اقتصادات المنطقة يتعين عليها السعي للتوافق مع قطاعات الصين الناشئة
كان ثمة تحول ملحوظ في الخطاب نحو استقلالية سلسلة التوريد وأمنها، عقب الصراع التجاري بين أمريكا والصين وتفشي كوفيد.
شكل الحث القوي لإعادة تصنيع الصين إلى المواقع المحلية أو نقله إلى دول الجوار المتحالفة سياسيًا باعتباره “دعماً للأصدقاء”، تحدياً لمكانة الصين كأكبر مُصدر عالمي رائد.
سجلت الصين تباطؤًا في التجارة العالمية بعد 2015، وتراجعت حصتها في الصادرات العالمية خلال الأعوام الثلاثة التالية وسط تباطؤ التجارة العامة.
لكن حصة الصادرات الصينية ارتفعت بشكل كبير في 2020 عندما صمدت سلاسل توريدها المرنة خلال كوفيد مقارنة بدول أخرى، حسب مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية.
واستأنفت الصين اتجاهها الهابط العام الماضي، لكن تراجع حصتها السوقية العالمية يركز بشكل أساسي على القطاعات كثيفة العمالة التي تمثل نحو 26% من إجمالي صادرات البلاد.
تقود الصين الاتجاه الهابط، إذ انخفضت حصتها العالمية في قطاع النسيج والأحذية من 39.3% في 2015 إلى 29% بحلول 2022. واستحوذت دول الاتحاد الأوروبي ورابطة جنوب شرق آسيا “الآسيان” على حصة سوقية من الصين في هذه القطاعات.
ويبدو أن فيتنام هي الدولة الأكثر استفادة من إعادة ترتيب أسواق الصادرات العالمية، خاصة فيما يتعلق بحجم صادراتها الصغير نسبيًا وحجمها الاقتصادي.
على عكس النسيج والأحذية، ما تزال معظم الصناعات الصينية تكتسب تدريجيًا حصة في السوق العالمية، خصوصا في القطاعات التي تتطلب مهارات عالية وتعتمد على التكنولوجيا.
في هذه القطاعات الصاعدة، التي تشمل الآلات والمنتجات الكهربائية، ارتفعت حصة الصين إلى 28.5% بحلول العام الماضي، من 17.9% في 2015.
وفي المقابل، تتراجع الحصة السوقية للعديد من دول الاتحاد الأوروبي والآسيان في هذه القطاعات، لكن فيتنام تمثل استثناءً بارزًا، حيث تحقق مكاسب متواضعة بجانب الصين.
وبالرغم من خسارتها لحصتها السوقية، فقد واصلت صادرات الاتحاد الأوروبي والآسيان في هذه المناطق النمو بشكل كبير، بفضل التوسع الإجمالي في السوق العالمية لمثل هذه السلع.
كذلك، يعكس فقدان الصين لحصتها السوقية العالمية في القطاعات كثيفة العمالة، التطور الاقتصادي الطبيعي، خصوصا أن التحول إلى قطاعات ذات قيمة مضافة أعلى وكثيفة التكنولوجيا يتماشى أكثر مع استراتيجية التنمية الاقتصادية واتجاه السياسات في البلاد، كما يظهر في السياسات التي تعزز التحسينات والتحويلات الصناعية.
وهكذا جمعت الصين رأس المال والعمالة الماهرة والتكنولوجيا لتمكينها من التحول إلى صناعات متقدمة، وهذا التحول لن يخلف تأثيرًا إيجابيًا على نمو الاقتصاد المحلي في البلاد فحسب، بل سيؤثر أيضًا على الدول الإقليمية الأخرى.
كانت فيتنام حتى الآن المستفيد الرئيسي ضمن أعضاء الآسيان، فإضافة إلى استحواذها على جزء كبير من حصة السوق التي فقدتها قطاعات التصدير الصينية المتراجعة، فقد توافقت أيضًا مع القطاعات الناشئة في الصين.
بصرف النظر عن فيتنام، لم تتمكن الاقتصادات الأخرى في الآسيان من تعزيز حصتها السوقية في قطاعات الصين المتراجعة مقارنة بالاقتصادات الأوروبية، رغم المزايا الواضحة.
وهذه النتيجة تؤثر على التوقعات التي توضح أن الآسيان ستستفيد بشكل كبير من خسائر الصين في الصادرات والتي نتجت عن التوترات الجيوسياسية وإعادة تشكيل سلسلة التوريد.
ونظراً للعلاقات الاقتصادية العميقة التي تربط المنطقة مع الصين، فلابد أن تتمتع الآسيان بإمكانات كبيرة للاستفادة من هذه التحولات في مشهد التجارة العالمية.
في النهاية، ستحتاج اقتصادات الآسيان إلى إيجاد التوازن بين الاعتماد على التجارة التي تركز على الصين وتوسيع شبكاتها من الشركاء التجاريين، ويمكنها أيضًا تعزيز مرونة سلاسل توريدها عبر تنويع أسواق صادراتها ومصادر وارداتها.