تراجع الإنتاج والاستثمار قد يعيق انتعاش المنطقة
يتجه الركود غير المسبوق والذي لا رجعة فيه، في القدرة العالمية لإنتاج البترول خلال العامين الماضيين، بجانب الانخفاض المستمر في الاستثمار اللازم لإعادة بناء هذه القدرة، نحو مستوى الانهيار الذي ربما يزعج العالم، خصوصا بمجرد أن يبدأ الطلب على الوقود في التعافي من التباطؤ الاقتصادي الذي يقترب الآن.
من المقرر أن يكون التأثير أقوى في آسيا الناشئة، إذ تستأنف المنطقة مكانتها باعتبارها المركز الأسرع نمواً لاستهلاك الطاقة في العالم، ويتعين عليها جذب براميل البترول الهامشي من السوق الدولية تماماً، والذي يصبح أكثر تكلفة بشكل تدريجي.
أوضحت مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية أن مستوردي الغاز الطبيعي المسال الذين يتأثرون بالأسعار في آسيا خرجوا بالفعل من السوق بفعل أقرانهم الأوروبيين الذين يدفعون أعلى دولار لشحنات الوقود شديد البرودة، في ظل جفاف تدفقات الغاز القادم عبر خطوط الأنابيب من روسيا في الأشهر الأخيرة.
يمكن أن يحدث الشيء نفسه في البترول، إذ يطارد عدد كبير جداً من المشترين، عددا قليلا جداً من البراميل.. الأمر الذي يضطر الدول الآسيوية إما إلى الخروج لتلبية الأسعار الباهظة أو التوجه نحو الفحم، الذي يعد البديل الأكثر قذارة.
في الأشهر الأخيرة، كانت المخاوف المتزايدة من الركود الاقتصادي والتوقعات المتدهورة لاستهلاك البترول سبباً في انخفاض أسعار البترول الخام بنسبة 33% عن أعلى مستوياتها في مارس، عندما أثار الغزو الروسي لأوكرانيا المخاوف بشأن العرض.
لكن الركود الوشيك قد يكون ضحلاً وقصير الأجل في آسيا، ويمكن أن يرتد الطلب الصيني على البترول العام المقبل إذا خفف أكبر مستورد صافٍ في العالم أخيراً ضوابطه الصارمة المفروضة للسيطرة على تفشي فيروس كورونا.
لقد ارتفع متوسط استهلاك الوقود الشهري في الهند، ثاني أكبر مستورد صافٍ، بنسبة 9% على أساس سنوي في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022.
علاوة على ذلك، قد يؤدي توقع انخفاض الأسعار نسبياً بسبب التباطؤ الاقتصادي إلى إضعاف الإنفاق الضعيف بالفعل على التنقيب وتطوير حقول البترول والغاز.
يعد استمرار عجز معظم أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” وحلفائها عن إحياء إمدادات الخام إلى مستويات ما قبل “كوفيد” بمثابة علامة حمراء كبيرة.
بعد أن تعاونت هذه الدول الـ19 لخفض الإنتاج بمقدار 10 ملايين برميل يومياً بشكل غير مسبوق استجابة لصدمة الطلب عام 2020 الناتجة عن تفشي الوباء، واجهت الآن جداراً هائلاً من القيود في استعادة مستويات إنتاجها السابقة، بما في ذلك رد الفعل العالمي المتزايد تجاه الوقود الحفري.
لم يمكن أعضاء التحالف الذي تقوده أوبك، الذين رفعوا تدريجياً أهداف الإنتاج الشهرية لمحاولة مواكبة التعافي بعد الوباء في الطلب العالمي، من الارتقاء إلى المستوى الموعود به بمقدار 3.5 مليون برميل يومياً في أغسطس.
حتى لو افترضنا أن روسيا قادرة على سد النقص الذي تعاني منه بنحو 1.3 مليون برميل يومياً في وقت ما في المستقبل إذا تم حل الوضع في أوكرانيا وانتهت العقوبات الغربية، فإن تحالف المنتجين سيستمر في خفض الإنتاج بأكثر من 2 مليون برميل يومياً، أو 2% من الاستهلاك العالمي.
وخُفضت الطاقة الإنتاجية الفائضة داخل أوبك والمنتجين الرئيسيين الآخرين إلى مليون برميل يومياً، كما أنه ليس هناك الكثير من الراحة في الأفق خارج تحالف “أوبك بلس” أيضاً.
لم تعد الولايات المتحدة منتج البترول المتأرجح كما كانت، بل يُتوقع ارتفاع إنتاجها من البترول الخام إلى ذروة عام 2019 البالغة 12.3 مليون برميل يومياً فقط في عام 2023، لكن حتى هذا التوقع يواجه الآن حالة من انعدام اليقين.
ربما يتراجع منتجو البترول الصخري، الذين يمثلون حوالي ثلاثة أرباع إنتاج البترول الأمريكي وكل النمو الأخير تقريباً، عن تعزيز الإنتاج في مواجهة التراجع المتوقع في الطلب.
حتى في مواجهة الأسعار المرتفعة في النصف الأول من عام 2022، تمسك المنتجون بشعارهم الخاص بالانضباط النقدي، وحولوا أرباح أعلى إلى دفع توزيعات الأرباح والديون للمتقاعدين.
بينما يُتوقع ارتفاع النفقات الرأسمالية المدرجة في الموازنة خلال العام الحالي، سيتم القضاء على جزء كبير من النمو بسبب تضخم متوسط تكلفة الإنتاج بنسبة 15%.
ويواصل قلة من قادة “أوبك”، التحذير من التخلي عن مصادر الطاقة التقليدية قبل أن تصبح مصادر جديدة جاهزة، لكن وجهات نظرهم يتم تجاهلها باعتبارها تخدم مصالحهم الذاتية.
ويحتاج صانعو السياسات في هذا الجزء من العالم، الذين يتعين عليهم إعطاء الأولوية لتكلفة الطاقة وسهولة الوصول إليها، إلى اتباع كافة الأساليب الممكنة، في ظل حاجتهم لتسريع تطوير الطاقة المتجددة، لكن هذا لا يمكن أن يكون سوى جزء بسيط من الحل.
تجدد كل من إندونيسيا والهند جهودهما لتعزيز إنتاجهما المحلي المتواضع من البترول والغاز، ويمكن لمزيد من الدول الإقليمية التي تتمتع بإمكانات هيدروكربونية غير مستغلة فعل الأمر نفسه.
يجب على قادة المنطقة تكثيف التواصل مع موردي البترول والغاز في الشرق الأوسط وتقديم الدعم لجهودهم لتعزيز القدرة الإنتاجية أيضاً، كما يمكن للصين والهند قيادة مثل هذه الجهود باعتبارهما دولتين ذوي ثُقل في آسيا.








