يعانى الاقتصاد العالمى موجات اضطرابات فى الإمدادات، ومع ذلك، يواصل بعض صانعى السياسات والمشاركين فى السوق التأكيد على أن الاختلالات بين العرض والطلب مؤقتة وستنتهى قريباً من قبل قوى السوق
وصف لى أحد المديرين التنفيذيين الاختناق بأنه أسوأ من انسداد قناة السويس فى مارس الماضى، والنقطة الأساسية هى أن المشكلات القابلة للانتهاء مصحوبة بمشكلات فى العرض قد تستمر لمدة عام إلى عامين إن لم يكن أكثر
عندما سمع أننى مسافر إلى بريطانيا، أرسل لى صديق صورة لرف متجر فارغ جزئياً مع رسالة بسيطة: «ستعود إلى أرفف الحقبة السوفيتية».
ومع ذلك، على عكس تلك الحقبة، لم يحدث هذا فى اقتصاد مغلق مع إنتاج غير فعال تديره الدولة ومحمى بجدران عالية من الرسوم الجمركية والحصص، كما أنه ليس وضع خاص ببريطانيا، وإنما يرجع ذلك إلى اضطرابات الإمدادات التى تواجهها العديد من البلدان، والتى ستظل معنا لفترة من الوقت، ما يعقد خطط الشركات والسياسات، ويمكن أن تقوض الاستثمارات بناءً على ضخ السيولة الوفيرة من البنوك المركزية التى دفعت بالعديد من الأسواق إلى الأعلى.
وتتجلى هذه الظاهرة فى بيانات الاقتصاد الكلى وإشارات الشركات، ويزداد الارتفاع فى تضخم أسعار المنتجين فى جميع أنحاء العالم، وظهرت فجوات كبيرة بين طلبات المصنع والإنتاج، وارتفعت تكاليف النقل من الصين إلى أوروبا والولايات المتحدة من 7 إلى 10 مرات فى العام الماضى، وتتقيد المزيد من الشركات فى المزيد من القطاعات بنقص الإمدادات.
والجانى هو مزيج من سلاسل التوريد المعطلة وتكاليف النقل المرتفعة وندرة الحاويات والموانئ المزدحمة، ويعد نقص العمالة مشكلة أيضاً، ما يجبر الشركات فى قطاعى التصنيع والخدمات على العمل بأقل من طاقتها مع ضغوط أجور مستمرة.
وفى بريطانيا، حذر بنك إنجلترا المركزى من أن نقص العمالة قد يستمر لمدة عامين، ويثق عدد أقل من المديرين التنفيذيين بأن مثل هذه الاضطرابات مؤقتة ويمكن عكسها بسرعة، وهو ما يقيد خطط النمو على الرغم من الطلب القوى، ويزيد الضغط لرفع الأسعار لتعويض ارتفاع التكاليف، وبدلاً من أن يكون الاقتصاد العالمى نشطاً، يعانى موجات من اضطرابات الإمدادات، ما يشير إلى أن القوى طويلة المدى تلعب دوراً أيضاً.
ومع ذلك، يواصل بعض صانعى السياسات والمشاركين فى السوق التأكيد على أن الاختلالات بين العرض والطلب مؤقتة، وستنتهى قريباً من قبل قوى السوق، ولدعم حجتهم، يشيرون إلى كيفية عكس الخشب للارتفاع الكبير فى أسعاره، وبالتأكيد، بعض عوامل انعكاس الأسعار تلعب دوراً.
وبالفعل، ساعد الوقت فى التغلب على بعض الصدمات الأولية من «كوفيد 19» للاقتصاد – «توقف مفاجئ» أكثر عمومية مما كان عليه فى الأزمة المالية لعام 2008 – ولا ننكر أيضاً أن أحدث موجة «كوفيد» التى يغذيها متحول «دلتا» لها عناصر مؤقتة وقابلة للانعكاس، مثل إغلاق الموانئ فى الصين وفيتنام.
وينطبق الشىء نفسه على موانئ الوجهة، مثل لونج بيتش بكاليفورنيا؛ حيث وصف لى أحد المديرين التنفيذيين الاختناق بأنه أسوأ من انسداد قناة السويس فى مارس الماضى، والنقطة الأساسية هى أن هذه المشكلات القابلة للانتهاء مصحوبة بمشكلات فى جانب العرض قد تستمر لمدة عام إلى عامين، إن لم يكن أكثر.
وبالفعل، يقود استمرار المشكلات المزيد من الشركات إلى مراجعة إدارتها لسلسلة التوريد بهدف تعزيز المرونة، حتى على حساب الكفاءة، لكن آثار معالجة المشكلات على المدى الطويل من خلال تنويع البائعين/ البلد لها اضطرابات قصيرة الأجل، ومن غير المحتمل أيضاً أن ينتهى جمود سوق العمل فى أى وقت قريب.
وتشير المؤشرات الأحدث إلى أن إعادة فتح المدارس، وإنهاء الدعم الإضافى للبطالة فى الولايات المتحدة، من غير المرجح أن يؤدى إلى قفزة فورية فى المشاركة فى القوى العاملة، وهذا رغم فرص العمل القياسية، كلما استمر هذا الأمر، زاد عدد الشركات التى تتكيف.
وتسبب «كوفيد» فى إجهاد موانئ العالم، بالإضافة إلى أن التضخم الجارى بالفعل، يترجم إلى رياح تضخمية مصحوبة بركود اقتصادى غير مألوف لأولئك الذين لم يعيشوا خلال السبعينيات، وهو سيناريو تضعه المزيد من الشركات فى الصدارة أثناء تخطيطها.
ومع ذلك، فإن العديد من صناع السياسات والمشاركين فى السوق يتخلفون عن الحقائق على أرض الواقع، وبعد أن فاتته الفرصة فى بداية الصيف لتقليص مشتريات الأصول الضخمة التى تم تنفيذها فى ذروة صدمة «كوفيد» العام الماضى، يخاطر الفيدرالى الآن بمعضلة سياسية صعبة بشكل خاص: الحاجة إلى تقليل التحفيز بسبب التضخم المستمر عند مستوى أعلى بكثير من المستهدف، ولكن التردد فى القيام بذلك بسبب قمع النمو.
وقد يشكل هذا مشكلة بالنسبة للعديد من فئات الأصول حيث تقوم التقييمات على الرهان على إمكانية التنبؤ وفعالية دعم البنك المركزى، بما فى ذلك التقليص الناعم للسياسة النقدية فى اقتصاد معتدل ليس شديد النشاط أو الركود.
ولقد أفسح الموضوع الهيكلى السائد بعد الأزمة المالية – وهو الطلب الكلى الناقص – الطريق لإحباط العرض، وهى مشكلات لن ترحل فى أى وقت قريب، ومن الأفضل للشركات وصانعى السياسات التكيف الآن إذ إن احتواء المزيد من الاضطرابات أرخص وأسهل من الاضطرار إلى تنظيف الضرر.