
في ظل مشكلات الاقتصاد الصيني الحالية، ترى أمريكا ودول مجموعة السبع الأخرى أدلة متزايدة على وجود مشاكل هيكلية عميقة الجذور، ستعزز في النهاية قوة الغرب في مواجهة منافس جيوسياسي ضعيف.
يعتقد المسئولون في واشنطن وروما وطوكيو وعواصم أخرى، أن السرد الاقتصادي السائد الذي يوجه تدفقات رأس المال حول العالم لعقود طويلة يتغير بسرعة.
إذا بدت الصين ذات يوم وكأنها في طريقها لتجاوز الولايات المتحدة المتراجعة باعتبارها قوة اقتصادية رائدة في العالم، فإن الأمر لم يعد كذلك، خاصة أن الحسابات في واشنطن وخارجها تتعلق بشكل متزايد حول كيفية التعامل مع الصين التي قد تكون على وشك الوصول إلى ذروة قوتها، حتى وإن لم تبلغ مرحلة التراجع المطلق بعد.
كشف الرئيس الأمريكي جو بايدن عن هذا الاعتقاد المتزايد في إحدى فعاليات الحملة الانتخابية في بداية الصيف الحالي عندما وصف اقتصاد الصين بأنه “قنبلة موقوتة” بسبب التحديات طويلة الأجل من الديون إلى التركيبة السكانية.
كما قالت وزيرة التجارة الأمريكية جينا رايموندو مؤخرًا، إن الشركات الأمريكية أبلغتها أن الاستثمار في الصين أصبح غير جذاب.
يقول ريتشارد فونتين، الرئيس التنفيذي لمركز الأمن الأمريكي الجديد بواشنطن: “يبدو أن الحكمة التقليدية تتحول من القلق بشأن صعود لا يمكن التصدي له لقوة الصين إلى قلق بشأن تدهور لا رجعة فيه لاقتصاد الصين وسكانها”.
إنها وجهة نظر كانت تنمو بهدوء داخل إدارة بايدن، فقد وصفت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، في مقابلة أجرتها معه وكالة أنباء “بلومبرج” في يونيو، أن الانخفاض السكاني الحالي في الصين بأنه “يشكل تحديا للنمو والاستثمار”.
وأشارت يلين إلى مشاكل أخرى مثل ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب وانهيار قطاع العقارات الذي كان يشكل نحو ربع إجمالي الطلب.
يعتقد المسئولون الأمريكيون أن الصين ارتكبت خطأً بتجاهل عقود من النصائح لفتح اقتصادها بشكل أكبر، وبينما يجادلون بأنه من السابق لأوانه القول بأن الصين بلغت ذروتها، فإنهم يرون أن القضايا طويلة المدى بمثابة عائق للنمو.
ومرددا لحجة رايموندو، قال نائب وزير الخزانة والي أدييمو مؤخرًا لـ”بلومبرج”، إن “الصينيين يخلقون بيئة أقل ملاءمة للاستثمار الأجنبي المباشر والشركات الأجنبية”.
ويفكر المسئولون في مختلف دول مجموعة السبع أيضاً في كيفية تأثير مشاكل الاقتصاد البالغ حجمه 18 تريليون دولار على أسواقها، كما يشعر البعض بالقلق إزاء الضربة التي قد تلحق بالتوقعات الهشة بالفعل إذا تعثر المحرك الرئيسي للنمو في العالم بشكل أكبر.
وفي لندن، يرى البعض الجانب المشرق من الدافع الانكماشي الذي سيساعد جهودهم لترويض الأسعار.
ويشير مسئولو مجموعة السبع إلى أن مدى استمرارية التباطؤ في الصين ليس واضحًا، خاصة أنها تمتلك موارد مالية لأزمة لتحفيز اقتصادها وتجنب الانهيار الاقتصادي.
وتبذل بكين جهودًا شبه يومية لدعم قطاع العقارات، فقد أعلنت مؤخرًا خططًا لتعزيز عملتها وتوسيع الإعفاءات الضريبية لمقدمي الرعاية، لكن الرئيس شي جين بينغ ومسئوليه الاقتصاديين امتنعوا حتى الآن عن التحفيز الشامل سعيًا لفطم البلاد عن إدمان الديون غير المستدامة.
