لا يرغب الغرب فى المخاطرة بصدام عسكرى مع روسيا المسلحة نووياً، وبالتالى يعتمد فى جزء كبير منه على التهديد بعقوبات اقتصادية لردع موسكو عن غزو أوكرانيا، والنبأ السار هو أن الولايات المتحدة تطور حزمة قوية وتقنع بعض حلفاء الاتحاد الأوروبى المترددين بالمشاركة.
ومن بين الأخبار غير السارة، أنه من غير المرجح أن تكون هذه العقوبات كافية، فى حد ذاتها، لإقناع الرئيس فلاديمير بوتين بالتوقف ويجب على الغرب أن يستعد للألم جراء إجراءاته والانتقام الروسى.
إذا غزت روسيا، فإن الولايات المتحدة وحلفاء أوروبا يستعدون على الأرجح لمنع مقرضيهم من تحويل الروبل إلى دولارات، وتقييد التداولات الثانوية للديون الروسية الصادرة حديثاً، وبينما يبدو الاتفاق على منع روسيا من نظام «سويفت»، نظام المدفوعات بين البنوك، احتمال بعيد، فإن الخطوات الأخرى المخطط لها يمكن أن تلحق أضرارًا كبيرة ببنوكها ونظامها المالى.
كما تروج واشنطن لمنع تصدير بعض التكنولوجيات الحساسة التى تحتوى على مكونات أمريكية لروسيا، ما قد يلحق الضرر بصناعات الأسلحة والطيران وحتى بعض المنتجات الاستهلاكية، وقد يُمنع الوصول إلى التكنولوجيا الغربية ورأس المال لمشاريع الطاقة الروسية الجديدة، ومن المرجح بشكل متزايد أن تتعثر الموافقة على خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 إلى ألمانيا.
وتهدد واشنطن أيضاً بفرض عقوبات على كبار رجال الأعمال والمسئولين المقربين من بوتين، وملاحقة قصورهم وحساباتهم المصرفية فى الغرب، وتضغط على بريطانيا، التى يعد دعمها حيوياً، نظراً لدور لندن كمركز للأموال الروسية، على إعداد خطوات مماثلة.
ومع ذلك، حصنت روسيا نفسها بشكل جيد إلى حد ما ضد العقوبات منذ أن فرض عليها الغرب عقوبات بسبب عدوانها على أوكرانيا عام 2014، وضغط الكرملين على الأوليغارشية لإعادة الأموال إلى الوطن فى عام 2015، وحظر كبار المسئولين من حيازة الأصول الخارجية، وكدست موسكو احتياطيات من الذهب والعملات الأجنبية تصل إلى 620 مليار دولار سدسها فقط الآن بالدولار، وتم تخزين فائض عائدات النفط والغاز فى صندوق الثروة الوطنى بقيمة 190 مليار دولار، ويبلغ الدين الحكومى %20 فقط من الناتج المحلى الإجمالى.
لدى موسكو أيضًا طرقًا غير عسكرية للرد، وقد عززت النفوذ الذى تمارسه من خلال اعتماد أوروبا على روسيا فى %40 من غازها الطبيعى، ومن خلال الامتناع عن بيع المزيد من الغاز الفورى فى أزمة الإمداد الأخيرة، تسببت روسيا فى انخفاض مخزونات الغاز الأوروبى إلى أقل من %40 من السعة، وهو أدنى مستوى على الإطلاق فى هذا الوقت من العام، ولن يكون الغاز الطبيعى المسال من الموردين مثل قطر كافياً للتعويض حتى عن قيود العرض الجزئية التى تفرضها روسيا، ويمكن لموسكو أيضاً الرد على الخطوات الغربية من خلال مصادرة الأصول الأجنبية فى روسيا، أو تقييد إعادة الأرباح إلى الوطن.
ومع ذلك، فى حين أن الكرملين قد يشعر بالثقة فى تحمله لصدمة قصيرة المدى، فإن الإجراءات الغربية من شأنها أن تسبب مزيداً من الضرر للاقتصاد الروسى على المدى الطويل، وبالإضافة إلى تكلفة كل من العقوبات والتحصن من العقوبات منذ عام 2014 ، والتى أدت إلى ركود النمو ومستويات المعيشة، يمكن أن تكون الانتكاسة السياسية للرئيس الروسى قاسية بمرور الوقت.
لايزال التهديد بالعقوبات جزءاً حيوياً من الاستراتيجية التى تشمل المحادثات الدبلوماسية، والجهود المبذولة لزيادة التكلفة العسكرية على روسيا لأى غزو لأوكرانيا، ويجب على الدول الغربية تكثيف إمدادات الأسلحة الدفاعية إلى كييف.
يسلط استعراض عضلات موسكو العسكرى الضوء أيضاً على الحاجة إلى اتخاذ خطوات طال انتظارها، ويتعين على بريطانيا، على وجه الخصوص، تعزيز الرقابة على الأموال الروسية غير المشروعة، ليس فقط كجزء من أى عقوبات متعلقة بأوكرانيا، ولكن لمنع الجهود المبذولة لتقويض ديمقراطيتها، ويجب على أوروبا أن تحول الحديث عن جعل نفسها أقل اعتمادًا على الطاقة الروسية إلى حقيقة واقعية، وقد يتم نزع فتيل أزمة اليوم، لكن لم يعد بإمكان القادة الغربيين أن يساورهم أى شك بشأن طبيعة الكرملين الذى يتعاملون معه.
افتتاحية “فاينانشيال تايمز”