خلال معظم العقد الذى أعقب الأزمة المالية لعام 2008، توقع بعض محافظى البنوك المركزية، فى كل توقعات فصلية، عودة التضخم قريبا، وبعد أن شعروا بالإحباط على الدوام، كانوا يتوقعون، مرة أخرى، أنه سيعود ولكن هذه المرة بمستوى أقل قليلا.
وبعد رؤية التنبؤات بالعودة إلى التضخم «الطبيعى» لم تسفر عن شىء مرات عديدة – بالإضافة إلى التحذيرات فى غير محلها من أن التيسير الكمى سيؤدى إلى تضخم مفرط – أصبح من الصعب الآن تصديق عودة سريعة للتضخم بعد الوباء ، الأمر الذى أدى إلى انخفاضات أعمق فى النشاط الاقتصادى.
ومع ذلك، فإن التاريخ حافل بـ «تحولات فى النظام» إذ يتغير سلوك الاقتصادات بشكل دائم، ويتضمن ذلك النمو المنخفض والتضخم المنخفض بعد أزمة عام 2008 أو ما أطلق عليه محافظ بنك إنجلترا السابق، ميرفين كينج «فترة NICE» أى عقد من التوسع المستمر غير التضخمى.
وتأتى العديد من هذه التحولات فى أعقاب فترات الركود التى يبدو بعدها أن اليقين الذى كان سائدا فى النظام السابق لم يعد قائما.
وانخفضت الأسبوع الماضى قيمة الأسهم وغيرها من الأصول طويلة الأجل نتيجة التوقعات بأن البنوك المركزية ستضطر إلى رفع أسعار الفائدة، وعززت هذا الانطباع أحدث بيانات التضخم الأمريكية، المنشورة يوم الأربعاء، والتى أشارت إلى أعلى معدل نمو سنوى للأسعار منذ عام 2008 وإن كانت الأرقام مشوهة نتيجة المقارنات مع انخفاض الأسعار أثناء عمليات الإغلاق.
وقد يكون من الحكمة أن يحوط المستثمرون الحذرون محافظهم من التضخم لكن محافظى البنوك المركزية يواجهون مسارا أقل وضوحا، وليس من الواضح ما إذا كانت ضغوط التكلفة مؤقتة أو جزءا من تحول أكثر دواما، وفى النهاية، مهما يحدث أثناء الانتعاش، يجب على البنوك المركزية إبقاء التضخم ثابتا عند أهدافها ومراقبة التغيرات فى التوقعات عن كثب.
كان الوباء ركودا غير عاديا، فبدلا من إثارته نتيجة تجاوزات النظام المالى أو تغيير السياسة النقدية، كان نتاج قرار مقصود بإغلاق أجزاء من الاقتصادات، وكانت الاستجابة له استثنائية بنفس القدر، ليس فقط من حيث حجم التحفيز – استخدمت كل من البنوك المركزية ووزارات المالية جميع الأدوات المتاحة – ولكن أيضا فيما يتعلق بشكلها إذ تم تسليم الأموال إلى الشركات للحفاظ على توظيف العمال.
قد يؤدى ذلك إلى تعافى أسرع، واستهلاك القدرة الإنتاجية الفائضة المحتمل أن يكون قد تم تخفيضها، ولم يحافظ الدعم الحكومى على جميع الأعمال والوظائف، وستستغرق إعادة إنشائها وقتا، وكذلك، أى انتقال إلى طرق جديدة للعمل، سواء كانت خضراء أو غير ذلك، وقد تؤدى هذه التحولات إلى ارتفاع ضغوط الأسعار، ولكن سلوك سوق العمل الأكثر أهمية.
يتمثل الهدف الواضح لسياسة الحكومة الأمريكية فى تحويل السلطة نحو العمال، وهو ما قد يؤدى إلى دمج ارتفاعات الأسعار المؤقتة فى صفقات الأجور ثم يغذى فى النهاية فى توقعات التضخم طويلة الأجل، وليس هناك حاجة للمبالغة فى رد الفعل لأن أى تحول فى ميزان القوى سيكون صغيرا وربما فات أوانه، ومن غير المرجح أن يؤدى إلى انطلاق سريع فى التضخم.
علمت تجربة التعافى من الأزمة المالية لعام 2008 ، البنوك المركزية، أن التضخم المنخفض يتوافق مع مستوى بطالة أقل بكثير مما كانوا يعتقدون، كان من المفيد أيضًا إدراك أن لديهم قدرة محدودة على التنبؤ بالتغيرات فى العلاقة بين البطالة والتضخم، ومع تعافى العالم من جائحة فيروس كورونا، يجب أن يتذكروا كلا الدرسين.
افتتاحية «فاينانشيال تايمز»