في أواخر عام 2013، كشف الحزب الشيوعي الصيني بقيادة زعيمه الجديد شي جين بينج، عن برنامج إصلاحات ملفت للنظر يهدف إلى إعادة التوازن إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم لصالح قوى السوق والقطاع الخاص.
بموجب خطة الإصلاح المكونة من 60 نقطة، وعدت الإدارة الجديدة لشي بالتخلص من العقبات التي كانت تعيق النمو الذي يقوده المستهلكون في الصين، بما فيها فرض ضريبة على الممتلكات ومنح المزيد من حقوق الأراضي للمزارعين والعمال المهاجرين وفتح القطاعات التي تسيطر عليها الدولة لرأس المال الخاص.
كانت قبضة الدولة المتشددة على وشك التراجع، وتوقع المحللون آنذاك، إذا نُفذت تلك الخطة كما هو مخطط لها، أن تحافظ الصين على نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي بنسبة 7% خلال العقد القادم على الأقل، وتنتقل إلى فئة الدول مرتفعة الدخل.
بعد مرور نحو 10 أعوام، لم يتم الوفاء بالعديد من تلك الوعود، وأصبحت الاقتصاد الصيني، في الوقت نفسه، يواجه عوائد متناقصة بعد الاعتماد لأعوام على النمو الذي كان مدفوعاً بطفرة الاستثمار العقاري التي تغذيها الديون، حسبما ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
من المقرر أن يمثل هذا العام أول مرة منذ أوائل التسعينيات يتراجع فيها معدل النمو في الصين عن بقية المنطقة، بعد تأثره بسياسة شي المثيرة للجدل بشأن “صفر كوفيد” والرياح الاقتصادية العالمية المعاكسة المتصاعدة وتراجع سوق الإسكان.
عن ذلك، يقول تشين تشيو، أستاذ التمويل والاقتصاد الصيني في جامعة هونج كونج: “كان من شأن الإصلاحات الستين التوسع إلى حد كبير دور الاستهلاك والمبادرات الخاصة، لكن أجندة الإصلاح الموجه نحو السوق تم تهميشها بشكل كبير، مما أدى إلى دور أكبر للدولة وتقليص دور القطاع الخاص”.
كذلك، قالت ييشياو تشو، الخبير في الاقتصاد الصيني في الجامعة الوطنية الأسترالية، إن إدارة شي أضاعت “فرصة سانحة” خلال فترة الاستقرار الاقتصادي والجيوسياسي النسبي لإجراء إصلاحات سياسية صعبة.
ربما تضطر بكين الآن إلى التصرف لأن تداعيات الانهيار العقاري تضر بآفاق النمو في الصين على المدى القريب.
قالت تشو: “أنت بحاجة إلى الاستعجال، والأزمة، للقيام بذلك، لذلك أتوقع رؤية المزيد من التغييرات والإصلاحات في السياسة”.
نظراً للدور المتواضع نسبياً الذي يلعبه الاستهلاك في اقتصادها، فقد وصف صندوق النقد الدولي الصين بأنها “دولة شاذة عالمياً”، حيث يبلغ إجمالي المدخرات المحلية في البلاد 44% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بمتوسط 22.5% بين أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
على المدى الطويل، يُعتقد أن الكثير من هذا هو المدخرات الاحترازية والنقدية المخصصة للإسكان والتعليم والرعاية الصحية والتقاعد.
أفاد النقاد أن هذا دليل على أنه بينما كان اقتصاد الصين ينمو، فقد فشل في بناء نوع من نظام المعاشات التقاعدية وأشكال أخرى من شبكة الأمان الاجتماعي التي من شأنها أن تجعل الناس يشعورون بالراحة بشأن إنفاق المزيد من دخلهم.
بيرت هوفمان، المدير القطري السابق للصين بالبنك الدولي، مقتنع بأن طلب المستهلكين المكبوت يمكن أن يتغير سريعاً، وهذا لن يتطلب سوى سلسلة من التغييرات في السياسة تهدف إلى تخفيف المخاوف التي تدفع الأسر الصينية إلى الادخار بمعدلات أكبر بكثير من معظم الدول.
وأوضح أن “مدخرات الأسر هي التي تمنحك استهلاكاً منخفضاً حقاً”.
ويقدر صندوق النقد الدولي أنه “إذا كانت الأسر الصينية تستهلك بشكل مماثل للأسر البرازيلية، فإن مستويات استهلاكها ستكون أكثر من الضعف”.
ومع ذلك، يعتقد خبراء كثيرون أن الإصلاحات ذاتها التي يمكن أن تدفع، وتدعم، الصين إلى حقبة جديدة من النمو تتعارض مع سعي شي لتحقيق قدر أكبر من السيطرة والدفاع عن مصالح الحزب الشيوعي الصيني الحاكم.
تقول نانسي تشيان، أستاذة الاقتصاد بجامعة “نورث وسترن”، إن “الصين اقتصاد متوسط الدخل، أمامها طريق طويل لتقطعه قبل أن تصبح اقتصاداً مرتفع الدخل، ولا أعتقد أن الصين ستصبح اقتصاداً متقدماً أو دولة غنية في أي وقت قريب”.
عندما قاد إصلاحات الصين في الثمانينيات والتسعينيات ووضع البلاد على طريق الازدهار، بدا أن قرار الرئيس السابق دنج شياو بينج “بالسماح لبعض الناس بالثراء أولاً” قد غير إلى الأبد العقد بين الحزب الشيوعي الصيني والشعب الخاضع لحكمه.
أصبحت أسواق الملكية الخاصة آنذاك جزءاً مهماً من العقد الجديد، حيث ازدهر البناء رغم أن الدولة لم تعد المطور الوحيد والمالك، كما أدت الخصخصة الكاسحة للمنازل إلى ارتفاع معدلات ملكية المنازل من 20% في أواخر الثمانينيات إلى أكثر من 90% بحلول عام 2007.
شهدت الفترة ولادة الطبقة المتوسطة التي تملك منازل، والتي تضخمت من أقل من 3% من السكان في عام 2000 إلى أكثر من نصف السكان، أي أكثر من 700 مليون شخص، بحلول عام 2018.
نما نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي عشرة أضعاف في الثلاثين عاماً من عام 1990 بينما تضاعفت الأجور في المدن خمس مرات.
يقول براد سيتسر، زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية، إن الصين قد حافظت على مستويات عالية بشكل غير عادي من الاستثمار مقارنة بحجم اقتصادها، في كل من العقارات والبنية التحتية، لفترة أطول مما يعتقده العديد من النقاد.
وأضاف أن “الصين لم تلعب دوراً محورياً لاقتصاد يقوده المستهلك لأنها لم تضطر إلى ذلك”.
عندما بدأ تتبع أصول معدل “المدخرات المرتفعة بشكل استثنائي والاستهلاك المنخفض” في الصين اليوم، لاحظ صندوق النقد الدولي “عدم كفاية الإنفاق الاجتماعي”، بجانب التغييرات في سياسات مثل سياسة الطفل الواحد و”التفكيك التدريجي لشبكة الأمان الاجتماعي” في الثمانينيات والتسعينيات.
ويشير صندوق النقد الدولي إلى الارتفاع السريع في أسعار المنازل، مما يجبر الناس على ادخار المزيد لتغطية الدفعات المقدمة والرهون العقارية.
في عهد شي، ارتفع متوسط السعر في العاصمة الصينية بنحو 166%.