ترتبط صناعة التأمين بشكل وثيق بالاقتصاد وتعتبر من أكثر الصناعات تأثرا به، وفى الأزمات الاقتصادية ترتفع أهمية التأمين على الرغم من تحمله لخسائر فادحة خلالها، وهو ما ظهر بشكل كبير خلال الفترات الأخيرة.
وعلى مر السنوات يظل سعر التأمين دون غيره الذى لا يتأثر بأى متغيرات أو ظروف اقتصادية بصفة مستمرة وعلى الأخص الفترة الأخيرة، ولأسباب مختلفة ترتفع أسعار جميع السلع والمنتجات والخدمات دون استثناء وبنسب ملفتة للنظر.
ولسنا فى حاجة إلى الإشارة لمنتج معين، إلا أن أسعار منتجات التأمين دون غيرها فى انخفاض مستمر بسبب شدة المنافسة الضارة وغير المدروسة بين شركات التأمين فى السوق المصرى، والتى بسببها تنخفض الأسعار إلى مستوى لا يتناسب مع أى أسس فنية وتنحرف كثيرا عن الأسعار العادلة.
وإذا كانت شركات التأمين تعانى فى تجديد اتفاقيات إعادة التأمين سنة تلو الأخرى، فأعتقد أن استمرار السوق فى ممارساته السعرية نتيجة لهذه المنافسة سيتسبب فى أزمات كبيرة فى تجديد اتفاقيات إعادة التأمين خلال السنوات القليلة القادمة، فى ظل ظهور الكثير من المطالبات وفى ظل تدنى الأسعار حتى للأخطار الرديئة، علاوة على المطالبات الناتجة عن الظروف الاقتصادية والتى يشوبها الغش والتزوير.
ومن وجهة نظرى فإن الزيادة أو النمو فى أقساط التأمين ليس بالضرورة تصنيفه على أنه مؤشراً إيجابياً، ولو نظرنا إلى نمو الأقساط فإن مرجعه الأول فى الوقت الحالى هو الزيادات فى مبالغ التأمين، والتى يتواكب معها فى أحيان كثيرة انخفاض فى الأسعار يصل بها إلى مستوى غير عادل.
أما توقعات الأقساط فى عام 2024، فأرى أن بعض الفروع ستتأثر كثيرا بإعادة تقييم الممتلكات المؤمن عليها أو الزيادات التى أصابت الممتلكات الجديدة مع ضرورة الإشارة إلى أن نسبة استجابة العملاء لعملية إعادة التقييم مازالت قليلة، عدا المرتبط منها بوثائق شبه إجبارية “تسهيلات ائتمانية ـ مرتبطة بإجراءات أخرى بخلاف التأمين”، فتستحوذ على النسبة الأكبر فى عمليات زيادة مبالغ التأمين.
السيارات التكميلى
يقع على رأس فروع التأمين الأكثر تأثرا بعملية إعادة التقييم للسيارات المؤمن عليها أو أسعار السيارات الجديدة، ولكن يجب ألا نغفل أن الارتفاع الأكبر فى قيم السيارات الذى شهده العام الماضى وأثر كثيرا فى أقساط التأمين، هو أن السيارات التى تم التأمين عليها خلال النصف الثانى من عام 2023 كانت فى أغلبها بقيم قريبة أو فى حدود القيم السوقية، علاوة على قيام البعض ممن أمنوا على سياراتهم خلال النصف الأول من العام ذاته بزيادة مبالغ التأمين وخصوصا من تعرضوا لتطبيق شرط النسبية.
وأرى أن الزيادة خلال عام 2024 ستكون أقل بكثير، والزيادة المتوقعة للأقساط بسبب زيادة القيم التأمينية للسيارات لن تتجاوز 25%.
تأمينات الحريق
هناك زيادة متوقعة فى الأقساط سواء بسبب عملية إعادة التقييم المشار إليها أو نتيجة لتوجه بعض المنشآت للاقتراض ومن ثم الحاجة إلى وثائق تأمين.
