بعد قمة “بريكس” التى عقدت الأسبوع الماضي في جنوب أفريقيا، ظل ثمة سؤال حائر: “ما الذى يسعى الغرب لتقديمه إلى عالم جديد متعدد الأقطاب؟ ” ولا يوجد مكان أفضل لطرح هذا السؤال من أفريقيا.
ويوسع انقلاب النيجر، الخسائر الفادحة للاستراتيجية الغربية فى الساحل الأفريقى، فكارثة التدخل العسكري الغربي، وخصوصا من جانب الفرنسيين، أمر محرج.
لكن موجة الانقلابات تمثل أيضاً فشلاً للجهود التي تبذلها أوروبا لربط التنمية الاقتصادية والأمن في البرنامج المعروف باسم تحالف الساحل.
وروجت فرنسا وألمانيا بشكل مشترك لهذه المجموعة متعددة الجنسيات، التى تعمل على تنسيق مشاريع المساعدات والتنمية في جميع أنحاء المنطقة،وتم إطلاقها في يوليو 2017.
وبحلول عام 2023، ضم أكثر من 1100 مشروع بالتزام تمويلي تراكمي قدره 22.97 مليار يورو، بالنسبة للنيجر، إذ تصل التزامات المشاريع في إطار تحالف الساحل إلى أكثر من 5.8 مليار يورو.
وهذا ليس سوى جزء من المساعدة المالية التي كانت النيجر تتلقاها في السنوات التي سبقت الانقلاب.
ووفقًا لبيانات منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، وصل إجمالى المساعدة الإنمائية الرسمية للنيجر عام 2021 إلى 1.78 مليار دولار.
تبدو هذه الأرقام مثيرة للإعجاب، إلى أن يتم وضعها في مقارنة بحجم احتياجات التنمية فى منطقة الساحل. فمنطقة الساحل الغربى تضم 100 مليون من أفقر الناس على وجه الأرض.
ويمتلك سكان النيجر البالغ عددهم 25 مليون نسمة، ثالث أدنى مؤشر للتنمية البشرية فى العالم وأعلى معدل مواليد. تعتبر المدينة المعقل الغربى للمنطقة منذ فترة طويلة، ولا يستطيع ما يقرب من ثلثى السكان القراءة.
وتحتاج النيجر بشدة إلى الاستثمار في التعليم والرى والخدمات الصحية الأساسية.
ولتلبية هذه الأولويات، وصلت المساعدات الخارجية على أساس نصيب الفرد عام 2021 إلى 71 دولارًا فقط، لكل ساكن في النيجر، أو 1.37 دولار فى الأسبوع.
ومن هذا المجموع البائس، تم إنفاق ما يقرب من 7 سنتات على التعليم، و15 سنتًا على الصحة، و30 سنتًا على الإنتاج والبنية التحتية. وتم تخصيص ستة وعشرين سنتا لأساسيات البقاء على قيد الحياة.
وبطبيعة الحال، المال ليس كل شيء، فالأمر يتطلب تطوير حلول قابلة للتطبيق، لكن لا يمكن لأي من الجهود أن تنجح دون تمويل.
وفيما يتصل باحتياجات النيجر وجيرانها، فإن المساعدات الغربية كانت غير كافية إلى الحد الذي يجعلنا نتساءل ما إذا كانت الجهود الرامية إلى الجمع بين التنمية والأمن جدية على الإطلاق؟.
ووفقا لأحدث تقدير صادر عن منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، بلغت الفجوة بين الإنفاق اللازم لتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة بحلول عام 2030 والتمويل المتاح من المساعدات والأسواق المالية 272 مليار دولار سنويا لأفريقيا ككل.
وتشير تقديرات حديثة للإنفاق اللازم لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لجميع الاقتصادات المنخفضة الدخل واقتصادات الأسواق الناشئة ، إلى أن الرقم الإضافي بحلول عام 2025 يبلغ 1.3 تريليون دولار سنويا. هذه مبالغ كبيرة. ولكن عندما يتعلق الأمر بالناتج المحلى الإجمالى العالمى الذي يبلغ نحو 100 تريليون دولار، فمن الممكن تلبيتها. والسؤال هو كيفية تعبئة التمويل.
لأكثر من عقد من الزمان، قدمت الصين قروضا مصرفية وائتمانات تجارية والتزامات ديون بقيمة تريليوني دولار لمجموعة من البلدان النامية.
ويملك المستثمرون الصينيون أكثر من 5 مليارات دولار فى النيجر فى مشاريع النفط واليورانيوم.
لكن التدفق الصافى من بكين وصل الآن إلى حد كبير لنهايته، ويُعَد برنامج بوابة الاتحاد الأوروبى، الذي يهدف إلى الرد على مبادرة الحزام والطريق الصينية، ابتكارًا بالنسبة لبروكسل، إذ يهدف إلى تعبئة 150 مليار يورو.
وهذا أكثر بكثير مما فعله الاتحاد الأوروبي من قبل، ولو كان موجودًا من قبل لكان قد قطع شوطا طويلًا فى تلبية احتياجات منطقة الساحل. ولكن في هذه المرحلة، فإنه قليل جدًا ومتأخر جدًا.
تشير الأخبار الواردة من واشنطن الأسبوع الماضي، إلى أن إدارة بايدن ستدعم بكل ثقلها إصلاح البنك والصندوق الدوليين فى اجتماع مجموعة العشرين الذي تستضيفه الهند فى سبتمبر.
وفى مؤتمر صحفي، قدم مستشار الأمن القومي جيك سوليفان هذه الخطوات باعتبارها بديلًا غير قسري وغير مبهم لمبادرة الحزام والطريق.
لكن الحجم مهم، وأقصى ما استطاع سوليفان تقديمه من دعم الولايات المتحدة لإقراض البلدان النامية كان نحو 50 مليار دولار. وحتى على افتراض أن “حلفاء وشركاء” أميركا سيحذون حذو الولايات المتحدة، فإن سوليفان لا يستطيع أن يعد بأكثر من 200 مليار دولار – وهو جزء صغير من المبلغ المطلوب.
في عام 2015، صاغ البنك الدولى شعار “من المليارات إلى التريليونات” باعتباره “اختصارا” لـ”إدراك ” أن تحقيق أهداف التنمية المستدامة الطموحة للأمم المتحدة سيتطلب “تغييرا عالميًا فى العقليات والأساليب والمسؤوليات”.
وبعد 8 سنوات، لم يقترب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من تحقيق هذا الطموح، وليس من المستغرب أن تكون مصداقية الغرب فى العديد من أفقر مناطق العالم في حالة انحسار .
المصدر: فاينانشيال تايمز
كاتب المقال: آدم توز مؤرخ بريطانى وأستاذ فى جامعة كلومبيا ومدير سابق للمعهد الأوروبي








