منذ أن تم الإبلاغ عن فيروس COVID- 19 التاجى لأول مرة فى ووهان، الصين، فى ديسمبر من العام الماضى، سعت دول فى جميع أنحاء العالم إلى فرض حظر السفر وحجر المواطنين وعزل المصابين في محاولة لوقف انتشار الفيروس الجديد.
تطور المرض إلى تهديد عالمى، وفي 30 يناير 2020، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن أعداد الإصابات شكلت حالة طوارئ صحية عامة تثير القلق الدولي في جميع أنحاء العالم، وأصبحت الدول فى حاجة إلى اتخاذ تدابير الطوارئ الناتجة على اضطرابات كبيرة فى التجارة الدولية، وبدا ذلك يظهر بوضوح فى تأثر الأعمال والتشغيل، بما في ذلك إغلاق أماكن العمل والموانئ، وتعطل قنوات الإمداد والتوزيع، ونقص العمالة وضعف الطلب الإقليمي.
وبالنظر إلى الطبيعة غير المتوقعة لتفشي المرض، فقد تركز الاهتمام على احتمال أن الأطراف في العقود التجارية المتأثرة قد تتذرع بأحكام القوة القاهرة في تلك العقود من أجل تبرير التأخير أو عدم الأداء.
يناقش هذا المقال والمقالات التالية القوة القاهرة من منظور محلى و دولى فى ضوء العديد من أنظمة القانون العام الأكثر استخدامًا التي تحكم العقود التجارية الدولية، مع التركيز على الاختلافات الرئيسية في الأخيرة، كما نوضح أيضًا العديد من العلاجات البديلة التي قد تنطبق اعتمادًا على القانون الحاكم للعقود ذات الصلة.
ومحلياً فى مصر فقد أعلنت الحكومة المصرية اليوم 28/3/2020 بوقف تصدير البقوليات إلى خارج البلاد لمدة 3 أشهر، وبالتالى يثار عدة أسئلة وهى أثر قرار حظر التصدير على الالتزام التعاقدى للشركات العامة والخاصة المرتبطة بتعاقدات تصدير البقوليات؟ وما إذا كانت تلك العقود تنطوى على شروط من بينها القوة القاهرة؟ وهل القرار الإدارى بحظر التصدير يعتبر من حالات القوة القاهرة التى ستتمسك بها الشركات المصدرة مع الطرف الآخر المستورد؟ خاصة أن الحكومة المصرية ذاتها تستند فى قرارها إلى الظروف الاستثنائية أو القوة القاهرة التى تمر بها البلاد بسبب أزمة جائحة كرونا العالمية حرصاً منها على توفير السلع الغذائية الأساسية وهو أمن قومى للدولة المصرية، وهل ستتمسك الشركات المستوردة بالتعويض عن عدم التوريد فى مواجهة الشركات المصدرة؟ وهل ستدفع الشركات المصدرة بمبدأ القوة القاهرة وهو القرار الصادر من الحكومة المصرية بوقف ومنع تصدير البقوليات؟
كان لزاماً علينا أن نوضح موقف الفقه والقانون من تلك الإشكالية وهنا نتوقف، لكى نفصل بين العقود التوريد المحلية وما شابهها من التزامات تعاقدية داخلية فى مصر وبين تلك العقود الدولية والتى يكون الطرف الآخر شركة أو كيان اقتصادى فى دولة أخرى.
فى مصر ووفقاً لاحكام القانون المدنى فهناك عدة نصوص أساسية تحكم العلاقة بين المتعاقدين فى ضوء نظرية الظرف الطارئة والقوة القاهرة وهى:
الظروف الطارئة
1- نص المادة 147 مدنى على أن العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التى يقررها القانون ومع ذلك إذا طرأت حوادث استثنائية عامه لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الألتزام التعاقدى إن لم يصبح مستحيلاً صار مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز اللقاضي تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول.
ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك، ويشترط لتطبيق نظرية الحوادث الطارئة – في التقنين المدني الجديد – توافر 3 شروط:
( 1 ) أن يجد، بعد صدور العقد وقبل تنفيذه حوادث استثنائية عامة، مثل: زلزال – حرب – اضراب – ارتفاع باهظ أو نزول فاحش في الأسعار.
( 2 ) أن تكون هذه الحوادث الاستثنائية العامة ليس في الإمكان توقعها، ولا في الوسع دفعها.
