ثلث القوى العاملة في أمريكا تناضل في ظل بقاء الصغار بالمنازل
تحول إغلاق دور رعاية الأطفال نتيجة تفشي جائحة فيروس كورونا سريعا، ليصبح أزمة بالنسبة للعديد من العمال والشركات، وهو ما يعوق بدوره الانتعاش الاقتصادي، ويلحق الضرر بالنساء بصورة غير متناسبة، ويهدد بترك ندوب عميقة لسنوات قادمة.
وثمة توافق في الآراء بين كبار الاقتصاديين وقادة الأعمال، على أن إعادة الأطفال إلى مراكز الرعاية والمدارس، أمرا بالغ الأهمية لإعادة النشاط الاقتصادي إلى طبيعته.
وحذرت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، مؤخرا، من أن إبقاء الأطفال خارج المدرسة في فصل الخريف سيهدد درجة العزلة الاجتماعية للأطفال والتي قد تؤدي بدورها إلى أذى نفسي وجسدي.
ومع ذلك، تناقش العديد من الأنظمة المدرسية إعادة الفتح الجزئي في فصل الخريف أو البقاء بشكل افتراضي، وربما تغلق ما يصل إلى نصف مراكز رعاية الأطفال في البلاد بشكل دائم نظرا لعدم استطاعتها البقاء من الناحية المالية، مما يترك العائلات أمام عدد أقل من الخيارات.
ورغم أن الآباء يكافحون مع هذا الواقع الجديد، إلا أن بعض أرباب العمل لا يظهرون الكثير من المرونة، اذ أعلنت جامعة ولاية فلوريدا أن الموظفين لن يعودوا قادرين على رعاية الأطفال أثناء العمل عن بُعد اعتبارا من 7 أغسطس.
أما الشركات الكبرى فبإمكانها تزويد العمال ذوي الياقات البيضاء بمرونة أكبر أثناء العمل في المنزل.. إلا أن هذا الأمر قد لا يجدي نفعا في كثير من الأحيان مع ذوي الياقات الزرقاء والمنخرطين في الصناعات الأساسية، بداية من العاملين في متاجر البقالة وعمال الوجبات السريعة والصرف الصحي، إلى الممرضات.
وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، أن النساء ذوات الدخل المنخفض والطبقة العاملة، اللاتي تضررن بالفعل من الأزمة، وكذلك الشركات الصغيرة تتأثر بشكل غير متناسب من أزمة رعاية الأطفال، إذ يرى بعض الأشخاص الذين يلجأون إلى الأجداد للحصول على المساعدة أن هذا الخيار أقل أمانا.
كما أن الاحتمالات الأخرى قد يصعب تحملها.
ويعتقد الباحثون الألمان، إمكانية توقف 8.4% من النشاط الاقتصادي في أوروبا، حال الحفاظ على إغلاق المدارس ومراكز رعاية الأطفال، وهي خسارة كبيرة يمكن أن تضرب الولايات المتحدة بالمثل.
وأظهر مسح أجرته جامعة نورث إيسترن، في الفترة من 10 مايو إلى 22 يونيو، على 2.557 من الآباء العاملين، أن 13% من الآباء الأمريكيين اضطروا إلى ترك العمل أو خفض ساعات عملهم بسبب نقص رعاية الأطفال، ووجد أن الآباء يفقدون 8 ساعات من العمل أسبوعيا في المتوسط- أي ما يعادل يوم عمل كامل- نظرا لاضطرارهم لتلبية احتياجات أطفالهم.
وقالت خبيرة الاقتصاد والأستاذة في جامعة نورث إيسترن، أليسيا ساسر موديستينو، التي قادت الدراسة التي لم يتم الإعلان عنها بعد، إنها فوجئت بمدى تأثير تحديات رعاية الأطفال على القوى العاملة في البلاد.
وأظهر تحليل أجراه معهد بيكر فريدمان لأبحاث الاقتصاد التابع لجامعة شيكاغو، أن حوالي 17.5 مليون عامل- أي 11% من القوى العاملة الأمريكية- يعتنون بالأطفال الصغار بمفردهم، ولا يحتمل عودتهم إلى العمل بدوام كامل لحين إعادة فتح المدارس ومراكز الرعاية بالكامل.
قامت الشركات الكبيرة، ومنها “مايكروسوفت” و “جوجل” و “ميدترونيك” و “إيفرجي” بتوسيع الإجازات المدفوعة الأجر، لتسهيل الأمور على العائلات التي تكافح للعثور على رعاية للأطفال خلال فترة تفشي الوباء، ولكن ليس لدى جميع الشركات الموارد للمساعدة.
وقال الرئيس التنفيذي لمؤسسة “جي.بي مورجان تشيس”، جيمي ديمون: “إذا لم تفتح المدارس أبوابها، لن يتمكن كثيرون من العودة إلى العمل”.
وأشارت “واشنطن بوست” إلى أن الآباء العاملين من المنزل يناضلون لإنتاج نفس القدر من العمل في الوقت الذي يسعون فيه لتحقيق موازنة في رعاية الأطفال.
وقال الرئيس التنفيذي لمراكز التعليم “كيندر كير”،توم وايت، إن صناعة رعاية الأطفال تواجه تحدي مؤلم حاليا، فهناك قوائم انتظار في هذه المرحلة، خصوصاً أنه لم يكن هناك ما يكفي من أماكن الرعاية بالفعل.
وأشار وايت ، إلى أن ضرورة تقديم الكونجرس للمساعدات اللازمة في الأشهر المقبلة، فدون تلك المساعدة ربما تغلق آلاف دور الرعاية أبوابها، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة.
وتحث مجموعات الضغط لصالح صناعة رعاية الأطفال، الكونجرس وإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على الموافقة على مساعدات فيدرالية بقيمة 50 مليار دولار لضمان عدم توقف مراكز رعاية الأطفال عن العمل، وضمان تحمل العائلات، خصوصاً أولئك الذين يبحثون عن عمل، تكاليف إرسال أطفالهم لتلك المراكز.
وانضم قادة الأعمال وخبراء الاقتصاد إلى تلك المطالبة.
لطالما كان العثور على مراكز رعاية أطفال بأسعار معقولة مشكلة في الولايات المتحدة، لكن الوباء خلق تحدي فريد من نوعه، إذ لم يعد بإمكان العائلات الاعتماد على الأجداد للحصول على المساعدة، لذا خصص الكونجرس حتى الآن ما يصل إلى 3.5 مليار دولار للمساعدة في رعاية الأطفال خلال فترة تفشي الوباء.