عندما بدأت الحرب الروسية على أوكرانيا، بدا أن النمسا ستكون على خط المواجهة فى مواجهة التداعيات الاقتصادية فى أوروبا.
لم يقتصر الأمر على اعتماد الدولة الواقعة فى جبال الألب بالكامل تقريباً، على روسيا فى إمدادات الغاز الطبيعى، لكن شركاتها الرائدة ظلت لأعوام تتطلع أيضاً إلى الشرق؛ بحثاً عن أسواقها.
لكن اقتصاد النمسا أثبت ـ حتى الآن ـ أنه أكثر مرونة مما توقعه الكثيرون، حسبما ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
فى حين أن آثار أزمة الطاقة لم تظهر بعد بشكل خطير، بفضل خريف أكثر دفئاً مما كان متوقعاً، وجهود الاتحاد الأوروبى لبناء الاحتياطيات، هناك دلائل على أنه مع استمرار الدعم السياسى، ستتغلب الشركات على العاصفة.
توقع البنك المركزى النمساوى، فى تقييم منتصف العام، نمواً بنسبة 4.1% فى الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2022، مع نمو بنسبة 2% فى عام 2023، و1.9% فى عام 2024.
هناك بعض التحذيرات؛ حيث يعتمد اقتصاديو البنك المركزى النمساوى على تقييم متفائل لمسار حرب أوكرانيا. ويتوقع البنك المركزى النمساوى، أن تنتهى أشد مراحل القتال فى أوائل العام المقبل، كما أنه أشار فى توقعاته الأخيرة إلى أن السيناريو العسكرى الأكثر تشاؤماً قد يشهد انكماش الاقتصاد النمساوى.
يعتقد هارالد ماهر، رئيس غرفة التجارة النمساوية، أن أسعار الطاقة ستكون أساسية، قائلاً «بالنسبة إلى النمسا كموقع تجارى، فإنَّ أمن الإمداد والقدرة على تحمل تكاليف الطاقة لهما أولوية قصوى، ويجب أن تعالجهما الحكومة».
بالرغم من أن النمسا هى بالفعل واحدة من الشركات الأوروبية الرائدة فى توليد الطاقة المتجددة، فإنَّ ماهر يقول إن الغاز سيواصل لعب دور رئيسى فى تلبية احتياجات البلاد على المدى المتوسط.
فى حين أن هذا يمثل تحدياً، فإنه يوفر أيضاً فرصاً استثمارية، كما يقول ماهر.
وبالرغم من انخفاض أسعار الطاقة فى الآونة الأخيرة، فإنها لا تزال عند مستوى مرتفع، ويمكن الافتراض أيضاً أنها سترتفع مرة أخرى فى الأشهر المقبلة، ولهذا السبب لدينا تحدٍ رئيسى مشترك فى الاتحاد الأوروبى، وهو خفض أسعار الغاز، وبالتالى أسعار الكهرباء.
ومن هذا المنطلق، يجب بناء موانئ جديدة للغاز الطبيعى المسال وخطوط أنابيب جديدة، ويجب أن تكون البنية التحتية الكاملة لإمدادات الطاقة فى أوروبا متصلة بشكل أفضل.
ذكر «ماهر»، أن النمسا فى وضع جيد لتصبح «مركزاً» لمثل هذه المشاريع، وقد أصبحت البلاد بالفعل مركزاً رائداً للابتكار والتطوير فى مجال الطاقة الخضراء، وهو موقع يمكن أن تستفيد منه.
لا شك أن المساعدة الحكومية ستكون حاسمة فى كيفية تعامل النمسا مع هذه التغييرات، فحتى الآن كانت فيينا سخية فى دعمها المالى.
جدير بالذكر، أن النمسا تمتلك ما يقرب من 80% من احتياجاتها الشتوية من الغاز فى الاحتياطيات، الأمر الذى يعنى أن الكثيرين لا يتوقعون حدوث نقص خلال العام الجارى.
يقول جونتر ديوبر، رئيس الأبحاث فى «رايفايزن بنك إنترناشونال»، إنَّ «النمسا ستكون من بين أسرع الاقتصادات نمواً فى أوروبا هذا العام، وهذا يعنى أن مواجهتنا تباطؤاً صناعياً فى جميع أنحاء أوروبا، فإن النمسا ستعانى منه أيضاً لكن على أساس قوى للغاية».
ويوضح ديوبر، أنه من المحتمل حدوث «تباطؤ كبير» فى النمو، مضيفاً:«سندير هذا الشتاء، لكن السؤال المثير للاهتمام هو كيف ستسير الأمور العام المقبل، خاصة أن الصورة مختلطة، فشركات لديها دفاتر طلبات جيدة وقضايا متراكمة وسلسلة التوريد أصبحت أخف والاستهلاك الخاص لا يزال على ما يرام، لكن لا ينبغى أن نقلل من تأثير أعلى معدل تضخم شهدناه منذ عقود».