لا شك أن الضغوط المالية التي تنطوي عليها أي جهود واسعة النطاق لتعزيز قطاع العقارات وتحفيز النمو من شأنها أن تزيد صعوبة موازنة الصين للأولويات الأخرى.
يقول جيرارد ديبيبو، كبير محللي الاقتصاد الجغرافي لدى “بلومبرج إيكونوميكس”، إن المشاكل لن تمنع الصين من دفع تكاليف سياساتها الصناعية، “لكن من المحتمل أن تجعل تلك السياسات أقل فعالية”.
هناك أيضاً شكوك متزايدة حول ما كان يُعتبر في السابق مؤكدًا، ألا وهو تفوق اقتصاد الصين ذات يوم على اقتصاد الولايات المتحدة ليصبح أكبر اقتصاد في العالم.
يظهر تحليل “بلومبرج إيكونوميكس” أن الاقتصاد الأمريكي تمكن مؤخرًا من تعزيز الفجوة بينه وبين نظيره الصيني، وذلك بدعم من قوة الدولار الأمريكي، وهذا اتجاه يبدو أنه سيستمر على الأرجح.
ومع ذلك، يصر المسئولون الأمريكيون والأوروبيون واليابانيون على أنه لا يوجد سبب للشعور بالانتصار في وقت يواجهون تحدياتهم الخاصة ويشعرون بالقلق إزاء تأثير ضعف الطلب الصيني على الاقتصاد العالمي وشركاتهم الخاصة.
ثمة دلائل تشير إلى أن التحول في المعنويات بدأ أيضاً في التأثير على السياسة الغربية، حتى لو أصر المسئولون على أنهم لا يرون بعد حاجة إلى تغيير المسار.
وعندما كشفت إدارة بايدن عن قيود طال انتظارها على الاستثمار الخارجي في أغسطس، تبين أنها ضعيفة نسبيًا ومركزة بشكل ضيق، وهذا نتج جزئيًا عن الضغوط التي مارسها المستثمرون الأمريكيون.
ويصر المسئولون في واشنطن والعواصم الأوروبية على أن تباطؤ الصين هو دليل على صحة جهودهم في مرحلة ما بعد الوباء لتقليل الاعتماد على قوة التصدير وإعادة النظر في سياساتهم التجارية والاستثمارية والصناعية.
ورغم أن الولايات المتحدة قادت حملة “إزالة المخاطر”، إلا أنها وجدت قضية مشتركة في مجموعة السبع.
كما يقول المسئولون إن الصين ما تزال تشكل تحديًا هائلاً في العديد من القطاعات الاستراتيجية، وستظل كذلك على الأرجح لأعوام عديدة قادمة، وهذا يعني أنهم سيواصلون المضي قدمًا لدعم سلاسل التوريد البديلة بسياساتهم الصناعية المعززة.
ويرى مفكرون آخرون داخل وخارج الحكومة في واشنطن أن تباطؤ الصين جاء نتيجة إحجام بكين عن إجراء إصلاحات كبيرة وتقليل أهمية قطاع الدولة.
في الواقع، تواصل الصين تعميق الروابط مع اقتصادات الجنوب العالمي، حيث تضم قائمة الدول المهتمة بالانضمام إلى مجموعة بريكس وتمثل أحدث مثال على نفوذها المتضخم بين الأسواق الناشئة.
ومع ذلك، فإن ترويج الصين لنموذجها الاستبدادي كان مبنيًا منذ فترة طويلة على صعودها ونموها الاقتصادي، ويبدو هذا النموذج وكأن جاذبيته تتضاءل الآن.
يدل تباطؤ الصين على انخفاض الطلب على السلع الأساسية والواردات الأخرى، وهذا قد يؤدي لتراجع الاستثمارات الصينية المدفوعة بالعوامل الجيوسياسية ونفوذها في أماكن مثل أفريقيا، كما أنه يعني أيضاً تراجع نفوذ الصين كشريك اقتصادي في العالم الغني.
ويرى بعض المسئولين الأمريكيين أن التباطؤ الاقتصادي يساعد جهودهم لإقناع الحلفاء الأوروبيين والحلفاء المتشككين الأخرين أحيانًا بالابتعاد عن الصين، وهناك أدلة كثيرة تدعم هذا الرأي.