تركيا وإيران تستخدمان المياه كسلعة يمكن المساومة عليها
قال ناشطون، إن سدود نهر دجلة تعد مأساة ثقافية قد تكون لها تداعيات جيوسياسية عميقة.
وأضافوا أن ما يضاعف المأساة، التغير المناخى.. الأمر الذى يخاطر بتشريد الأسر، ويمكن أن يزيد من زعزعة استقرار الدول المجاورة وجيرانها، ويحتمل أن يعزز مستويات الهجرة فى وقت تحاول فيه أوروبا كبح جماح تدفق القادمين الجدد.
وأعلنت تركيا أن مشروعها الذى استمر عقوداً لبناء 22 سداً على طول نهرى دجلة والفرات، والمقرر الانتهاء منه العام المقبل، سيقوم بإنتاج الطاقة والوظائف.
لكن مشروع إنشاء مجموعة من السدود جنوب شرق الأناضول، المعروف باسم «جاب»، أصبح متشابكاً فى التوترات الداخلية المريرة بين الدولة التركية والأقلية الكردية فى البلاد والتمرد العنيف الذى يقوده حزب العمال الكردستانى.
ويزعم خبراء الأمن على نحو متزايد، أن نقص الموارد يعطل المجتمعات ويخلق أرضية خصبة للمتشددين.
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، أنه بعد هزيمة «داعش» عسكرياً العام الحالى، أعلن العراق أن الحفاظ على التفوق ضد الجماعة المسلحة يعتمد على توفير مستقبل أكثر إشراقاً للبلاد.
وتعد المياه أمراً حاسماً لذلك، إذ أن أكثر من 80% من مياه العراق تذهب إلى الزراعة مما يوفر سبل العيش لأكثر من ثلث سكانها البالغ عددهم 37 مليون نسمة.
وذكرت وزارة المياه فى العراق، أن التدفقات الداخلية انخفضت العام الحالى بنسبة 40% دون متوسطها، مما أجج الذعر فى البلاد بداية يونيو، حيث تراجعت مستويات المياه إلى درجة منخفضة.
ودفع ذلك، وزارة الزراعة إلى تحديد زراعة الأرز والمحاصيل كثيفة الاستخدام للمياه لتقليل الضرر.
ويقدر الباحثون أن درجات الحرارة فى الشرق الأوسط ترتفع بمعدل أسرع مرتين من المعدل العالمى، بسبب التأثير المتزايد للظروف الصحراوية مما قد يجعل المنطقة غير صالحة للسكن بحلول نهاية القرن الحالى.
ومع تزايد الطلب على مياه نهر الفرات من جانب سوريا وتركيا، تتصارع بغداد مع عقود من سوء إدارة المياه الخاصة بها، وتعد تدفقات نهر دجلة ذات أهمية حاسمة.
وقال جاسم الأسدى، خبير البيئة فى منظمة «نيتشر» العراقية: «بحلول عام 2035 سنخسر 11 مليار متر مكعب، من المياه وهو ما سيجعل من الأصعب تلبية الطلب السنوى المتوقع البالغ 71 مليار متر مكعب بحلول هذا العام».
وأضاف أنه مع ارتفاع درجات الحرارة، فإن تأثير السدود سيزداد سوءً، عندما يراجع تساقط الثلوج عند منبع نهر دجلة وترتفع معدلات البخر، مؤكداً أن مستقبل المياه فى العراق أصبح قاتماً للغاية.
وفى بغداد يتصارع المسئولون والدبلوماسيون مع آثار سقوط «داعش» والتهديدات من واشنطن وطهران.. لكنهم يؤكدون أن التعامل مع تركيا والتغير المناخى قضية يمكن حلها فى وقت لاحق.
ويزعم المسئولون أن مشروع إنشاء مجموعة سدود «جاب» لن يضمن فقط أن ربع الطاقة التركية سيأتى من الطاقة الكهرومائية، ولكنهم يقولون أيضاً، أنه سيضيق فجوة الثروة بين الجنوب الشرقى وأفقر منطقة فى تركيا وبقية البلاد، عن طريق التوسع الهائل فى مساحة الأراضى الزراعية وخلق الآلاف من فرص العمل.
