بالتجول في منشأة ويست هاكبيري البترولية على ساحل الخليج الأمريكي، فلن ترصد سوى بعض خطوط الأنابيب والمعدات الصناعية الأخرى.
لكن كهوف التخزين الضخمة تقع تحت السطح.
من المفترض أن تحتوي تلك المواقع على إمدادات احتياطية كافية لضمان عدم نفاد البترول في الولايات المتحدة .. لكن نصفها بات فارغًا الآن.
استغرق الأمر 6 أشهر فقط لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لبيع 180 مليون برميل من احتياطي البترول الاستراتيجي، وهو أسرع سحب على الإطلاق، لكن إعادة تعبئتها إلى سعتها ستستغرق على الأرجح عقودًا زمنية، إذا حدث ذلك على الإطلاق.
يقول الخبراء إن نقص التمويل والبنية التحتية المتقادمة سيصيبان العملية، حتى مع تعهد وزارة الطاقة بمواصلة الشراء.
في غضون ذلك، مع بلوغ الاحتياطي أدنى مستوياته منذ 40 عامًا، يمكن أن تكون الولايات المتحدة عرضة لصدمات أسعار البترول، وهذا يعني أيضًا أنه خلال أزمة الإمدادات المحلية، ستُترك الدولة تحت رحمة المصدرين العالميين أمثال السعودية وروسيا وبقية منظمة الدول المصدرة للبترول وحلفائها “تحالف أوبك بلس”.
كما أن القضية خلقت أيضًا عاصفة سياسية أخرى، حيث انتقد الجمهوريون إدارة بايدن بسبب انسحابها القياسي، حسبما نقلت وكالة أنباء “بلومبرج”.
كانت المبيعات السنوية المفوضة التي بدأت في 2017 توضح أن الاحتياطيات تشهد بالفعل انخفاضًا طفيفًا لكنه ثابتًا، ثم جاءت الحرب الروسية الأوكرانية في أوائل 2022، ومعها ارتفاع أسعار البترول العالمية الذي أدى إلى تضخم الوقود.
لمكافحة الارتفاع المفاجئ في الأسعار، شن بايدن حملة بيع غير مسبوقة، حيث طلب 180 مليون برميل من احتياطي البترول الاستراتيجي، أي نحو خمسة أضعاف أي عملية بيع سابقة، وسرعان ما بلغت أسعار البنزين ذروتها ثم انخفضت بأكثر من 20% العام الماضي.
يبلغ الاحتياطي الاستراتيجي للبترول حاليًا 346.8 مليون برميل، وهو أدنى مستوى منذ 1983، ويعادل حوالي 18 يومًا من الإمدادات، علماً بأن إجمالي سعة التخزين المصرح بها تبلغ 714 مليون برميل.
والآن بعد أن تراجعت تكاليف الطاقة، تأتي مهمة إعادة ملء الاحتياطي الاستراتيجي، وهي عملية ستكون معقدة ومكلفة.
أصبحت أسعار البترول الآن أعلى بكثير مما كانت عليه عندما تم شراء معظم المخزون في الأصل، فقد كان متوسط السعر المدفوع لاحتياطي البترول 29.70 دولار للبرميل، مقارنة بالتكلفة القياسية الحالية للعقود الآجلة للخام الأمريكي والبالغة نحو 75 دولار.
ثمة توازن بين الحاجة إلى الشراء وعدم الإفراط في الشراء مرة واحدة، خشية أن يصاب سوق البترول بالفزع وتقفز الأسعار نحو أعلى.
تعليقًا على الأمر، قال جون شاجيس، الذي أشرف سابقًا على مخزون البترول في وزارة الطاقة، في مقابلة، إنها “ستكون عملية بطيئة للغاية حتى لو توفر لديك المال وكانت المرافق كلها في حالة جيدة، فالأمر قد يستغرق عقودًا”.
حظر البترول
أُنشأ الاحتياطي الاستراتيجي للبترول لأول مرة في السبعينيات بعد حظر البترول العربي الذي آثار صدمة عالمية في إمدادات الطاقة ونقص في البنزين في الولايات المتحدة، فقد كان الأمريكيون يصطفون لساعات لملء خزاناتهم، حتى أن بعض المحطات أصبحت لا تعمل سوى عبر حجز موعد لذلك.
