تضر الأزمات العالمية الصحية والاقتصادية، بأفريقيا التي تواجه أول ركود كامل لها منذ ربع قرن، ومن المتوقع أن يبلغ النمو الاقتصادي في أفريقيا بين صفر و1% بعد أن كان من المتوقع أن تنمو بنسبة 3.2%، وفقاً للجنة الاقتصادية لأفريقيا فى الأمم المتحدة.
وتسلط الأزمة الضوء على الحاجة لتدابير اقتصادية ومالية للمساعدة فى التخفيف من حدة الضرر، وبالتأكيد سيساعد قرار مجموعة العشرين لتعليق خدمة الديون للدول الأكثر فقراً، ولكن احتياجات أفريقيا أكبر بكثير وأكثر إلحاحاً.
وحان الوقت لخلق فئة أصول من شأنها أن تجذب فئة جديدة من المستثمرين، وتخفض في الوقت نفسه تكاليف الاقتراض الأعلى التي تواجهها الدول الأفريقية بسبب التصورات العنيدة والقديمة بأنها خطيرة بشكل خاص.
وللقيام بذلك، ينبغي خلق أداة جديدة سائلة ومستدامة للقارة، ويتم صياغتها على النماذج السوقية القائمة والأدوات شائعة الاستخدام في أوروبا والولايات المتحدة، وهو ما سيساعد في خفض تكاليف الاقتراض للحكومات الأفريقية من خلال تقديم حوافز للقطاع الخاص لزيادة استثماراتهم في القارة وتسريع خلق الوظائف.
وخلقت الأزمة فرصة استثنائية لوضع النمو الاقتصادي المستدام على أرضية أكثر صلابة خلال مرحلة التعافي ومعالجة أولويات التنمية المستدامة على المدى البعيد.
وتقترح اللجنة الاقتصادية لأفريقيا تأسيس كيان لأغراض خاصة قائم على أدوات إعادة الشراء “الريبو” الشائعة لدى البنوك المركزية مثل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، للمساعدة في دعم الأداء السلس للأسواق.
وفى الوقت الحالى، يتم تصنيف أغلب السندات السيادية الأفريقية على أنها دون الدرجة الاستثمارية، وارتفعت فوارق العائد بأكثر من الضعف في الجزء الأول من أزمة فيروس كورونا.
ورغم أنها تراجعت قليلاً، فإن تكاليف الاقتراض لاتزال عالية للغاية، لدرجة أنها تحرم الحكومات من أي وصول ذو معنى لأسواق رأس المال العالمية، رغم الأداء الاقتصادي الكلي القوي للعديد من الاقتصادات الأفريقية.
والآن تدور العديد من الدول الأفريقية في حلقة مفرغة، تتمثل في نقص دخول الأسواق الرأسمالية، نتيجة ارتفاع الفوارق في أكثر وقت يحتاجون فيه التمويل، وهو ما سيؤدى لاحقاً إلى ضعف الاستثمارات واحتمالات النمو وفي بعض الحالات شبح تخفيض التصنيفات الائتمانية والتعثر وإعادة هيكلة الديون.
وتأسيس كيان ذو أغراض خاصة يموله بنك مركزى رئيسى، يمكن أن يساعد في كسر هذا النهج الخبيث ويخلق دورة فعالة للدول ذات الأسس الاقتصادية الكلية المستدامة.
كما أنها قد تسمح لتلك الحكومات الأفريقية بالوصول إلى سيولة جديدة، وفي الوقت نفسه تغري المستثمرين من القطاع الخاص على العودة أو الدخول إلى هذه السوق لأول مرة.
وفيما يلى كيفية عمل هذا الكيان:
يمكن توفير رأسمال القروض للكيان من بنك مركزي أو تحالف من البنوك المركزية ذات الاحتياطيات الأجنبية بالعملة الصعبة، وإذا تم دعمه من خلال حقوق ملكية من قبل نفس البنوك المركزية في صورة التزام ممول أو ضمانة، فإن الكيان ذو الأغراض الخاصة، سيتمتع بتصنيف ائتماني مرتفع من الدرجة الاستثمارية وأعلى بكثير من العديد من السندات السيادية الأفريقية.
وستتمكن البنوك الخاصة من الحصول على التمويل لشراء السندات من الدول المؤهلة من خلال اعتبارها مضمونة من هذا الكيان، واستناداً على خبرة أدوات الريبو في الأسواق الأخرى، هناك قليل من الشك حول أن خلق مثل هذا الكيان سيقود فوراً إلى فروق عائدات أقل للديون السيادية الأفريقية، وهو ما سيسمح لهم بالوصول إلى الأسواق وفقاً لشروط محببة أكثر.
وما نحتاجه الآن هو اهتمام والتزام من قبل حكومات مجموعة العشرين وبنوكها المركزية.
وفى 2017، أطلقت المجموعة مبادرة “الاتفاق مع أفريقيا” بهدف رئيسي وهو زيادة اجتذاب الاستثمارات الخاصة من خلال أطر التمويل والاعمال الكلية الجديدة، والآن ينبغى أن تتخذ مجموعة العشرين خطوة للأمام ودعم مبادرة مربحة يقودها القطاع الخاص، والتى ستعزز السيولة الفورية في أفريقيا وتبني استراتيجية أفضل.
ولم تكن الحاجة لحل يقوده القطاع الخاص مهمة وملحة بهذا القدر فى أى وقت سابق، والمساعدة في إطلاق مثل هذا الكيان ستكون خطوة ملموسة وبراجماتية تجاه بناء أسواق رأسمالية أفريقية، ولم يعد هناك وقت لتضييعه.
بقلم: فيرا سونجوي، نائب الأمين العام، السكرتيرة التنفيذية للجنة الاقتصادية الأفريقية التابعة للأمم المتحدة.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز”