
التدخلات السياسية لم يكن لها تأثير إيجابي حتى الآن
بلغ ركود اقتصاد الصين مرحلة جديدة من نوعها، مع صدور بيانات يوليو الاقتصادية الشهر الماضي، والتي أظهرت تراجع أسعار المستهلك بنسبة 0.3% عن العام السابق، ما أثار المخاوف من بدء ترسيخ ضعف الطلب للتوقعات الانكماشية.
لم يكن من المفترض أن يسير الأمر على هذا النحو، لكن تعافي الصين الذي طال انتظاره في مرحلة ما بعد كوفيد بدأ يتعثر. وفقد المستثمرون الأجانب ثقتهم بعد استيعاب عدد كبير من تقارير الوساطة المالية المتفائلة التي وعدت بتحسن أرباح الشركات التي تلبي الطلب الصيني على جميع أنواع السلع والخدمات.
ولا شك أنه من الصعب لومهم، خصوصا أن السياسات التي تبنتها بكين لن تؤدي إلا لتفاقم المشاكل الاقتصادية في البلاد بدلاً من تحفيز الانتعاش الاقتصادي، حسبما نقلته مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية.
تعاني الصين من نقص طلب الأسر التي صُدمت من تفشي الوباء وسوق العقارات المضطرب.
يذكر أن قطاع العقارات يمثل 30% من الناتج المحلي الإجمالي و70% من ثروة أولئك المحظوظين الذين يمتلكون منازلهم الخاصة.
ومع ذلك، فإن جميع الحلول التي طرحتها بكين تركز على جانب العرض في الاقتصاد بدلاً من دعم الطلب.
تقوض الطلب بسبب تزايد معدلات البطالة، خاصة بين الشباب، وتخفيضات الأجور على كافة المستويات، من عمال المصانع إلى كبار المصرفيين، كما أن الضغوط الانكماشية تجعل سداد إجمالي الدين الحكومي، الذي بلغ 297% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2022، أكثر عبئًا.
ومع ذلك، هذه الضغوط لن تتراجع على الأرجح في أي وقت قريب، لأن استجابة الحكومة للمشكلة كانت غير كافية وغير مدروسة.
وأشار اقتصاديو بنك “جيه بي مورجان” في تقرير حديث، إلى أن “دعم السياسات الصينية تركز في دعم الشركات الحكومية ومشاريع البنية التحتية والقطاعات الخضراء وقطاعات التكنولوجيا الفائقة، وتعد الصين اقتصادا ناشزا دون تحويلات ذات معنى إلى قطاع الأسر”.
وأضافوا: “ما لم يتغير مزيج السياسات الصينية لدعم الطلب بدلاً من العرض والإنتاج، فإن إجراءات التحفيز المستمرة قد تُكثف في النهاية الضغوط الانكماشية وليس تخفيفها على المدى القريب”.
وحتى الآن، كان تركيز بكين يكاد يكون كاملاً على الاستجابة للسياسة النقدية، وقد قدم بنك الشعب الصيني سلسلة من التدابير لخفض تكاليف الاقتراض فيما لعبت السياسة المالية دوراً داعماً بسيطاً في أحسن الأحوال.
مع ذلك، فإن مشكلة الاقتصاد الصيني لا تكمن في الافتقار إلى التمويل، بل في الافتقار إلى الطلب على التمويل.
بلغت القروض المصرفية للاقتصاد الحقيقي في يوليو أدنى مستوياتها منذ 17 عامًا، ما يعكس ضعف الطلب من كل من الأسر والشركات، وفقًا لبنك “مورجان ستانلي”.
ما تزال مبيعات التجزئة الشهرية ضعيفة، وحتى القطاعات التي كانت صامدة تتعثر الآن.
وانخفضت مبيعات السيارات ليوليو من حيث القيمة والحجم، ويُتوقع استمرار الانخفاض، الأمر الذي سيدفع شركات صناعة السيارات إلى الاعتماد بشكل أكبر على الطلب الدولي بدلاً من المستهلكين المحليين، حسب اقتصاديي بنك أوف أمريكا.
ويبدو الحل لضعف الطلب واضحًا إلى حد ما، فحتى قبل كوفيد، كان عديد من المحللين يدعون بكين إلى تشجيع الأسر التي تتجنب المخاطرة على الإنفاق من خلال إصدار قسائم وكوبونات، وتستطيع الحكومة ضمان إنفاق الأموال فعليًا بدلاً من إدخارها من خلال جعل هذه العروض صالحة لفترة زمنية محدودة.
وهذا الأمر يمكن تنفيذه من خلال إيداعات خاصة من اليوان الرقمي في المحافظ الافتراضية.
ومع ذلك، يبدو أن بكين تفضل مساعدة شعبها بشكل غير مباشر فقط، من خلال مؤسسات موثوقة مملوكة للدولة ومشاريع البنية التحتية التي لا تخلف تأثيرًا مضاعفًا يذكر على العامة.
يمكن أن تكون العلل العديدة التي تعاني منها الصين، إلى حد ما، هي نفس نقاط الضعف التي واجهتها اليابان في أعقاب انفجار فقاعة الأصول الضخمة أواخر الثمانينيات، وفي الواقع، كانت تقييمات العقارات آنذاك أكثر تطرفًا.
تفاقم الأمر برمته مع ارتفاع أسعار الفائدة، مما جعل اليابان تواجه عبء ديون هائل، وشيخوخة السكان الذين كانوا أكثر ميلاً إلى الادخار من الإنفاق، وعالم لم يكن ليسمح للبلاد بالتصدير للخروج من مشاكلها.
تبنت طوكيو أسعار الفائدة الصفرية لأكثر من 10 أعوام، لكن هذا لم يكن له تأثير يذكر على الطلب أو الانكماش، كما شرعت في الإنفاق الضخم على البنية التحتية، وهو ما افتقر إلى تأثيرات مضاعفة ذات معنى.
وانتهى الأمر باليابان مع نحو ثلاثة عقود ضائعة، ونتج هذا الركود عن جراح ألحقناها بنفسنا، فضلاً عن التردد في إجراء إصلاحات هيكلية جوهرية.
ومن ناحية أخرى، بعد الأزمة المالية العالمية، ساعد الإنفاق التحفيزي في الصين البلاد وقسم كبير من بقية العالم على التعافي.
لقد أصبحت الأمور أكثر تعقيدًا الآن بفضل الانفصال والحمائية ونمط النمو العالمي الأقل تزامنًا، لكن من المؤسف أن الركود المحتمل في الصين يشكل أهمية أكبر كثيراً بالنسبة لبقية العالم من الركود الذي واجهته اليابان في أي وقت مضى.