مع اقتراب انقضاء موسم القيادة الصيفي، تستقبل أسواق البترول هواءً بارداً، بلا شك، وتعثر رسمياً التعافي في الطلب، في الوقت الذي تبدأ فيه دول “أوبك بلس” تقليص قيود الإنتاج القياسية ومع ازدياد القدرة الفائضة عبر سلاسل الإمدادات والمخزونات الهائلة من الخام والمنتجات المكررة، فقد يستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن تستأنف أسعار البترول مسارها الصعودي.
وبعد تعافي أولي قوي من أعماق الركود الناتج عن الوباء، تباطأت عودة الطلب بقدر كبير، كما ذكرت في مقالات سابقة، وهو ما يظهر بوضوح كبير في الدول التي تنشر بيانات مفصلة بوتيرة عالية ومنها الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية.
وحقيقة أن الطلب على البترول في الهند لايزال منخفضاً، تعد أنباء سيئة بشكل خاص لهؤلاء الذين يتمنون ارتفاع أسعار البترول.
وقبل ان يضرب الوباء، انضمت الدولة للصين كواحدة من أكبر مراكز النمو في استهلاك الوقود السائل، ولاتزال مبيعات وقود النقل من قبل أكبر 3 مصافي في الهند أقل بنسبة 20% في يوليو وأغسطس مقارنة بالشهرين المقابلين من العام الماضى، وتعد النقطة المضيئة الوحيدة هي الصين، والتي قد تثبت نفسها كشريان للطلب المتداعي.
وارتفع استهلاك البترول في أكبر مستورد في العالم للخام بنسبة هائلة عند 19.5% على أساس سنوي وفقاً لحسابات بلومبرج القائمة على معلومات الجمارك العامة الصينية.
كما ينتعش السفر الجوي في السوق المحلي الكبير، وارتفع عدد المسافرين على أكبر الخطوط الجوية الصينية – آير تشاينا”، و”تشاينا إيسترن آيرلاينز”، و”تشاينا ساذرن آيرلاينز” – بنسبة 25% على أساس شهري في يوليو، وتوقعت شركة تحليلات السفر “فوروارد كيز” أن يتعافى السفر الجوي في الصين تماما الشهر الجاري.
ومع ذلك، لايزال لدى الصين الكثير من البترول بعد أن استغلت الأسعار شديدة الانخفاض في مارس وأبريل للقيام بمشتريات ما ترك مخزونات البترول لديها عند أقصى طاقة استيعابية سوء على البر أو في الحاويات الراسية قبالة ساحلها. كما لايزال هناك 50 مليون برميل من الخام مخزنين في حاويات في مقاطعة شاندونج منذ أكثر من 15 يوما وفقاً لشركة استشارات الطاقة بلندن، “انرجي أسبيكتس”.
وحتى عندما يبدأ الطلب في الارتفاع مجددا، في الصين أو غيرها، فقد يكون هناك تأثير فوري قليل على أسعار البترول، لأن الدمار الناتج عن الفيروس ترك قدرة فائضة وفيرة عبر سلاسل توريد البترول.
وانظروا إلى الولايات المتحدة على سبيل المثال، إذ كانت تدار مرافق التصفية عند حوالي 81% من قدرتها التشغيلية قبل ان يضرب إعصار لاورا ولاية لويزيانا، مقارنة بـ95% في الوقت نفسه من العام الحالي.
ويمثل الفرق حوالي 2.6 مليون برميل يومياً من قدرة التصفية المعطلة في الولايات المتحدة وحدها، وقد تكون المصافي في أوروبا تدير قدرات تشغيلية أقل.
وعندما يتعلق الأمر باستخراج البترول من الأرض، تصبح القدرة الفائضة أكبر، ورغم أن إنتاج قطاع البترول الصخري الأمريكي قد لا يعود أبداً إلى مستويات الذروة قبل الفيروس، فلاتزال هناك مساحة كبيرة لارتفاع الإنتاج من المستويات شديدة الانخفاض الحالية.
وفي أحواض البترول الصخري السبعة التي يغطيها تقرير إنتاجية الحفر لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، لا يزال هناك 7600 بئر محفورين ولكن غير مكتملة بنهاية يوليو، وهو رقم لم يتغير تقريباً منذ فبراير، مما يعكس ضعف النشاط في البقعة الصخرية، لكن هذه الآبار تشكل دعما لرفع الإنتاج بمجرد ارتفاع الطلب.
ولكن أكبر قدرة إنتاجية احتياطية تقبع بعيداً في الخليج العربي وتحت شمال روسيا، وقلصت مجموعة “أوبك بلس” المكونة من 23 دولة إنتاجهم مجتمعين بمقدار 9.7 مليون برميل يوميا اعتباراً من مايو، ومنذ ذلك الحين، بدأت تخفيف هذه التخفيضات ورفعت مستوى الإنتاج المستهدف مجتمعة بمقدار 2 مليون برميل يوميا منذ بداية أغسطس.
ولكن بعض هذا الرفع سيعوضه التزام العديد من الدول بتخفيضات إضافية، بعد فشلها في مقابلة التزاماتها كاملة في الشهور الأولى من الاتفاق.
كما أن المزيد من البترول سيتم استهلاكه محلياً في دول الخليج العربي، لمقابلة الطلب المتزايد على الكهرباء في الصيف، لكن لن تعيق هذه العوامل المعروض لوقت طويل.
وسيتراجع الطلب على الكهرباء في الخليج قريباً مع انقضاء ذروة الصيف وانخفاض درجات الحرارة، مما يحرر مزيداً من الإنتاج الإضافي للتصدير، وبرودة اقتراب الخريف قد تعلن عن نفسها في أسواق البترول، قبل أن يعود التوازن بين العرض والطلب.
بقلم: جوليان لي، استراتيجي البترول في وكالة أنباء “بلومبرج”.
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”