التوتر داخل الجيش التركى يضعف جهود محاربة داعش والأكراد
رغم الفشل الواضح الذى أحاط بمصير حركة الجيش التركى، منتصف الشهر الجارى، للاستيلاء على الحكم بالقوة العسكرية، بعد فشل خطط تأليب الشعب فى مظاهرات ميدان تقسيم، خلال الأعوام الماضية، بدعم من المعارضة وكذلك سلسلة تفجيرات خلال الأشهر القليلة المنصرمة، فإنَّ الضرر قد وقع بالفعل ليس داخلياً، فقط، بل وخارجياً؛ حيث يمتد التأثير الأعمق على تداعيات الأحداث إقليمياً.
ويشير مقال لتيدور كاراسيك، المحلل المتخصص فى شئون الشرق الأوسط المنشور على النسخة الإنجليزية لموقع العربية نت إلى أن الصدام المباشر الأول سيكون مع الولايات المتحدة الأمريكية التى تحتضن زعيم المعارضة التركية فى الخارج فتح الله جولن؛ حيث تطالب أنقرة بتسليمه فوراً باعتباره العقل المدبر لمحاولة الانقلاب الفاشلة، فيما تسيطر نظرية المؤامرة على الأتراك، وشكوك حول دعم الغرب للانقلاب.
ويضغط الرئيس التركى رجب طيب أردوغان على أمريكا من خلال التلويح بمنع واشنطن من استخدام قاعدة سلاح الجو «إنجرليك»، وهى تهديدات غبر مسبوقة.
من ناحية أخرى، تسعى حكومة العدالة والتنمية لإقرار عقوبة الإعدام بحق منفذى الانقلاب العسكرى، وهو ما يرفضه الاتحاد الأوروبى إحدى بؤر التوتر الخارجى مع أنقرة، والمتوقع اشتعالها، حيث ترفض بروكسل هذه الخطوة، وقد حذرت من أنها ستحرم أردوغان من تحقيق طموحه الأزلى بانضمام بلاده إلى عضوية الاتحاد.
ويقارن بعض المحللين الانقلاب التركى بالانقلاب السوفييتى لعام 1991 من حيث التنظيم والفشل، وتأثير ذلك على إعطاء مزيد من الاستقلالية لقرار أنقرة السياسي.
كما يقارن آخرون التطورات الأخيرة بمحاولات الانقلاب ضد الرئيس الفنزويلى هوجو تشافيز فى عام 2002، لكن عموماً هذه المقارنات ليست مفيدة، فالوضع فى تركيا فريد من نوعه؛ بسبب الطبيعة التاريخية للانقلابات العسكرية التركية التى تسعى دائماً لحماية الأفكار الاتاتوركية العلمانية.
ويقول الكاتب، إن تركيا تمر بمأزق فى هذا المنعطف الحاسم فى حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، والحرب الأهلية فى سوريا، ومساعى إحلال السلام فيها عبر التسوية السياسية.
ومع ذلك، فإن الآثار المترتبة على السياسة الخارجية التركية فى المنطقة مقلقة، خصوصاً من حيث إجراءات تطهير الجيش التركى التى يخوضها أردوغان وحكومته، فمن المرجح أن تؤثر على قدرة تلك القوة على القيام بعمليات فى المدى القصير، وهو ما يمثل نقطة إيجابية فى صالح تزايد نفوذ تنظيم الدولة وحركة الأكراد الانفصالية عن البلاد.
من ناحية أخرى، سوف ينصب تركيز أردوغان فى الفترة المقبلة أكثر على احتياجات بلاده العاجلة، بدلاً من سياسة أنقرة الخارجية فى التوسع فى مشروعات التعاون الاقتصادى فى أفريقيا، وتحديداً فى ليبيا، فمنذ منتصف العقد الأول من القرن الحالى تسعى بشكل حثيث لزيادة نفوذها فى هذه القارة لأغراض اقتصادية. وسياسياً حاولت أنقرة كسب نفوذ فى ليبيا بدعم حكومة طرابلس، لكن ذلك الدور سيتراجع لصالح جبهة اللواء المتقاعد خليفة حفتر ومجلس نواب طبرق.
وأخيراً، فإن تأثير محاولة الانقلاب الفاشلة سيكون فورياً على علاقات تركيا مع روسيا، فبالنظر إلى أن أردوغان تصادم مؤخراً مع الرئيس بوتين حول الملف السورى، خصوصاً عقب إسقاط طائرة السوخوى، فإن الكرملين كان سيشعر بسعادة غامرة بالتخلص من الرئيس التركى من الداخل. وتدرك موسكو، حالياً، أنه يمكن الآن التعامل مع نقاط الضغط على أنقرة فى ما يخص سياسة الكرملين فى سوريا، ومنطقة القوقاز وما بعدها.
وتشير تطورات الأحداث إلى أن محاولة انقلاب من المرجح أن تتسبب فى صدمة لعدة أشهر مقبلة تؤثر على الأمن الإقليمى، حيث يراقب الخبراء خلال الأشهر القليلة المقبلة بقلق حالة عدم اليقين داخل تركيا العضو الحيوى فى جسد حلف شمال الاطلنطى (ناتو).