عندما تم إنشاء وكالة الطاقة الدولية فى عام 1974، كان العالم يعانى أول صدمة نفطية كبرى له، وكانت المهمة الرئيسية للوكالة الجديدة هى الحفاظ على تدفق إمدادات النفط العالمية بسلاسة وبتكلفة معقولة، وبعد ما يقرب من نصف قرن، اتخذت وكالة الطاقة الدولية منعطفاً مذهلاً.
يجب على شركات البترول وقف جميع المشاريع الجديدة للعثور على إمدادات بدءاً من العام الجارى إذا أرادت كبح ظاهرة الاحتباس الحرارى، هكذا تقول خارطة طريق من الوكالة حول كيفية تقليل انبعاثات الكربون إلى صافى الصفر بحلول عام 2050.
كما يجب إيقاف حقول الغاز ومناجم الفحم الجديدة، وكذلك محطات الطاقة الجديدة التى تعمل بالفحم إذا لم يتم تزويدها بمعدات باهظة الثمن لوقف انبعاثات الكربون التى تؤدى إلى ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوى، وبالنسبة إلى هيئة لها تاريخ وكالة الطاقة الدولية، فهذه رسالة مروعة، وستدعم حجة المستثمرين الذين يحثون بالفعل مجموعات البترول الكبيرة مثل “إكسون موبيل” و”شل” على التعامل مع مخاطر المناخ بجدية أكبر.
ومع ذلك، سيكون من الخطأ أن يصرفنا الراسل عن الرسالة؛ لأن نتائج الوكالة بعيدة كل البعد عن كونها جديدة، فمنذ سنوات أثبت الباحثون، أنَّ معظم الاحتياطيات المعروفة من الوقود الأحفورى يجب أن تبقى فى الأرض للسيطرة على ظاهرة الاحتباس الحرارى.
وحذر أكاديميون فى جامعة أكسفورد فى عام 2016 من أنه لا ينبغى بناء محطات طاقة جديدة تعمل بالفحم أو الغاز «اعتباراً من عام 2017 على أبعد تقدير» حتى تتاح لنا فرصة لتجنب الارتفاع الخطير فى درجات الحرارة العالمية، ومع ذلك، فقد تم بناء محطات جديدة، ولهذا السبب أصبحت مهمة معالجة تغير المناخ أكثر صعوبة.
وذكر تقرير علمى للأمم المتحدة فى عام 2018، أنه يجب أن تنخفض الانبعاثات العالمية إلى النصف تقريباً بحلول عام 2030، وأن تصل إلى صافى الصفر بحلول عام 2050 للحصول على فرصة لتحقيق أهداف درجة الحرارة الأكثر أماناً فى اتفاقية باريس للمناخ.
وتعتبر النتائج التى توصلت إليها وكالة الطاقة الدولية إقراراً بأن تحقيق هذه الأهداف يتطلب كبح معروض الوقود الأحفورى والطلب عليه على حدٍ سواء، وهذه ليست بأى حال من الأحوال مهمة بسيطة، خاصة بعد أن تم تسليط الضوء على مخاطر كبح المعروض دون معالجة الطلب الأسبوع الماضى فى الولايات المتحدة؛ حيث قام سائقو السيارات بسحب مخزونات محطات تعبئة الوقود بعد هجوم إلكترونى أدى إلى إغلاق خط أنابيب رئيسى للبنزين.
لكن النبأ السار- كما قالت وكالة الطاقة الدولية فى تقرير آخر الشهر الجارى- هو أنه من المقرر أن يصبح النمو الاستثنائى فى مصادر الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية العام الماضى هو الوضع الطبيعى الجديد، ووضعت الدول، أيضاً، أهدافاً كبيرة لتحقيق صافى الانبعاثات الصفرية فى السنوات الثلاث الماضية، وكذلك فعلت مئات الشركات والمستثمرين، ولكن الحقيقة الأكثر بروزاً هى أن خارطة طريق وكالة الطاقة الدولية تؤكد أنَّ عدداً قليلاً من هذه الأهداف تم تحقيقها بالسياسات الملموسة.
وتعد الدنمارك واحدة من الدول القليلة التى ألغت جولة مخططاً لها من تراخيص التنقيب عن البترول والغاز كجزء من جهودها لتحقيق أهدافها المناخية، وفى الولايات المتحدة، اتخذ الرئيس جو بايدن خطوة محدودة بفرض حظر مؤقت على عقود الإيجار الجديدة للتنقيب عن البترول والغاز فى الأراضى والمياه الفيدرالية بمجرد توليه منصبه العام الجارى.
ولكن يجب القيام بالمزيد، وتعد مهمة فطم الاقتصاد عن الوقود الأحفورى أصعب بكثير فى الدول التى تفتقر إلى القوة الاقتصادية للولايات المتحدة، يشير هذا إلى أحد التحديات التى تم التغاضى عنها على نطاق واسع والتى تواجه ضيوف بريطانيا العام الجارى فى مفاوضات تغير المناخ (COP26) فى جلاسكو خلال نوفمبر.
ويجب أن تضمن المحادثات أنَّ الدول الغنية تفى بالوعود التى قطعتها فى جولات سابقة من المفاوضات لحشد مليارات الدولارات لتمويل المناخ فى الدول الفقيرة ومساعدتها على التحول إلى أشكال أنظف من الطاقة، وأظهرت أزمة (كوفيد) أنَّ الحكومات يمكن أن تنفق تريليونات الدولارات فى مواجهة كارثة فورية.
ويعد التغير المناخى حالة طارئة تتطور ببطء، لكنه حالة طوارئ مع ذلك، ويجب أن تكون خارطة طريق الوكالة الدولية للطاقة بمثابة جرس إنذار للحكومات فى جميع أنحاء العالم بأن عصر الوقود الأحفورى يجب أن ينتهى عاجلاً وليس آجلاً.
بقلم: افتتاحية صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية