فى كل مرة تشهد فيها سوق مالية ناشئة نمواً رائعًا، تتبع تحذيرات من إمكانية حدوث فقاعات أو مخاطر غير متوقعة بالضرورة، وهكذا هو الحال مع الائتمان الخاص، وهو مصدر بديل لتمويل الشركات.
أعرب صُناع السياسات فى الولايات المتحدة والجهات التنظيمية فى المملكة المتحدة، وحتى العديد من البنوك الكبيرة مؤخراً عن مخاوف بشأن إمكانية ظهور مخاطر نظامية نتيجة لتحول الدين من الميزانيات العمومية للدائنين إلى ميزانيات مديرى الأصول.
صحيح أن أصول الائتمان الخاص، التى ارتفعت خمسة أضعاف خلال العقد الماضى، نمت بوتيرة أسرع من التوقعات، فقد كان من المتوقع فى وقت ما أن تصل إلى 1.5 تريليون دولار بحلول 2025، لكنها تجاوزت هذا الرقم فى بداية العام الجارى، ويتوقع الآن أن تصل إلى 2.3 تريليون دولار بحلول 2027.
ومع ذلك، فإن الوضع فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ مختلف تمامًا، فقد أوضحت بيانات خدمات الأبحاث “بريكين” أنه بينما يجذب الائتمان الخاص الكثير من الانتباه هنا، إلا أن المنطقة تمثل فقط 6% من إجمالى أصول الائتمان الخاصة العالمية.
وهذا يتجاوز بكثير حصة المنطقة من إجمالى الأصول الخاضعة للإدارة والتى تبلغ 30%، حسب ما نقلته مجلة “نيكاى آسيان ريفيو” اليابانية.
ومن الواضح أن سوق الائتمان الخاص فى آسيا مهيأة للنمو، لكن الحديث عن الفقاعة لا يزال سابقاً لأوانه.
هناك فرصة جيدة هنا لمديرى الصناديق وأصحاب الأصول للتدخل لتعويض الفجوة الكبيرة فى التمويل، وكذلك للهيئات التنظيمية فى المنطقة لتيسير مثل هذه الجهود.
ومن جانبها، أعربت هيئة النقد فى سنغافورة عن تفاؤلها ونيتها دعم نمو الائتمان الخاص.
تعتبر سياسات الإقراض الأكثر صرامة من البنوك هى السبب الرئيسى وراء نمو الائتمان الخاص، فقد قمعت قواعد رأس المال الدولية للبنوك رغبتها فى تحمل المخاطر فى آسيا، كما فعلت فى أماكن أخرى.
كما أن ارتفاع أسعار الفائدة فى الأسواق الرئيسية منذ بداية 2022 صعب وصول المقترضين إلى تمويل الديون من خلال القروض البنكية أو السندات.
وتأثرت سوق السندات العالية العائد فى آسيا أيضاً بشكل كبير بمتاعب قطاع العقارات فى الصين.
كما تعانى الشركات الصغيرة والمتوسطة من نقص كبير فى الائتمان.
وفى ظل تركيز البنوك عادةً على العملاء من الشركات الأكبر حجمًا، ستجد أن تلك الشركات الصغيرة والمتوسطة فى منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ النامية لديهم احتياجات تمويل سنوية غير ملباة بقيمة 2.39 تريليون دولار، وفقاً للبنك الدولى.
وتشكل الشركات الصغيرة والمتوسطة حوالى 96% من جميع الشركات الآسيوية، وتوفر 2 من كل 3 وظائف فى القطاع الخاص فى القارة، وفقاً لبنك التنمية الآسيوى، كما أنها ضرورية لاقتصادات المنطقة وتحتاج إلى دعم مالى أفضل مما تحصل عليه حاليًا.
وتقدم اقتصادات منطقة آسيا والمحيط الهادئ أيضاً آفاقاً مغرية للمستثمرين العالميين فى مجال الائتمان، لأنها تمثل نحو ثلثى نمو الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى العالمى، ومن المتوقع أن تستمر فى التفوق على الولايات المتحدة وأوروبا.
ونتيجة ذلك، تتوقع شركة الأسهم الخاصة “كيه كيه أر” أن تتفوق عوائد الائتمان الخاص فى آسيا على المناطق الأخرى خلال الخمسة أعوام المقبلة.
ومع ذلك، لا تعد منطقة آسيا والمحيط الهادئ سوقاً متجانسة مثل الولايات المتحدة أو أوروبا.
وإذا كانت آسيا على وشك أن تصبح الجبهة التالية للائتمان الخاص، فيجب على مديرى الأصول الدوليين وأصحاب الأموال التغلب على التحديات الناجمة عن الأنظمة القانونية فى المنطقة.
وفى الوقت نفسه، سيحتاج المستثمرون الأمريكيون والأوروبيون إلى تبنى رؤية طويلة الأجل والاستثمار فى المواهب المحلية أو التعاون معها، حيث ستكون العلاقات المحلية العميقة لا تقدر بثمن فى العثور على فرص الاستثمار فى مثل هذه المنطقة المعقدة والمتنوعة.
كل هذا يشير إلى وجود فرصة واضحة لاستغلال المزيد من المدخرات المحلية فى آسيا لسد فجوة التمويل فى المنطقة.
ولا تزال الكثير من الثروة المتزايدة فى آسيا مستثمرة فى أسواق رأس المال الغربية وتُدار بواسطة مديرى الأصول الذين يبعدون آلاف الأميال.
وبفضل صناديق الثروة السيادية جزئيًا، تعتبر منطقة آسيا والمحيط الهادئ موطناً لثمانية من أفضل عشرين مالكاً للأصول فى العالم، وفقاً لأبحاث “ويليس تاورز واتسون”.
وبينما يشعر البعض فى الغرب بالقلق إزاء مخاطر الائتمان الخاص، ينبغى للمستثمرين والجهات التنظيمية فى آسيا أن يستشعروا الفرصة، فإذا نجحت فئة الأصول هذه هنا، كما حدث فى الولايات المتحدة، فإنها ستوفر دفعة قوية للشركات التى تمثل محركاً لاقتصاد المنطقة.
ولا شك أن تطوير أى سوق جديدة يأتى مصحوباً بالمخاطر، لكن من مصلحة جميع الأطراف المعنية، بدءاً من المشاركين فى السوق إلى الهيئات الرقابية، ضمان نمو سوق الائتمان الخاص فى آسيا بشكل مستدام.