وعلى الرغم أن الفرصة مواتية لزيادة الأقساط بنسبة كبيرة، إلا أنها ستكون فى حدود 10% فقط، لأن إعادة التقييم والزيادة فى القيم التأمينية للتأمينات الجديدة تتواكب معها.
وينطبق نفس الأمر على اثنين من أضلاع التأمينات الهندسية وهما آلات ومعدات المقاولين، والأجهزة والمعدات الإلكترونية.
تأمين جميع أخطار المقاولين
شهدت مصر خلال السنوات الأخيرة زيادة كبيرة جدا فى حجم المشروعات، ولولا التدنى الذى وصل إليه السوق فى تسعير هذه الوثائق لتضاعفت أقساطه بصورة ملفتة للنظر.
وأتوقع عدم وجود نمو ملحوظ فى أقساط أخطار المقاولين خلال عام 2024 لسببين، الأول الانتهاء من بعض المشروعات والإنشاءات الضخمة وغير المتكررة، وفى ظل الظروف الاقتصادية ليس من المتوقع البدء فى مثيلاتها على الأقل هذا العام.
والسبب الثانى هو الانزلاق الكبير والمستمر نحو أعماق بحر المنافسة وتأثيره الكبير فى انخفاض الأسعار.
ومن وجهة نظرى، أرى أنه انخفاض مخيف، وفى ظل ظاهرة واضحة فى تصاعد مستمر ألا وهى زيادة المطالبات الخاصة بهذه الأخطار فى الفترة الأخيرة بعدما كانت من أجود الأخطار نتائج وربحية.
ولك أن تتخيل أن تهافت وتنافس الشركات على وثائق جميع أخطار المقاولين على اختلاف أخطارها “إنشاءات مدنية – صرف صحى – كهرباء – أعمال كهروميكانيكية وغيرها”، أدى إلى ظهور أسعار تأمين فى السوق تقل عن الخمسة قروش.
تأمين النقل البحرى والجوى
شهد سوق التأمين خلال الفترات الأخيرة أمرين كان لهما أثرا إيجابيا على الأقساط، أولهما قرار هيئة الرقابة المالية بمنع إصدار وثائق بأثر رجعى، ثانيهما قرار الهيئة بحظر الملاحق المرتدة والذى قضى على ممارسات ضارة وغير سليمة.
كما لا يفوتنا أن نشير إلى قرار الهيئة بمنع إصدار وثائق تأمين بحرى وجوى بشروط الفقد “الهلاك الكلى”، ما أدى بصورة كبيرة إلى نمو أسعار وأقساط التأمين.
ونتيجة لما تقدم، وكذلك ارتفاع القيم التأمينية الخاصة بالرسائل سواء المستوردة وهى الأغلب أو المصدرة، فمن المتوقع أن تشهد أقساط البحرى خلال عام 2024 زيادة كبيرة قد تتخطى 40%.
وبنسبة كبيرة ترتبط تأمينات النقل البرى بنفس المؤثرات على التأمين البحرى والجوى.
تأمينات الحوادث والمسئوليات
تعد من الأخطار المستهدفة فى الفترة الأخيرة، ونتيجة للمنافسة أيضا فمن المتوقع ألا تشهد أقساطها خلال 2024 زيادة ملموسة.
التأمين الطبى
وفيما يتعلق بالتأمين الطبى فلولا تكالب الشركات عليه والمنافسة غير المدروسة لتضاعفت أقساطه فى ظل الزيادة الكبيرة لتكلفة الخدمات موضوع التأمين الطبى، ولكن الزيادة المتوقعة فى ظل ذلك خلال 2024 لن تتخطى 25%.
أخيرا، فروشتة علاج سوق التأمين المصرى فيما يتعلق بالأقساط والنتائج تنحصر تقريبا فى كيفية القضاء على المنافسة الضارة وضرورة تطبيق الأسعار والشروط العادلة، ولو أصاب العلاج ستشهد أقساط التأمين نموا كبيرا وستصل نسب النمو لجميع فروع التأمين إلى نسب غير معتادة.