يبدو أن المشهد الائتمانى اليوم مختلف تمامًا عما كان عليه قبل عقد من الزمن، وكان أحد التغييرات فى تكوينه هو ظهور الإقراض خارج البنوك التقليدية.
ونما هذا الإقراض البديل 6 مرات تقريبًا عبر الأسواق العامة والخاصة على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية.
وبشكل ملحوظ توسع سوق الائتمان الخاص لتجاوز فئة الأصول تلك نحو 11.5 تريليون دولار، لتنافس القروض المشتركة.
ومن الروايات الشائعة أن نمو الائتمان الخاص بات على حساب السوق المشتركة سواء فى القروض أو السندات.
لكن فى حقيقة الأمر العلاقة بين تلك الأسواق حاصلها ليس صفرا، فليس بالضرورة هناك طرف خاسر وطرف رابح، فالائتمان الخاص مازال يحتاج الأسواق العامة كى ينتعش ويتطور ويغذى اقتصاد الشارع الرئيسى.
وتراجعت القروض الممنوحة من البنوك التجارية بأكثر من 50% عقب الأزمة المالية العالمية، وفى وباء كوفيد-19، واضطراب عام 2023 في القطاع المصرفى.
وتدخل الائتمان الخاص بشكل متزايد لسد هذه الفجوة وأصبح خيار التمويل المفضل للعديد من المشاركين في السوق.
بالنسبة لعدد كبير من المُصدرين من الشركات، كان الائتمان الخاص أسرع، وأكثر مرونة، ومستويات اليقين في التنفيذ أعلى وسط بيئة سوق متقلبة. نتيجة لذلك، في الأشهر الـ 18 الماضية، تم تمويل أكثر من 90% من عمليات الاستحواذ على مستوى العالم من خلال الائتمان الخاص.
ومع ذلك، فإن كل التمويلات ليست بالضرورة مناسبة للائتمان الخاص، والاعتماد المفرط عليه قد يكون له عواقب على فئة الأصول والأسواق على نطاق أوسع.
تتيح الأسواق المشتركة وفرة من البيانات عبر نشاط التداول اليومى الضرورى لاكتشاف الأسعار، بالإضافة إلى معلومات أكثر تفصيلًا من المقرضين من خلال عملية التصنيف الائتمانى، وتلعب هذه المدخلات دورًا رئيسيًا في توفير مقاييس تسعير قابلة للمقارنة لمعاملات الائتمان الخاصة.
ويعد وجود عدد أقل من السبل للحصول على التمويل أحد العوامل العديدة التي ساهمت في انخفاض عمليات الاندماج والاستحواذ، ولعلنا شهدنا بالفعل انتقال العديد من المعاملات من التمويل عبر الائتمان الخاص إلى الصفقات المشتركة التقليدية، وفى الحال لم تكن السوق المشتركة تواجه تعقيدات ربما كان سيفضل الشركات الحصول على حل تمويلى هجين.
وقد يصبح التعايش بين الأسواق العامة والخاصة واضحًا بشكل خاص فى العمليات الخاصة بهيكلة رأس المال، وتعد الأسواق المشتركة بمثابة مصدر أساسى للديون المبتدئة -السندات أو الديون التى تكون أولوية سدادها أقل عند تعثر الشركة، وتوفر السوق المشتركة خيارات للشركات أو رعاة الصفقات لتجنب إصدار حقوق الملكية أو لخلق المزيد من المرونة في هيكل صفقاتهم أو لحماية الأرصدة النقدية.
بدون أن تكون الأسواق المشتركة مفتوحة بالكامل، قد تتجنب هذه الأطراف الديون الصغيرة كما تفعل حاليًا، كما أن تنويع رأس المال مفيد للسوق.
وكان مديرو الائتمان الخاص يجمعون مليارات الدولارات من تعهدات المستثمرين للاستثمار في الصناديق، للإقراض المباشر وصناديق الديون ذات الأولوية الأقل على مستوى العالم.
تم جمع أكثر من 30 مليار دولار في عام 2022 من أجل الديون غير ذات الأولوية فى السداد، وهو أكبر مبلغ تم جمعه في عام واحد منذ عام 2016.
ورغم الزيادة الكبيرة فى رأس المال الموجه للائتمان الخاص خلال السنوات الماضية، كان ذلك متركز عبر مجموعة من المقرضين مقارنة بالسوق المشتركة.
وتجني هذه المجموعة الآن فوائد بيئة الاقتراض الأكثر ملاءمة للمقرضين التى شهدناها منذ أكثر من عقد، وفى ظل ارتفاع أسعار الفائدة، كانت هناك زيادة كبيرة في تكلفة رأس المال لسوق التمويل بالرافعة المالية التي ستختبر القدرة على التحمل الاقتصادى للعديد من الشركات.
وسيستغرق الأمر وقتًا طويلاً لإعادة فتح الأسواق العامة بالكامل، وسوف يتطلب الأمر ثقة متجددة في القدرة على تنفيذ التمويل، إلى جانب وجود مجال رؤية لنهاية رفع الأسعار وارتفاع تكلفة رأس المال.
لكن ما يجب أن ندركه هو أن الائتمان الخاص والأسواق المشتركة ليسا منافسين لبعضهم البعض بكل يكمل كل منهم الآخر، وهناك حاجة إلى مجموعة متنوعة من حلول التمويل لمعالجة حجم المصدرين، والقطاعات، والوضع المالى.
ببساطة، لمجرد أنه كان هناك إغلاق مؤقت فى الممر الخاص بالأسواق المشتركة خلال العام ونصف العام الماضى بسبب تقلبات السوق لا يعني أن هذا أصبح طريقًا باتجاه واحد.
فالائتمان الخاص والأسواق المشتركة يعملان معًا على إثراء النظام المالى، والتعامل مع مجموعة واسعة من المعطياتـ وتوفير نقاط وصول مهمة إلى الائتمان للشركات لمواصلة العمل والنمو، فهذه ليست لعبة محصلتها صفر.
المصدر: فاينانشيال تايمز
كاتب المقال: كريس شيلدون الرئيس المشارك لقطاع الاقراض العالمى فى كيه كيه آر








