لطالما كان يعتبر الاقتصاديون أن رفض أرباب الأعمال لخفض رواتب موظفيهم وطردهم بدلاً من ذلك سمة من سمات الركود، وتتردد أصداء هذا الجمود عبر الاقتصاد ما كان يخلق موجات من البطالة وتراجع النمو أسوأ من أى خفض فى الرواتب.
وهذا ربما يكون أحد الأسباب التى تجعل الركود الناتج عن الاستجابة لفيروس “كورونا” مختلفاً، نظراً لأن العديد من الشركات تفضل بالفعل خفض الرواتب بدلاً من التسريح ما يعطى بارقة أمل بأن الاقتصاد سوف يتعافى أسرع من المتوقع.
ومن المهم أن نتذكر أن فترات الركود معقدة، وحتى فى الاقتصادات جيدة الإدارة سوف يكون هناك أوقات تتسبب فيها الصدمات مثل نقص الحصاد أو حظر البترول أو الأوبئة فى صعوبات واسعة الانتشار وانحفاضات فى الدخل الحقيقى.
وكانت السمة الرئيسية لفترات الركود الحديثة هى ارتفاع البطالة بحدة ما يخلق دوامة ذاتية التغذية، العاطلون ينفقون أقل بينما من يحتفظون بوظائفهم يدخرون أكثر خوفاً من أن يأتى عليهم الدور ويسرحون.
وهذا التراجع الواسع فى الإنفاق يقلل إيرادات الشركات ما يقود إلى المزيد من التسريحات والمزيد من التراجع فى الإنفاق، ويمكن أن تؤدى فترات الركود إلى تضاعف البطالة إلى ضعفين أو 3 فى غضون أشهر وهو ضرر يتطلب حتى من الاقتصاد السليم سنوات لإصلاحه.
ويمكن تخفيف هذا الألم بقدر كبير إذا خفض أصحاب الأعمال الأجور والأسعار فى نفس الوقت بدلاً من تسريح العمالة، وسيكون لدى الشركات إيرادات أقل ولكن أيضاً تكاليف أقل، وسوف يكون لدى الموظفين دخول أقل ولكنهم أيضاً سينفقون أقل.
لذا، لماذا لا يحدث ذلك؟ يعتقد معظم الاقتصاديون أن الشركات تتردد فى تخفيض الأجور لأن ذلك ينتهك عقد ضمنى أو صريح مع الموظف وهو أنه عندما تأتى موظفة إلى العمل وتقوم بعملها بشكل جيد، فإن رب عملها ينبغى أن يدفع لها ما يكفى لتغطية نفقاتها.
وإذا انهار هذا التفاهم، فإن أخلاق العمل سوف تنهار وتتراجع الإنتاجية وسوف تبحث العمالة الأكثر خبرة وقيمة عن فرص أكثر أمانا بمجرد تعافى الاقتصاد، أما من خلال تسريح جزء من العمالة يتمكن صاحب العمل من الاحتفاظ بعلاقته مع هؤلاء الباقين الذين هم الأكثر تميزاً لديه.
وغير “كورونا” هذه الآلية، وبشكل عام فإن شعور التضحية الواسع – الذى يذهب إلى أبعد من شركة أو قطاع بعينهم – يعنى أن الضرر الناتج من تخفيضات الأجور لعلاقة صاحب العمل بالموظف أقل من المتوقع.
كما أن برامج دعم الأجور الفيدرالية سمحت لبعض الشركات بتقليص تكاليف العمالة بدون التخلى عن الموظفين، وسمح خليط بدل البطالة الأكثر سخاءً والأمل فى أن تكون فترة الإغلاق قصيرة الأجل، لأصحاب الأعمال بإعطاء الموظفين إجازة طوعية بدلا من اللجوء إلى فصل دائم.
وتتضمن كل هذه العوامل أن التعافى الاقتصادى القوى ممكنا خاصة إذا كان هناك بعض الوضوح بشأن مدة الأزمة، ويعد تخفيف القيود الرسمية ببساطة ليس كافياً وفى بعض الحالات يمكن أن يكون له نتائج عكسية، وإذا حاولت الشركات إعادة فتح أعمالها، ولكن وجدت عملاء قليلين فإن الآليات المعتادة للركود سوف تترسخ.
ومفتاح تجنب هذا السيناريو هو التنسيق المشابه للإغلاق المنسق فى الولايات المتحدة فى منتصف مارس، وهذا الإغلاق لم يكن نابع من أوامر بالبقاء بالمنزل وكذلك لن يكون إعادة الفتح، والمطلوب هو التوصل لتوافق بشأن الشروط التى تجعل إعادة فتح الاقتصاد آمنة وأن تحكم جهة موثوقة مثل مراكز مكافحة الأمراض فى الولايات المتحدة على أن هذه الشروط قد تحققت.
ولكن أمريكا لم تصل إلى هذا المستوى من التوافق بعد، ولكن هناك إجماع على أن إغلاق الاقتصاد تطور سريعا خلال أسابيع قليلة وقد يحدث نفس الأمر مع إعادة الفتح، وإذا حدث ذلك فإن الاقتصاد قد يتجاوز هذا الركود بدون فقدان الوظائف الذى يعوق الاقتصاد على المدى الطويل مثلما حدث فى الركود الأخير.
بقلم: كارل دبليو سميث، أستاذ مساعد سابق للاقتصاد فى جامعة نورث كارولاينا
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”