ويدعى البعض أن الهدف الأساسى للحكومة التركية من بناء السدود هو سحق التطلعات السياسية الكردية، إذ أنهم يريدون إجبار الناس على مغادرة المناطق الريفية والذهاب إلى المدن، وإجبار النشطاء السياسيين على هجرة أراضيهم.
وقال طلعت ستينكايا، أحد الناشطين المناهضين للسدود، إن تهجير الناس وإغراق أراضيهم سيؤدى إلى إطالة أمد حلقة النزوح والخيبة، وسيخلق طبقة دنيا جديدة بين المواطنين.
لكن وزير المياه العراقى حسن الجنابى، يتهم أنقرة باستخدام المياه كسلعة يمكن المساومة عليها، ويقول إن العراق سيبقى ضعيفاً ما دام لا يوجد تفسير مشترك لقانون المياه الدولى.
وفى الشهر الماضى تفاوضت العراق وتركيا على اتفاقية عادلة تفيد بأن أنقرة ستفرج عن 75% من حجم مياه نهر الفرات، فى حين ستملأ باقى السدود تدريجياً خلال الأشهر المقبلة.
ومع ذلك لايزال من غير الواضح كمية المياه التى ستأخذها سدود «جاب» للزراعة وسط تراجع قدرة العراق على التفاوض بسبب الاضطرابات والحروب التى طغت على البلاد منذ عام 2003 والتى جعلت العراق بلداً ضعيفاً للغاية.
وأوضحت الصحيفة البريطانية، أنه لم تكن تركيا وحدها التى تضغط على العراق.. بل إيران أيضاً التى تستنزف مياه نهر دجلة.
وقال مسئولون عراقيون، إن السدود على طول عشرات الروافد خفضت أكثر من نصف كمية المياه التى تدفقت إلى العراق مقارنة بما كانت عليه قبل 20 عاماً.
وأوضح دورسون يلدز، مسئول سابق فى وزارة المياه التركية، أن سدود تركيا تفيد جيرانها بالفعل، فدرجات الحرارة الأكثر برودة فى تركيا تعنى أنه يمكن تخزين المياه هناك مما يوفر للبلدين الواقعة فى أسفل المجرى ملايين الأمتار المكعبة من المياه التى تتبخر.
وكان تقرير صادر عن الأمم المتحدة، عام 2015، أوضح أن التحكم فى تدفق المياه من تركيا جاء بعواقب وخيمة منها ارتفاع مستويات الملوحة فى اتجاه مجرى النهر، مما أدى إلى إلحاق الضرر بالمحاصيل، وإلحاق الضرر بالنظام الأيكولوجى الأوسع.
وقال خبراء البيئة العراقيون، إن مستويات الملوحة فى منطقة الأهوار جنوب العراق التى كانت تبلغ حوالى 200 جزء فى المليون، تبلغ الآن 1900 جزء فى المليون.
والحل الحقيقى ينبغى أن يتم بالاتفاق بين كل من أنقرة وبغداد، وأن ينص على تحديث ممارسات المياه والزراعة العراقية القديمة، إذ يجب استبدال قنوات الرى الممتدة فى التاريخ منذ العصر السومرى، بالرى بالتنقيط.
وتستطيع الحكومة أيضاً تشجيع المزارعين على الانتقال إلى محاصيل جديدة بدلاً من القمح الذى يستهلك كميات كبيرة من المياه والتى يمكن استيرادها بأسعار رخيصة.
واقترحت وزارة الجنابى، مشروعاً مدته 20 عاماً؛ لتطوير ممارسات مائية مستدامة بتكلفة تبلغ 184 مليار دولار، ولكن العراق الذى يعانى من ديون بقيمة 71 مليار دولار وسط سنوات من انخفاض أسعار البترول، لا يستطيع تحمل نفقات هذا المشروع، إذ يقول الجنابى: «نحن بحاجة إلى التكيف، لكن التكيف يكلفنا المال، وهذا المال غير متوفر فى الوقت الراهن».