عقد المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، الثلاثاء، ندوة بعنوان: “السياسة المالية العامة.. بعض الأبعاد الضريبية ذات الأهمية الخاصة”، لمناقشة التطورات العالمية فى المجال الضريبى والتى تواكب التحول نحو الاقتصاد الرقمى، بالإضافة إلى قضية المحاسبة الضريبية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وذلك بحضور محمد معيط وزير المالية، وجيفرى آدمز السفير البريطانى فى القاهرة.
وقال محمد معيط، وزير المالية، إن إجراءات الإصلاح الاقتصادى الصعبة التى نفذتها الحكومة المصرية خلال الثلاث سنوات الماضية، أسهمت في تحقيق نتائج يشهدها الاقتصاد فى الوقت الحالى، وهو ما ظهر من تغطية السندات الدولية التى طرحتها مصر الشهر الماضى، حيث كانت الحكومة ترغب فى طرح 3 مليارات دولار، ولكن تم تلق عروض بحوالى 21 مليار دولار، وتم فى النهاية طرح سندات بقيمة 4 مليارات دولار، وهو ما وصفه بنتاج الإصلاحات التى جعلت المؤسسات الدولية وصناديق الاستثمار التى اكتتبت فى السندات المصرية لأول مرة من أسواق آسيا.
واستعرض وزير المالية بعض خطوات الإصلاح التشريعى والإدارى فى المجالين الضريبى والمالى، حيث انتهت الوزارة من قانون الإجراءات الضريبية الموحد وتم تلقى ملاحظات المجتمع المدنى عليه، تمهيداً لإحالته إلى مجلس الوزراء، وتم الاستقرار على الشركة التي ستتولى عملية ميكنة الضرائب، كما وافق جهاز التنظيم والإدارة على الهيكل الجديد لمصلحة الضرائب والذى يدمج ضرائب الدخل والقيمة المضافة، لافتا إلى تلقى تعليمات رئاسية بالانتهاء من ملف الإصلاح الضريبة بحلول 30 يونيو 2020 باعتباره جزء مهم من الإصلاح الاقتصادى فى الدولة.
وتعمل وزارة المالية على صياغة مشروع قانون جديد للمالية العامة للدولة، وطلبت معاونة منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية فى قانون التجارة الإلكترونية والضرائب على إعلانات مواقع التواصل الاجتماعى، أملاً فى الانتهاء منه خلال العام الحاى، وأعلن الانتهاء من مشروع قانون الضرائب على المشروعات الصغيرة والمتوسطة خلال أسبوع.
من جانبه قال جيفرى آدمز السفير البريطانى بالقاهرة، أن إجراءات الإصلاح الاقتصادى الجريئة التى تبنها الحكومة المصرى أثرت إيجاباً على الصورة الذهنية لمصر، وأسهمت فى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، مؤكداً أن تدفق الاستثمارات البريطانية على مصر سببه الرئيسى عملية الإصلاح الاقتصادى، مؤكداً على دعم دولته لعملية الإصلاح الاقتصادى فى مصر الذى حقق نجاحاً كبيراً.
وخلال الجلسة التي تم تخصيصها للحديث عن المستجدات الضريبية الدولية، والتي ترأسها أحمد فكرى عبدالوهاب عضو مجلس إدارة المركز، قال عمرو المنير نائب وزير المالية السابق للسياسات الضريبية، إن الحكومة عليها الاهتمام بقضية الاقتصاد الرقمى الذى أصبح يحتل الأهمية الأولى عالمياً فى الوقت الحالى، ودراسة آليات تحصيل الضرائب من هذه الأنشطة، لافتاً إلى أن حجم التجارة الإليكترونية عالميا ارتفع من 25 تريليون دولار عام 2015 إلى 27.7 تريليون دولار عام 2017، وعندما يتم تطبيق الضرائب على هذه الأنشطة ستتحقق الكثير من الإيرادات.
وأوضح المنير أن المشكلة فى تحصيل الضرائب على الاقتصاد الرقمى تتمثل فى أن التعامل يتم بين طرفين ولا يكون هناك وجود للحكومة في هذا العملية، لافتاً إلى أن منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية OECD توصلت إلى أن دولة المستهلك هى التى تحصل ضريبة القيمة المضافة، ولكن مازال هناك مشكلة في تحديد الآليات بالنسبة لضريبة الدخل، وهو ما يتم مناقشته حالياً بالمنظمة.
