مع تراجع مؤشر “مورجان ستانلى إنترناشيونال كابيتال” لأسهم الأسواق الناشئة بمقدار الخُمس بعد أن وصل إلى ذروته فى يناير الماضى، أصبح المستثمرون يخشون انتشار عدوى الاضطرابات وسط اﻷسواق الناشئة إثر تعرضها لمزيد من الضغط.
وتواجه الاقتصادات الناشئة تحديات ناجمة عن ارتفاع قيمة الدولار الأمريكى وتشديد السياسة النقدية المتساهلة للغاية فى الأسواق المتقدمة، ولكن توجد بعض الأجزاء من آسيا أثبتت قدرتها على الصمود، حيث أظهر التباين فى الثروات اتخاذ الأسواق الناشئة مسارات مختلفة.
وقالت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، إن الاقتصادات التى تعانى من عجز فى الحساب الجارى المترافق مع الاعتماد على رأس المال الأجنبى تأتى ضمن الاقتصادات الناشئة الأكثر عرضة للخطر.
أضافت أنه عند ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية يصبح اجتذاب رأس المال الأجنبى إلى الاقتصادات النامية إنجازاً أكثر صعوبة.
وتسبب هذا الخطر فى انخفاض قيمة الليرة التركية والبيزو الأرجنتينى، وفى المقابل تضررت عملات أخرى، بدءاً من الراند الجنوب أفريقى وحتى البيزو المكسيكى، مع انسحاب المستثمرون من الأسواق الناشئة، وبالتالى فى ظل هذه الضغوط اضطر البنك المركزى التركى، الخميس الماضى، لاتخاذ تدابير استثنائية تتمثل فى رفع أسعار الفائدة إلى 24% من 17.75%، لمنح العملة المحلية دفعة تشتد الحاجة إليها.
أما بالنسبة لآسيا، يدور السؤال هنا حول ما إذا كانت المنطقة قادرة على الصمود أمام ضغوط البيع الأوسع نطاقاً فى الأسواق الناشئة؟.
وقال ماكس لين، الخبير الاستراتيجى المتخصص بالأسواق الناشئة فى آسيا لدى شركة “ناتويست ماركتس”، إن اﻷفراد يبحثون عن نسخة تركيا القادمة فى آسيا، فالبعض يشير إلى الهند والبعض الآخر يشير إلى إندونيسيا وتابع “المستثمرين يشبهون ضعف دولة ما بجميع الدول النظيرة لها”.
واستطاعت العديد من الاقتصادات الآسيوية تحقيق فوائض فى الحساب الجارى، باستثناء إندونيسيا والهند والفلبين اللاتى سجلن عجزاً فى الحساب الجارى تبلغ نسبته 1.7% و1.5% و0.8% على التوالى من الناتج المحلى الإجمالى فى العام الماضى.
ويسلط البعض الضوء على التغيير الكبير الذى طرأ منذ الأزمة المالية الآسيوية عام 1997، والتى نتجت عن أسعار الفائدة الأمريكية التى امتصت رأس المال من المنطقة.
وقال روب كارنيل، كبير خبراء الاقتصاد لدى مجموعة “إى.إن.جى” المصرفية الهولندية: “قبل عام 1997 كانت معظم الدول فى آسيا تتعايش مع عجز الحساب الجارى وربط عملاتها بالدولار الأمريكى، وكان احتياطى النقد الأجنبى أكثر صرامة، ولكن معظم دول المنطقة لديها الآن فوائض فى الحساب الجارى ومجموعة ضخمة من احتياطيات النقد اﻷجنبى، فاﻷمر أصبح مختلفاً جداً”.
وتساعد احتياطيات النقد الأجنبى الضخمة الدول فى الدفاع عن قيمة عملتها، فالبيانات الصادرة عن بنك “نومورا إنترناشيونال” تشير إلى ارتفاع احتياطى النقد الأجنبى لكوريا الجنوبية، كنسبة مئوية من الناتج المحلى الإجمالى، من 5.4% عام 1996 إلى 24.7% عام 2017، بينما تضاعف فى الصين من 12.2% إلى 25.6%.
