كانت الخطوة المفاجئة التي اتخذتها الولايات المتحدة الشهر الماضي لرفع العقوبات عن فنزويلا، التي تمتلك أكبر احتياطيات بترولية مؤكدة في العالم، هو ما جذب مبرمي الصفقات إلى هناك.
في 18 أكتوبر، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية أنها ستخفف على الفور كافة القيود التي فرضتها على قطاعات البترول والبنوك والتعدين في فنزويلا لأعوام.
وجاء التخفيف اعترافًا بالاتفاق الذي أبرمه ممثلو نظام الرئيس نيكولاس مادورو في اليوم السابق، في بربادوس، مع المعارضة السياسية، وحدد الاتفاق بعض الشروط بشأن كيفية إجراء انتخابات حرة ونزيهة خلال العام المقبل.
إزالة معظم العقوبات دفعة واحدة يمثل نهاية الاستراتيجية السابقة للإدارة الأمريكية، والتي تضمنت تخفيفًا تدريجيًا للقيود، حسب ما أوضحته مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.
ومن هذا المنطلق، أوضح أحد الدبلوماسيين الغربيين في كاراكاس أن “الأولويات تغيرت بالنسبة لنا جميعاً”.
أثارت الصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط اهتمامًا متجددًا بإمكانات فنزويلا لتصبح موردًا مهمًا للطاقة العالمية مرة أخرى، كما وصل رقمًا قياسيًا قدره 50 ألف فنزويلي تقريبًا في سبتمبر إلى الحدود المكسيكية مع الولايات المتحدة، وهما عاملان دفعا حكومة الرئيس جو بايدن إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة.
نتيجة لذلك، فقد أصبح المواطنون والكيانات الأمريكية، وأي شخص آخر تقريبًا، باستثناء الحكومة الروسية ومواطنيها، حرين في التعامل مع شركة البترول الوطنية الفنزويلية “بتروليوس دي فنزويلا سا”.
رفعت بعض القيود المفروضة على التعامل مع البنك المركزي الفنزويلي، كما رفع الحظر المفروض على التداول الثانوي في السندات الحكومية الفنزويلية، مما أدى إلى ارتفاع أسعارها، ولم تعد شركة تعدين الذهب الحكومية “مينيرفين” مدرجة ضمن القائمة السوداء.
ومع ذلك، لا يزال الحظر مفروضًا على الأفراد، بمن فيهم مادورو وأكثر من 110 آخرين.
جدير بالذكر أيضاً أن نظام العقوبات، بالرغم من شراسته ظاهريًا، كان من السهل نسبيًا تجاوزه في الواقع.
فمنذ 2019، ساعد وسطاء من المكسيك إلى الشرق الأوسط في تجارة البترول الفنزويلي، وتتوجه عادة إلى مصافي مستقلة في الصين، عبر موزعين في ماليزيا، وستعمل السفن على تحميل البترول وإيقافه في البحر وإيقاف تشغيل أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بها، أو حتى تغيير أسمائها لتجنب اكتشافها، كما تم بيع البترول في السوق السوداء بخصم يصل إلى 50% من السعر العالمي.
مثل هذا الترتيب جعل النظام أقرب إلى الحكومات الأخرى المناهضة لأمريكا، خاصة إيران، التي بدأت في 2020 بتزويد فنزويلا بالبنزين وأرسلت فنييها لإصلاح المصافي المتداعية، ويعتقد أن هذا الدعم دُفع إلى حد كبير بالذهب المستخرج من مناجم غير قانونية.
بعد أن أصبحت شركة البترول الوطنية قادرة على العمل ضمن القانون، فإن النظام سيحقق مكاسب غير متوقعة، حسب ما قاله فرانسيسكو مونالدي، من جامعة رايس الواقعة في هيوستن بولاية تكساس.
إحدى أولى الصفقات التي تم التوصل إليها كانت مع شركة “بتروتشاينا”، ثاني أكبر شركة بترول حكومية في الصين، والتي يُعتقد أنها على وشك الموافقة على عقد لشراء 265 ألف برميل من البترول الفنزويلي يوميًا، أي حوالي ثلثي الكمية التي كانت شركة البترول الوطنية الفنزويلية تصدرها سابقًا إلى السوق السوداء، هذه البراميل ستُباع الآن بسعر السوق المفتوحة.
على الجانب الأمريكي، أدى الترخيص الذي أصدرته إدارة بايدن العام الماضي لعملاق البترول الأمريكي “شيفرون”، التي حافظت على موطئ قدم في فنزويلا، إلى إرسال 100 ألف برميل يوميًا إلى الولايات المتحدة، وقد يرتفع بنسبة 50% بحلول نهاية العام في ظل البيئة الجديدة الخالية من العقوبات.
مع ذلك، يؤكد المحللون أن إعادة تقديم البترول الفنزويلي إلى السوق العالمية لن يكون له تداعيات خطيرة سواء من حيث العرض أو السعر.
لا تزال إنتاجية شركة البترول الوطنية الفنزويلية منخفضة بشكل استثنائي، ولا يمكن تكثيفها على المدى القصير، خاصة وأن العقوبات لم تُرفع في البداية إلا لمدة ستة أشهر.
وتنتج شركة البترول الفنزويلية حاليًا ما يزيد قليلاً على خمس ما كانت تنتجه قبل تولي شافيز منصبه في 1999.
وبعد أعوام من نقص الاستثمار وسوء الإدارة، تراجعت الشركة كثيرًا عن ذروتها في الثمانينيات والتسعينيات، عندما كانت واحدة من أكثر شركات البترول إنتاجية في العالم.
وهذا لا يهم بالضرورة بالنسبة لمادورو، الذي أظهر خلال عقد في السلطة قدرته الخارقة على البقاء.
وما يسعى إليه الآن، قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في النصف الثاني من 2024، هو الحصول على أموال لتعزيز الدعم، ومن شأن الاقتصاد الخالي من العقوبات ومضاعفة قيمة صادراته الرئيسية، تحقيق هذه الغاية، وهذا هو السبب وراء قبول صفقة بربادوس.
منحت إدارة بايدن مادورو مهلة حتى 30 نوفمبر لبدء عملية إعادة تأهيل ماريا كورينا ماتشادو وجميع المرشحين الآخرين غير المؤهلين، مقابل رفع العقوبات.
ويبدو أن إعادة فرض العقوبات الأمريكية بشكل كامل في ديسمبر أمر غير مرجح، بل يُرجح أن يكون هناك بعض المراوغة بشأن مسألة عدم امتثال مادورو المتوقع، لكن يتعين على رجال الأعمال الذين يتدفقون على كاراكاس تذكر أنه، إلى جانب الفرصة السانحة، تظل هناك مخاطر كبيرة.