وطالب المنير بضرورة إجراء تغييرات تشريعية تتيح تسهيل تبادل المعلومات، وأهمها سرية الحسابات البنكية، موضحاً أن أفريقيا تخسر ما بين 50 و60 مليار دولار سنوياً بسبب قواعد سرية الحسابات البنكية، كما أن هناك 132 دولة غيرت قوانين سرية الحسابات لديها، وهو ما يجب دراسته فى مصر، حيث أن هناك مراجعة ستجريها منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية فى الربع الثالث من العام الحالى 2019 على عدد من المعايير، وفى حالة عدم الالتزام بها سيكون هناك مشكلة بعد أن وقعت مصر على الاتفاقيات الدولية لمكافحة التهرب الضريبى الدولى.
من ناحيته، قال أحمد شوقى الشريك التنفيذى لمؤسسة مازارز مصطفى شوقى ورئيس مجلس إدارة جمعية الضرائب المصرية، أن العام الماضى شهد تحويلات للأرباح على المستوى العالمى تقدر بنحو 800 مليار دولار بغرض التجنب الضريبى.
وأضاف شوقى أن عمليات التجنب الضريبى أثرت على الدول النامية بحوالى 220 مليار دولار كان يمكن استفادة مصر بمبلغ 300 مليون فى حالة تحصيل الضرائب من هذه العمليات، مطالبا بضرورة تدريب العاملين في مصلحة الضرائب لتطبيق المعايير الدولية لمكافحة التجنب الضريبى ونقل الأرباح، متوقعاً اندماج السياسات الضريبية على المستوى العالمى خلال 5- 6 سنوات، وستكون حوافز جذب الاستثمار قائمة على تطبيق النظم الضريبية فى الدول وليس سعر الضريبة، وبالتالى يجب تعاون الدول فى هذا الموضوع.
وقال باسكال سان أمان مدير مركز الضرائب والإدارة بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إن الضرائب الدولية أصبحت محل اهتمام الحكومات في الفترة الأخيرة، خاصة بين رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وفرنسا، وذلك مع تنامي ظاهرة التهرب الضريبي بين الشركات متعددة الجنسيات التي أصبحت تلجأ إلي دول الملاذات الضريبية للهروب من سداد الضرائب.
وتحدث باسكال عن تحركات مجموعة العشرين الكبرى للتعامل مع تحديات الضريبة الدولية حتى الآن، لتحسين نسبة الإيرادات الضريبية من الناتج المحلى الإجمالي لتحسين مؤشرات التوظيف وغيرها من المؤشرات، وعلى رأسها تطبيق نظام “BEPS” وهو الاتفاق الدولى بشأن الحد من تآكل الوعاء الضريبى ونقل الأرباح الذى وضعته منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، وإصدار قوائم سوداء للدول التي لا تلتزم بتطبيق معايير الشفافية، وهذه المحاولات ترتب عليها انضمام عدد كبير من الدول إلى الاتفاقية أهمها سويسرا التى تشهد إقبالاً كبيراً من جانب الأثرياء والشركات الكبرى على فتح حسابات بنكية من أجل الحفاظ على سرية هذه الحسابات وتجنب سداد الضرائب.
ويرى باسكال، أن الوقت الحالي يحتاج إلى مزيد من الضوابط لتطبيق التسعير التحويلي من أجل سد الثغرات التي تسمح للشركات المتعددة الجنسيات بتحويل أرباحها بين الدول بحرية نظرا لعدم وجود قانون موحد للتغلب على هذه الثغرات، لافتاً إلى أن هناك فرصة سانحة لتحقيق هذا الهدف في ظل سعى الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا للوصول إلى صيغة للتعامل مع ثغرات الضرائب الدولية.
