أصدرت الشركة العربية للاستثمارات البترولية “أبيكورب” اليوم تقريراً عن توقعات استثمارات الغاز المخطط لها والمقررة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للأعوام 2019 – 2023.
وبالإضافة إلى تقديم تحليل مفصّل لكل دولة على حدة، يلقي التقرير الضوء كذلك على التوجهات التي تقوم برسم ملامح قطاع الغاز على المدى القصير والمتوسط، بما في ذلك تحول الطاقة، وتسعير الغاز، ومشاركة القطاع الخاص، والتقنيات الناشئة.
أولا.. أبرز النتائج والأرقام على الصعيد الإقليمي:
استثمارات الغاز المخطط لها والمقررة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تشهد انخفاضًا بقيمة 70 مليار دولار أمريكي مقارنة بتوقعات العام الفائت
تشير أبحاث “أبيكورب” إلى أن إجمالي الاستثمارات المخطط لها والمقررة قد انخفض بشكل كبير نتيجة دخول عدد من كبرى المشاريع في المملكة العربية السعودية حيز التشغيل وتراجع التوقعات الخاصة بقطاع الغاز الإيراني.
فمن بين الدول التسع التي قررت تنفيذ استثمارات في صناعات المنبع التي شملها تقرير التوقعات الذي أصدر عام 2018، سجلت سبع منها تراجعاً في العام الحالي، بما في ذلك إيران التي تراجعت حصتها من المشاريع قيد التنفيذ بنسبة 77%.
ويشير التقرير إلى أن الإمارات العربية والمتحدة وقطر هما الدولتان الوحيدتان في المنطقة اللتان سجلتا ارتفاعاً في الاستثمارات في مشاريع المصبّ لقطاع الغاز، بينما سُجّل أكبر تراجع في إجمالي الاستثمارات المقررة في كل من الكويت (بنحو 80%) والمملكة العربية السعودية (60%) والجزائر وإيران (بنحو 50%).
أما من حيث استهلاك الغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ككل، فيشير التقرير إلى أن القطاع الصناعي يستحوذ حالياً على نحو 30% من إجمالي استهلاك الغاز في المنطقة.
الانخفاض في استثمارات قطاع الغاز قد تم تعويضه إلى حد كبير بزيادة كبيرة في استثمارات قطاع البتروكيماويات
تشير توقعات “أبيكورب” السنوية لاستثمارات قطاع الغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى وجود فرص واعدة في استثمارات قطاع البتروكيماويات، والتي سجلت توقعاتها زيادة قدرها 50% على أساس سنوي مقارنة بتوقعات الفترة 2018-2022.
ثلثا دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستسجل انخفاضاً في الاستثمارات المخطط لها في صناعات المنبع لقطاع الغاز
وعلى الرغم من أن الإصلاحات التي شهدتها المنطقة ساهمت في خفض دعم الطاقة وتحسين كفاءة الطاقة والبرامج ذات الصلة بالطاقة المتجددة، إلا أنه لا يزال هناك قلق من نقص الاستثمار في صناعات المنبع لقطاع الغاز، حيث من المؤكد أن عدة مشاريع جديدة كلياً لتوليد الطاقة ستحتاج إلى إمدادات غاز إضافية، بما في ذلك مشاريع في المملكة العربية السعودية (12 جيجاواط) ومصر (9 جيجاواط).
ويشار إلى أن زيادات كبيرة في هذه الاستثمارات ستأتي من دولة قطر، والتي طرحت مؤخراً مناقصات لمنشآت جديدة لمعالجة الغاز الطبيعي المسال تقدر قيمتها بنحو 15 مليار دولار أمريكي.
في الإمارات العربية المتحدة، ستصبح الاحتياجات الصناعية المحرك الرئيسي لاستهلاك الغاز خلال السنوات القادمة، وخاصة في قطاع البتروكيماويات
من المتوقع أن يتباطأ الطلب على الغاز لأغراض توليد الطاقة إلى أقل من 1% سنوياً لغاية عام 2024، وذلك مقارنة بـ 6% خلال السنوات الست الماضية. ويرجع ذلك في المقام الأول إلى بدء تشغيل وحدات توليد الطاقة النووية في محطة براكة والعديد من مشاريع الطاقة الشمسية.
أما فيما يتعلق بصناعات المنبع، فقد أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن إضافة 1.624 تريليون متر مكعب إلى احتياطيها من الغاز التقليدي في نوفمبر 2019، لتقفز بذلك إلى المركز السادس عالمياً من حيث احتياطيات الغاز.
كما أصبحت أول دولة في المنطقة تدرج احتياطيات غاز غير تقليدية تبلغ 4.5 تريليون متر مكعب.
وصرّح د. أحمد علي عتيقة، الرئيس التنفيذي لابيكورب: ” يلاحظ أن الاستثمارات الحكومية تتحمل الجزء الأكبر من استثمارات المنبع في المنطقة نظراً لارتفاع نسبة المخاطر الأولية المرتبطة بأعمال التنقيب والاستكشاف، حيث تشكل الاستثمارات الحكومية حالياً 92% من الاستثمارات المقررة لمشاريع المنبع، وذلك بالمقارنة بـ 29% فقط لمشاريع البتروكيماويات التي تتركز فيها استثمارات القطاع الخاص”.
وأضاف: “ونحن نتوقع أن يستمر دور القطاع الخاص في الازدياد في ظل تنامي حصة مشاريع البتروكيماويات المخطط لها وغيرها من مشاريع صناعات المصب لقطاع الغاز، والتي تقدر قيمتها بنحو 134 مليار دولار أمريكي، وهو ما يعادل 71% من إجمالي مشاريع سلسلة القيمة لقطاع الغاز مقارنة بصناعات المنبع والصناعات الوسطى”.
وفي تعليقها على التقرير، أبانت د. ليلى بنعلي، كبير الخبراء الاقتصاديين ورئيس قسم الاستراتيجية واقتصاديات الطاقة والاستدامة في “أبيكورب”: ” إن تراجع الاستثمارات في قطاع الغاز لا يمثل بالضرورة مؤشراً على ضعف إقبال المستثمرين، فإذا نظرنا إلى المملكة العربية السعودية كمثال، نجد أن هذا التراجع ناجم في الحقيقة عن تباطؤ جاء عقب فترة من النشاط اللافت في صناعات المنبع وبدء تشغيل مشاريع كبرى مثل معمليّ الغاز في واسط والفضلي”.
وأردفت د. بنعلي: “بالرغم من ذلك، تبرز من جديد مخاطر حدوث نقص في العرض في ظل الصعوبات التي تواجهها بعض الدول في جذب الاستثمارات من القطاع الخاص. التطور الآخر المثير للاهتمام هو لجوء المستثمرين في سلسلة القيمة لقطاع الغاز إلى تبني استراتيجيات تمويل وخطط تجارية متعددة ومتنوعة للتوصل إلى قرار استثمار نهائي، وذلك نتيجة انخفاض أسعار الغاز عالمياً.”
ثانياً.. أبرز النتائج والأرقام على صعيد الدول:
في المملكة العربية السعودية، يتوقع أن ينمو الطلب على الغاز بمعدل سنوي يبلغ إلى 1.8% خلال الفترة إلى عام 2024 وهو معدل أقل من السابق، وسيكون الاستهلاك على المدى المتوسط مدفوعاً في الأساس بأنشطة توليد الطاقة والأنشطة الصناعية
ومن المتوقع أن تنخفض الاستثمارات في قطاع الغاز في المملكة العربية السعودية مقارنةً بالتوقعات السابقة مع إقرار مشروعات كبرى. كما أصبحت المملكة العربية السعودية تتمتع بفائض في الغاز عقب فترة من النقص، ولديها خطط طموحة لزيادة مبيعاتها من الغاز والتي بلغت 89 مليار متر مكعب سنوياً في عام 2017 إلى 164 مليار متر مكعب سنوياً بحلول عام 2026.
مصر تتوقع نمواً متواصلاً في استهلاك الغاز بمعدل يبلغ سنوي يبلغ نحو 4% خلال السنوات الخمس المقبلة، وذلك بسبب عمليات توليد الطاقة وتصدير الغاز والتنمية الصناعية
تتوقع خطة التنمية الصناعية في مصر للأعوام 2016-2020 أن يصل الاستهلاك السنوي المحلي للغاز إلى 72 مليار متر مكعب في عام 2020 و92 مليار متر مكعب في عام 2021.
وثمة مخاوف بشأن تحول مصر إلى عجز في صافي الغاز بحلول عام 2025، وذلك بسبب الاستهلاك المحلي المرتفع وحالما يتم تشغيل مرافق منشآت الغاز الطبيعي المسال بكامل طاقتها والتي تبلغ 12 مليون طن متري.
ويظهر تحليل للمساعي الرامية إلى جعل مصر مركزاً للغاز أن بعض العناصر الرئيسية لا تزال بحاجة إلى مزيد من التطوير.
يتوقع أن يرتفع إنتاج عُمان من الغاز بعد فترة تقنين محدود بالنسبة للصناعات وتطبيق إصلاحات في قطاع الكهرباء
تواصل سلطنة عُمان مساعيها لتنفيذ إصلاحات في صناعات المنبع، وذلك من خلال تلزيم ثلاث مناطق امتياز لشركات نفط عالمية في عام 2019.
ومن المتوقع أن يرتفع إنتاج الغاز في السلطنة على مدى السنوات الخمس المقبلة بمقدار 47 مليار قدم مكعب عن مستواه الحالي البالغ 40 مليار قدم مكعب، وستعزز هذه الزيادة في الإنتاج حصة الغاز في مزيج الوقود في البلاد بنسبة 15% (من 35% في عام 2015 إلى 50% بحلول عام 2025).
الجزائر وتحديات تصاعد الطلب المحلي
يواصل الطلب المحلي على الطاقة في الجزائر مساره التصاعدي، حيث قفز بنسبة 70% بين عاميّ 2008 و2018، ويعود ذلك في الأساس إلى قطاع توليد الكهرباء الذي يعتمد على الغاز الطبيعي لتوليد ما نسبته 98% من إجمالي الكهرباء المولّدة في البلاد.
ومن المتوقع أن يستمر هذا المسار في مشاريع توليد الكهرباء الجديدة في الجزائر، حيث سيكون للطاقة الكهربائية المولّدة من الغاز النصيب الأكبر في هذه المشاريع التي يقدر إجمالي استثماراتها بنحو 31 مليار دولار، وهو ما يعادل 56% من إجمالي استثمارات الطاقة في البلاد على مدى السنوات الخمس القادمة.