آثار معدل التضخم فى الولايات المتحدة البالغ %5 فى الاثنى عشر شهرا المنتهية فى مايو، وهو أعلى بكثير من المعدل المستهدف من قبل الفيدرالى عند %2، التكهنات بأن البنك المركزى قد يبدأ قريبا فى تقليص دعمه النقدى المدفوع بالوباء.
وقبل 8 سنوات، عندما قال بن برنانكى، رئيس الفيدرالى آنذاك، علانية إن المركزى الأمريكى قد يبدأ فى «تقليص» برنامج التيسير الكمى، دخلت الأسواق العالمية فى حالة من الانهيار، وارتفعت العائدات وتراجعت الأصول الخطرة وانهارت عملات الاقتصادات الناشئة، فهل نتجه الآن إلى «نوبة غضب ثانية»؟، وبسبب التجربة السابقة حاول الفيدرالى تهدئة المخاوف بشأن التحول المفاجئ فى السياسة.
وأكد رئيس الفيدرالى، جاى باول، بشدة على أنه سيتحلى بالصبر، ولن يقلص الميزانية العمومية للاحتياطى الفيدرالى قبل أن يرى «تقدما إضافيا جوهريا» فى التعافى، وردد العديد من مسئولى الاحتياطى الفيدرالى تلك التطمينات، قائلين إن الفيدرالى لن يتسرع فى الاستجابة لارتفاع عابر فى التضخم، ومع ذلك، فإن الأسواق الناشئة محقة فى أن تخشى نوبات الغضب المحتملة فى السوق فى الموطن.
وبعد كل شىء، فى ظل المعروض الوافر من النقود بشكل استثنائى، والعائدات المنخفضة فى العالم الغنى، تصبح الأسواق الناشئة حتما وجهة مفضلة للمستثمرين الذين يبحثون عن عوائد عالية، وعندما تتحول الدورة، تنعكس تدفقات رأس المال بشكل مفاجئ، تاركة أصول وعملات الأسواق الناشئة فى حالة اضطراب.
وتعد الهند، إحدى الدول «الخمس الهشة» فى صيف 2013، مثال رئيسى على ضعف الأسواق الناشئة أمام تدفقات رأس المال المتقلبة، وكانت الدولة تعانى من عجز كبير فى الحساب الجارى على أساس سنوى ومولته بالأموال السهلة التى تم ضخها فى النظام العالمى من خلال برامج التيسير الكمى فى الدول الغنية.
وركنا إلى الرضا عن النفس، وتراكم الضغط، عندما حدث الانهيار الحتمى عند أول إشارة لتطبيع السياسة، قفزت التقلبات، وانخفضت الروبية بأكثر من %15 من الذروة إلى الحضيض فى غضون ثلاثة أشهر فقط، مما تسبب فى خسارة هائلة للنمو والرفاه.
ومنذ ذلك الحين، عززت الهند ذخيرتها من الاحتياطيات الضخمة التى غالبا ما تُعتبر خط الدفاع الأول ضد التدفقات الرأسمالية المتقلبة، لكنها تعلم رغم أنفها أن تلك الاحتياطيات لا تمثل حماية ضد الأسواق المتقلبة، ولننظر إلى معضلة سياسة بنك الاحتياطى الهندى خلال الأزمة الحالية.
وعلى الرغم من الوباء وعمليات الإغلاق المرتبطة به، فإن سوق الأسهم فى الهند تزدهر بدعم من الكمية غير العادية من السيولة التى ضخها بنك الاحتياطى الهندى فى النظام كجزء من إدارته للأزمة، نتيجة لذلك، يتدفق رأس المال الأجنبى، وكان المركزى الهندى متواجد فى السوق بشكل شبه مستمر إذ يشترى الدولارات لمنع ارتفاع قيمة الروبية دون مبرر، لكن شراء الدولار ينتج سيولة روبية إضافية يمكن أن تتجاوز المستوى المريح للبنك المركزى.
ويمكن لبنك الاحتياطى الهندى بالطبع التخلص من السيولة الإضافية عن طريق بيع السندات، لكن مثل هذه الخطوة ستؤدى إلى ارتفاع أسعار الفائدة، ما يؤدى إلى إغراق الاقتصاد بدولارات «تجارة الفائدة» التى تتطلع إلى جنى الأموال من فروق العائد، ويواجه المركزى الهندى معضلة، وهى التدخل فى سوق الصرف الأجنبى مع عدم منع السيولة الناتجة «بعدم بيع السندات» وسيأتى المزيد من رأس المال الأجنبى المنجذب للعوائد فى سوق الأوراق المالية.
أما إذا تدخل ومنع السيولة سيواصل رأس المال القدوم منجذبا للفروق بين الفائدة، وفى الحالتين، يدفع الاقتصاد ثمن التكيف عندما ينعكس المال السهل، ويوضح هذا أن احتياطيات النقد الأجنبى هى فى أفضل الأحوال سلاح دفاعى لإدارة التقلبات الناشئة عن انعكاسات تدفق رأس المال، لكنها لا تساعد فى منع تراكم الضغط فى المقام الأول.
وإذا لم تكن احتياطيات النقد الأجنبى دفاعا مناسبا، فهل ضوابط رأس المال هى الحل؟ نحن نعلم أنه يكاد يكون من المستحيل تصميم ضوابط رأسمال تسمح بدخول وخروج النوع الصحيح من رأس المال بالكمية المناسبة فى الوقت المناسب.
ولتقليل التكاليف وتعظيم فوائد العولمة المالية، يتعين على الأسواق الناشئة إدارة احتياطيات ضخمة والحفاظ على استدامة أرصدة المالية العامة والحسابات الجارية، كما يجب عليهم تقليل الديون قصيرة الأجل، وخاصة الديون السيادية المقومة بالعملة الأجنبية، وتطبيق ضوابط رأس المال بحكمة ومصداقية.
بقلم: دوفورى سوباراو، محافظ سابق للبنك الاحتياطى الهندى