وشددت عبلة عبداللطيف المدير التنفيذي ومدير البحوث بالمركز، على أهمية موضوع الاقتصاد الرقمى وإيجاد آليات لتحصيل الضرائب على الخدمات الإليكترونية، خاصة وأن جزء كبير من قطاع الخدمات يندرج تحت الاقتصاد غير الرسمي، وبغياب الضرائب على هذا القطاع الكبير يكون لدينا مشكلة كبيرة، وهو الأمر الذى يتطلب تأهيل المؤسسة الضريبية للتعامل مع هذه المستجدات، والعمل على توسيع القاعدة الضريبية وليس الحديث عن زيادة معدل الضرائب.
وناقشت الجلسة الثانية من المؤتمر تحديات القطاع غير الرسمي والمحاسبة الضريبية للشركات الصغيرة والمتوسطة، وفى هذا الإطار استعرض كامل صالح الشريك التنفيذي بمكتب ديلويت مصر، بعض الإحصائيات التي وصفها بغير الدقيقة عن المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مصر، ولكنها تعطى عدد من المؤشرات على أهمية هذا القطاع في الاقتصاد المصرى.
وقال صالح أن قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة يمثل 75% من الاقتصاد المصرى، ويوجد 3.8 مليون مشروع صغير في مصر، وهناك تقديرات لحجم هذا القطاع بنحو 400 مليار جنيه، ويقدر العاملون خارج الاقتصاد الرسمي من هذا القطاع بنحو 84% من إجمالي المنشآت الصغيرة والمتوسطة، مرجعا السبب الرئيسى إلى تعقيدات الإجراءات المتعلقة بالتراخيص والتعامل مع الضرائب.
وأشار صالح إلى بعض التحديات المتعلقة بالتعامل مع هذا القطاع والتي تتمثل في عدم وجود معلومات كافية عن القطاع لصياغة سياسات ضريبية محددة، بالإضافة إلى عدم وضوح مطالب الجهات المختلفة من هذا القطاع، وطالب بعدم تحصيل ضرائب من المشروعات متناهية الصغير التى يقل إيراداتها السنوية عن 100 ألف جنيها وهو توجه عالمى، وتبسيط المحاسبة الضريبية للمشروعات الصغيرة من خلال فرض نسبة محددة على الإيراد.
من جانبه قال ماريو منصور رئيس مركز ميتك بصندوق النقد الدولى، أن الجميع يجب أن يشارك في بناء المجتمع لذا يتوجب تحصيل الضرائب على الشركات الصغيرة ولكن من المهم أن تكون محاسبتها بطريقة سهلة وخالية من التعقيد، لأنه عندما تواجه هذه الشركات تعقيدات في الإجراءات فإنها تظل صغيرة ولا تستطيع التوسع والنمو، مؤكدا أن البساطة الحيادية والشفافية هي أفضل طريقة لتحصيل الضرائب من الشركات الصغيرة.
وأكد على ضرورة تحديد هيكل الشركات الصغيرة، لأن القطاع غير الرسمي متعدد الأشكال وهناك طرق لإخفاء الأرباح، وبالتالي يجب أن يكون هناك طريقة لكشف ادعاء الشركات بأنها صغيرة على غير الحقيقة.
ملامح مشروع قانون المشروعات الصغيرة والمتوسطة
وكشف هشام رجب عضو اللجنة العليا للإصلاح التشريعى، عن أهم ملامح قانون المشروعات الصغيرة والمتوسط، المنتظر إعلان صيغته النهائية خلال أسبوع إلى أسبوعين، وأوضح رجب، إن القانون توصل لحل المشكلة الأكبر لحصول المشروعات الصغيرة على تمويل بنكى خاصة المشروعات التى يتم تخصيصها بنظام حق الانتفاع، أو المشروعات التى تملك أصولا “أرض أو عقارات” غير مسجلة، حيث لم يكن يسمح بمنحها قروض بضمان هذه الأصول من قبل من خلال ما يسمى “التخصيص المؤقت” لحل مشكلة تمويل المشروعات صاحبة الأصول غير المسجلة.
وأوضح، إن الجهة التى ستخصص المشروع سيكون التخصيص باسم جهة التمويل أو البنك بصورة مؤقتة لحين انتهاء صاحب المشروع من سداد القرض، لضمان حق البنك فى التصرف بالعقار فى حالة عدم سداد مستحقاته إذا تعثر المشروع.
وفيما يتعلق بحق الانتفاع لم يكن من المسموح قيام البنك بتمويل المشروعات المخصصة بحق الانتفاع وليس التمليك، لآن حق الانتفاع مرهون بحياة صاحب المشروع أو مدته، ولكن سيتم التجاوز عن ذلك فى القانون الجديد والسماح بالتمويل البنكى للمشروعات المقامة بحق الانتفاع.
وأكد رجب، إن القانون سيجعل البنك وشركات التمويل لها أولوية متساوية مع الحكومة فى الحصول على حقها حال تعثر المشروع، حيث كانت البنوك تعزف عن تمويل المشروعات الصغيرة لأن الحكومة ممثلة فى التأمينات والضرائب لها الأولوية فى الحصول على حقها حال تعثر المشروع، ويأتى البنك فى مرتبة متأخرة، وهو الوضع الذى تم تداركه فى القانون الجديد.
وأعلن رجب عن منح حوافز للشركات الكبيرة وفوق المتوسطة التي تحفز الشركات الصغيرة المصنعة للمكونات، وحوافز إلى شركات ضمان مخاطر الائتمان التي توفر تمويلات للشركات الصغيرة والمتوسطة.
ويتضمن مشروع القانون المقترح فصلا خاصا بالاقتصاد غير الرسمي يتضمن مجموعة من الحوافز والإجراءات لتوفيق أوضاع المشروع تتضمن منح ترخيص فورى حتى وإن كان المشروع مخالفا ووقف كافة الدعاوى القضائية والمحاضر المحررة ضده من جميع الجهات خلال مدة زمنية محددة بـ3 سنوات لتوفيق الأوضاع، وفى حالة توفيق أوضاعه يحصل على الحوافز بموجب القانون.
وأشار رجب إلى أن مشروع القانون الجديد يسمح بمنح مساحة للجمعيات الأهلية وجميعات الأعمال والشركات المتخصصة لعمل برامج توعية لدمج القطاع غير الرسمي في المنظومة الرسمية، موضحا أن مشروع القانون تضمن 100 مادة تلتحم مع الواقع المصرى وتجارب الدول المختلفة وآراء المتخصصين، آملا أن يكون بداية جديدة لعمل هذا القطاع في مصر.
وعلى الجانب الآخر عارض محمد البهى رئيس لجنة الضرائب باتحاد الصناعات المصرية تقديم أي حوافز للقطاع غير الرسمي، والذى يضر بالمنافسة مع القطاع الرسمي، مؤكدا أن هذا القطاع لا يتمثل في الباعة الجائلين، وإنما هناك أباطرة يعملون بأوراق رسمية من تراخيص وشركات رسمية، ولكنها تتعامل فى الاقتصاد غير الرسمي من خلال عدم إصدار أى فواتير ضريبية، حيث يوجد فى مصر 1200 سوق منتشرة فى جميع أنجاء الجمهورية لا تتعامل بالفاتورة الضريبية.
وطالب البهى بضرورة إنشاء المجلس الأعلى للضرائب تنفيذا لقانون ضرائب الدخل رقم 91 لسنة 2005 لوضع سياسات ضريبية محددة، وتحويل مصلحة الضرائب إلى هيئة عامة والارتقاء بموظفيها.
وفى هذا الإطار أثارت عبلة عبداللطيف مشكلة تعدد تعريفات المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغير في مصر، فبعد أن كان هناك أكثر من تعريف استقر الأمر على تعريف البنك المركزى واعتمد القطاع البنكى هذا التعريف، ولكن هناك توجه للحكومة لوضع تعريفات أخرى للقطاع.
وأكدت عبد اللطيف على وجود العديد من الشركات الكبيرة التي تتم تعاملاتها المالية في إطار الاقتصاد غير الرسمى، مشددة على مسئولية الدولة بشكل كامل عن وجود القطاع غير الرسمى.
ودعا عمرو المنير إلى تبسيط المعالجة الضريبية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وعدم منح إعفاءات ضريبية لهذا القطاع، لأن تجربة الإعفاءات أثبتت عدم نجاحها من قبل.