تبدو المفاوضات على الاتفاقية المنتظرة منذ وقت طويل بشأن الاستثمار بين الاتحاد الأوروبي والصين تقترب من التوصل لنتيجة، ويعد سوق الاتحاد الأوروبي واحداً من أكثر الأسواق انفتاحاً على العالم للاستثمار الأجنبي، بينما لايزال سوق الصين واحداً من بين الأكثر انغلاقاً، وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإن إبرام اتفاقية من شأنها تحسن وصول الشركات الأوروبية وتقليص المعاملة التمييزية وتقديم المزيد من الحماية لاستثماراته هي الطريق الأساسي لإعادة التوازن للعلاقات الاقتصادية.
أما بالنسبة للصين، تعد الاتفاقية فرصة لضمان دخول الاتحاد الأوروبي في الوقت الذي يتشدد فيه الرأي العام الأوروبي ضد الاستحواذات الصينية وتدهور سجل حقوق الإنسان في الدولة.
واستغرقت المفاوضات 7 سنوات نتيجة تحرك بكين ببطء لتقديم تنازلات ذات معنى، وارتفعت الآمال بحدة العام الجاري بأن تقوم المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل بعقد قمة أوروبية صينية في سبتمبر لإبرام إتفاق، ولكن تجاهل الرئيس شي جين بينج دعوتها منتظراً نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وفجأة أصبحت بكين في الوقت الحالية متعجلة لإبرام صفقة والحصول على اتفاق قبل أن تسعى إدارة بايدن المقبلة لتعاون عبر الأطلنطي بشأن الصين، ويريد المسئولون الأوروبيون الاستفادة من تعجل بكين، وسوف تعتير ميركل بلا شك أن الصفقة بمثابة إنجاز مهم لرئاسة ألمانيا للاتحاد الأوروبي وتصديقاً على إيمانها بالتغيير من خلال المزيد من الانخراط مع الصين، ومع ذلك، يتعين أن تكون اللحظة الحالية بالنسبة لأوروبا هي لحظة سرعة أقل منها تعجل.
ومن الصعب تقييم التنازلات التي قالت الصين إنها قدمتها لأن بنود الاتفاقية لاتزال سرية، ويقول الأشخاص القريبون من المفاوضات، إنها تتضمن تعهدات بإزالة الحواجز أمام الاستثمار – مثل اشتراطات المشروعات المشتركة وكذلك المحظورات المباشر – في قطاعات التصنيع والخدمات المالية والعقارات والإنشاءات وخدمات الشحن الجوي والبحري، ولكن لايزال يتعين على بكين الموافقة على قطاعات هامة أخرى مثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والسيارات والتعليم.
ووافقت الصين على فرض قيود على شركاتها الحكومية وتعهدت بشفاية أكبر بشأن الدعم وبوضع قواعد للقضاء على النقل الجبري للتكنولوجيا وغيرها من المعاملات التمييزية، ولكن مسألة حل النزاع سوف يتم التعامل معها في مفاوضات منفصلة، وهو ما يثير حتماً المخاوف من أن الشركات الأوروبية في الصين سوف تظل تواجه تمييزاً في ظل وجود حقوق محدودة للإنصاف.
وأى ما كان شكل الانفتاح المقدم للشركات الأجنبية، فإن الهدف الأسمى لشىء هو استخدام الاستثمارات الموجهة من الدولة لتحقيق السيادة التكنولوجية الصينية، وبالتالي فإن أهم جزء في أي معاهدة استثمار هو منع الاتحاد الأوروبي من اتخاذ خطوات أقسى في المستقبل، إذا تطلب الأمر، ضد الشركات الصينية المدعومة من الحكومة والتي تعمل في السوق الموحدة أو ضد الاستحواذات الصينية للشركات التكنولوجية الحساسة.
وإذا كانت الاتفاقية محدودة بهذا الشكل، فإن الاتحاد الاوروبي سوف يكون من عدة نواحي يحذو حذو الولايات المتحدة، التي تمكنت من تأمين بعض ضمانات الاستثمار في اتفاق “المرحلة الأولى” التجاري لدونالد ترامب العام الجاري، ونظراً لطموحات الاتحاد الأوروبي في تحقيق “استقلال استراتيجي”، فإنه يريد أن يبرم اتفاق مع الصين لخدمة مصالحه الاقتصادية، كما أنه اقترح العمل مع حكومة بايدن على “التحديات الاستراتيجية التي يمثلها التأكيد الصيني المتزايد على تواجدها الدولي”، وبالتالي فإن إبرام اتفاق اقتصادي أكثر عمقاً قبل أيام من تولي رئيس أمريكي جديد لمنصبه سيرسل إشارة محرجة ستكون بكين سعيدة للغاية باستغلالها.
وينبغي أن يجعل الاتفاق الاستثماري الحياة أسهل على الشركات الأوروبية في الصين، ولكن ذلك سيتطلب أكثر من مجرد خلق بيئة لعب متساوية، ولا يتعين على بروكسل الاندفاع لتوقيع اتفاق، بل يتعين عليها التروي، وكما قال القائد الصيني السابق، دينج شياو بينج: “اخف قوتك وانتظر بصبر”.
افتتاحية صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.