( 3 ) أن تجعل هذه الحوادث تنفيذ الالتزام مرهقاً لا مستحيلاً – وإرهاق المدين معيار مرن يتغير بتغير الظروف، فما يكون مرهقاً لمدين لا يكون مرهقاً لمدين آخر، وما يكون مرهقاً لمدين في ظروف معينة قد لا يكون مرهقاً لنفس المدين في ظروف أخرى، فإذا توافرت تلك الشروط فإن للقاضى حرية واسعة في رد الالتزام المرهق الى الحد المعقول، فقد يرى انقاص هذا الالتزام، وقد يرى زيادة الإلتزام المقابل للالتزام المرهق، وقد يرى لا إنقاص الالتزام المرهق ولا زيادة الالتزام المقابل، ويقضى بوقف التنفيذ حتى يزول الحادث الطارئ إذا كان هذا الحادث مؤقتاً يقدر له الزوال فى وقت قصير الأمر الذي يجيز للقاضى أن يتدخل ليوزع تبعه هذا الحادث على عاتق الطرفين وبذلك يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول.
القوة القاهرة:
2- المادة 165 من ق مدنى:
يترتب على قيام السبب الأجنبى سواء أكان قوة قاهرة أم خطأ الدائن أم خطأ الغير، انقضاء الالتزام الملقى على عاتق المدين بموجب العقد، ذلك ينقضي العقد تبعاً لوجود ذلك السبب، فإذا حصلت الاستحالة ينقضى الالتزام.
3- المادة 373 مدني مصرى:
وقد نصت على ذلك المادة 373 مدنى مصرى التى جاء فيها: “ينقضى الالتزام إذا اثبت المدين أن الوفاء به أصبح مستحيلاً عليه لسبب أجنبى لا يد له فيه” والمادة 373 مدني مصري يجب أن تقرأ إلى جانب.
4- المادة 215 من نفس القانون التي جاء فيها:
“إذا استحال على المدين أن ينفذ الالتزام عينا حكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بالتزامه ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب أجنبي لا يد له فيه.
5- نص المادة 159 من ق المدني المصرى حيث جاء فيها:
“في العقود الملزمة للجانبين إذا انقضى التزام بسبب استحالة تنفيذه انقضت معه الالتزامات المقابلة له وينفسخ العقد من تلقاء نفسه”، وهذا النص كما هو واضح يوضح حكم الاستحالة، وحكمها كما هو وارد في النص هو فسخ العقد، ذلك أن العقد ينفسخ، ولا يتحمل المدين تبعا لهذا الفسخ أى مسئولية مدنية عقدية.
وعليه فإنه يشترط فى القوة القاهرة الشرطان:
الأول هو استحالة التوقع، والثاني هو استحالة الدفع، إلى جانب شرط السبب الخارجى الذى يعد معياراً مهماً وأساسياً لاعتبارات القوة القاهرة.
ومن هنا فنحن أمام إشكال قانوني اقتصادي حول اعتبارية وباء كورونا ظرفًا طارئًا أم أحد تطبيقات القوة القاهرة؟ وقد لجأت الدول الاقتصادية الكبرى، كأمريكا والصين، إلى تبنى الحلول لمساعدة شركائها فى القطاع الخاص أو العام باستصدار ما يسمى بشهادات “القوة القاهرة”.
وهذه تقضى بإبراء الأطراف من مسؤولياتهم التعاقدية التي يصعب الوفاء بها بسبب ظروف استثنائية، تخرج عن نطاق سيطرتهم؛ وهو ما جعل الكثير من المؤسسات والشركات العالمية هناك تطالب بشهادة “القوة القاهرة” من أجل التحلل من التزاماتها التعاقدية، وعدم أداء غرامات التأخير أو التعويض عن التأخير في التنفيذ أو عن استحالته شريطة تقديم مستندات موثقة لإثبات التأخير أو التعطل وستكون الشهادة معترف بها محلياً ودولياً فهل تتبنى الدول الأخرى هذا المسلك حماية للشركات المتعاقدة، خاصة مع أطراف دولية؟
هذا ما نقترحه على الحكومة المصرية بالنظر فى خيار إصدار شهادات القوة القاهرة لشركات القطاع الخاص / العام بعد فحص عقود تلك الشركات وبما يتسق ويتماشى مع السياسة الاقتصادية العامة للدولة، خاصة فى ظل حرصها على الاسثمارات وشركائها من القطاع الخاص.
انتظرونا فى المقال التالى
بقلم: د. أحمد الكلاوى
Kalawy & Partners Law Firms