمات الصحية عالية الجودة، والتعليم، والخدمات البلدية وتوسيعها جميعاً.
وفى تقرير للبنك الدولى حول أداء الاقتصاد فى النصف الأول من 2016، أشاد الخبراء بتحقيق نمو جيد نسبياً، لكنه أقل من الـ4% المتحققة فى 2015، رغم زيادة أسعار البترول وضعف دخل السياحة. لكنه حذر من تداعيات زيادة التضخم على القدرات الاستهلاكية.
وبلغ متوسط نمو الناتج المحلى الإجمالى التركى فى الربع الأول من العام الجارى 3.3% على أساس سنوى؛ بسبب تراكم المخزون السلعى إثر ضعف الطلب الخارجى من الدول المصدرة للبترول، خصوصاً دول الخليج العربي.
وأشار التقرير إلى فضل قرار الحكومة رفع الحد الأدنى للأجور 30% حيث أدى إلى انتعاش فى نمو الائتمان الاستهلاكي، وانخفاض أسعار المواد الغذائية، فى حين ارتفع الإنفاق الحكومى وفاءً بالوعود الانتخابية للحزب الحاكم.
كما حافظ الاقتصاد التركى على قدرته على خلق فرص عمل، بالإضافة إلى انتعاش القطاع الزراعى الذى تتخطى مساهمته فى الناتج القومى المحلى 60 مليار دولار، وهو ما عوض التباطؤ فى الصناعة.
وخلق الاقتصاد نحو 240 ألف وظيفة جديدة فى الربع الأول، مقارنة بـ252 ألف وظيفة فى الربع الأخير من 2015، لتتوقف البطالة عند 9.9%، بينما نمت الأجور السنوية 18.8% فى القطاع الصناعى الخاص، و22.5% فى القطاع التجارى والخدمات، و15% فى قطاع البناء.
ومما زاد من استفادة السكان بارتفاع الأجور انخفاض أسعار الغذاء بمعدل 1.9% فقط فى يناير 2016، مقارنة بـ7.6% فى يونيو.