وأوضحت الصحيفة الريطانية أن مرونة آسيا تعكس مستويات منخفضة من التضخم ونمو اقتصادى قوى ونظام مصرفى مركزى صارم، ولكن أمريكا الجنوبية تظهر صورة مختلفة تماماً، فالتضخم فى فنزويلا – وفقاً لصندوق النقد الدولى – يتجه للوصول إلى 1.000.000% هذا العام، كما تلوح المخاطر السياسية فى الأفق بشدة فى أمريكا الجنوبية، حيث تغرق البرازيل فى مستنقع الخلافات مع انعقاد الانتخابات الرئاسية المقررة أكتوبر المقبل ومواجهة الرئيس الجديد لمهمة فورية تتمثل فى التعامل مع ارتفاع الديون والعجز بالبلاد.
وقال دويفر إيفانز، رئيس الاستراتيجية الشاملة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى شركة “ستيت ستريت جلوبال ماركتس”: “استطاعت آسيا اجتياز العاصفة بشكل أفضل بسبب القوة التى تتمتع بها بنوكها المركزية”.
وأضاف إيفانز: “بقدر الإيلام الذى كان عليه عام 1997 – 1998، يوجد معتقد واحد وهو امتلاك المؤسسات هنا لسياسات أكثر مصداقية الآن، وبالتالى فهى أقل عرضة للخطر، على عكس أمريكا الجنوبية”.
بالإضافة إلى ذلك، أصبحت الدول الآسيوية ذات السيادة أقل اعتماداً على الاقتراض من الولايات المتحدة، حيث تعمقت أسواق رأس المال فى المنطقة، مما خفف من حدة مخاطر ارتفاع الأسعار التى بدورها تزيد من تكاليف خدمة الديون.
وقال كاران تالوار، المتخصص فى الديون بالأسواق الناشئة لدى شركة “بى.إن.بى باريبا” لإدارة الأصول: “فيما يتعلق بمستويات الدين الآسيوى، لا تمتلك معظم الاقتصادات الكبرى مستويات مفرطة أو مثيرة للقلق من الديون السيادية المقومة بالدولار اﻷمريكى”.
وأضاف تالوار أنه لا توجد دول مماثلة لتركيا فى آسيا ولا يوجد اعتماد كبير على الديون المقومة بالدولار لإعادة تمويل القطاع المصرفى، ومع ذلك تمتلك بعض الأسواق الحدودية مثل سريلانكا ومنغوليا الكثير من الديون المقومة بالدولار التى تستحق مبالغها خلال الثلاثة أعوام المقبلة.
ومع ذلك، أصدر قطاع ديون الشركات كميات كبيرة من الديون المقومة بالدولار فى السنوات القليلة الماضية، وبالتالى سيكون من الضرورى توفير إدارة سليمة للعملة والوصول المستمر إلى أسواق رأس المال حتى يكون هناك قدرة على إعادة تمويل الديون المستحقة، بحسب ما قاله تالوار.
وسلطت الصحيفة الضوء على الارتفاع الشديد لمستويات الديون فى الصين، حيث بلغت 299% من الناتج المحلى الإجمالى خلال الربع الأول من العام الجارى، وهو خطر أدى إلى إعاقة بعض المستثمرين، كما أشارت البيانات الأخيرة إلى تباطؤ النمو الاقتصادى الصينى، بينما انغمس سوق الأوراق المالية فى حالة من الانخفاض، مما يعكس عدم تحصين آسيا تماما ضد قلق المستثمرين.
وفى الوقت الذى لايزال يؤثر فيه التوتر التجارى الصينى على المستثمرين، لاتزال المنطقة الأوسع نطاقاً فى وضع أفضل لتحمل العاصفة النارية التى تكتسح الأسواق الناشئة العالمية اﻷخرى الضعيفة.