أصبحت الولايات المتحدة منذ ذلك الحين أكبر منتج للخام في العالم بفضل حقول البترول الصخري الغزيرة في حوض بيرميان، لكنها ما تزال أيضًا مستوردًا له، وهذا يعني أن الاحتياطي الاستراتيجي لا يزال يؤدي وظيفة مهمة، مثل توفير تأمين نوعًا ما ضد الكوارث والاضطرابات الجيوسياسية التي قد تُعطل تدفق الشحنات.
في 2005، على سبيل المثال، عندما تسبب إعصار كاترينا في توقف الإنتاج في الخليج، ساعدت مبيعات الاحتياطي الاستراتيجي للبترول في تعزيز الإمدادات المحلية.
كذلك، جددت وزيرة الطاقة جينيفر جرانهولم مؤخرا تعهدها بإعادة ملء الخزانات، لكن القسم أقر أيضًا بأنه إعادة الملء بشكل كلي لن تتم على الأرجح في أي وقت قريب.
معركة سياسية
رفض الجمهوريون من مجلسي الكونجرس تصريحات إدارة بايدن بشأن البترول باعتبارها حيلة لخفض أسعار البنزين قبل انتخابات التجديد النصفي العام الماضي في نوفمبر، واتهموا الإدارة بعدم وجود خطة ذات مصداقية لإعادة ملء الاحتياطي الاستراتيجي للبترول.
كتب أعضاء جمهوريون في مجلسي النواب والشيوخ في خطاب في مايو إلى مكتب المساءلة الحكومية، يطلب من هيئة الرقابة الفيدرالية إجراء مراجعة للاحتياطي.
ميزانية محدودة
حتى الآن، من المتوقع أن تكون وتيرة إعادة ملء خزانات الاحتياطي الاستراتيجي ضئيلة للغاية.
وقالت وزارة الطاقة في وقت سابق في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى “بلومبرج” إنها تخطط لاستبدال البراميل المباعة خلال العام الماضي على الأقل، وتحسب إلغاء المبيعات المفوضة مسبقًا نحو هدفها المتمثل في تجديد الاحتياطيات، وهذا يترك ما لا يقل عن 40 مليون برميل للشراء، والتزمت الوزارة بالفعل بشراء 12 مليون برميل لتسليمها في وقت لاحق من العام الجاري.
لكن إعادة احتياطي البترول الاستراتيجي إلى ذروته المسجلة في 2009 قد يعني شراء أكثر من 300 مليون برميل.
وجرد الكونجرس الأمريكي وزارة الطاقة من نحو 12.5 مليار دولار كانت مخصصة لمشتريات البترول الاحتياطية خلال العام الماضي عندما ألغى مبيعات بقيمة 140 مليون برميل كانت مقررة في السابق.
وقال كيفن بوك، المدير الإداري لشركة الاستشارات “كليرفيو إنرجي بارتنرز”، ومقرها واشنطن، إن وزارة الطاقة لديها الآن ما يقرب من 4.3 مليار دولار لشراء البترول، وهو ما يكفي لنحو 61 مليون برميل بسعر حوالي 70 دولار للبرميل.
وأضاف بوك، أنه مع تركيز الكونجرس المفرط على خفض العجز والميزانية، فلن يتم توفير المزيد من التمويل على الأرجح في أي وقت قريب.
قال بنجامين ساليسبري، مدير الأبحاث في شركة “هايت كابيتال ماركتس”، إنه بينما كان هناك الكثير من النقاش حول إعادة ملء الاحتياطي، إلا أن الإجماع ضئيل على المستوى الصحيح لملئه، وهذا يعني أن الاحتياطي الاستراتيجي ربما لا يصل أبدًا إلى مستوى ما قبل الحرب.
وأضاف ساليسبري: “هل نريد حقًا إنفاق 7 مليارات دولار أو 8 مليارات دولار لإعادة ملء الاحتياطي الاستراتيجي للبترول إذا كنا لا نزال قادرين تمامًا على إنتاج بترولنا؟”.