ينبغي أن يكون بيع مزيد من البترول بأسعار أعلى، حلمًا بالنسبة لأي دولة بترولية.. لكن بالنسبة لروسيا، يعد علامة على مرحلة عقابية في حربها ضد أوكرانيا.
فقد أدت أشهر من ضربات الطائرات المُسيرة الأوكرانية على مصافي التكرير، إلى تقليص قدرة روسيا على إنتاج الوقود المكرر، مثل الديزل والبنزين، وحولت ثالث أكبر منتج للبترول في العالم إلى مستورد للبنزين.
وحاولت شركات الطاقة تقليص خسائرها من خلال بيع البترول غير المكرر في الخارج، مما دفع الصادرات إلى أعلى مستوى في عشرة أشهر خلال مارس، حسب ما نقلته مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.
وفي الهجوم الأخير الذي شنته أوكرانيا في الثاني من أبريل، وسعت كييف نطاق وصولها، وتمكنت من زرع متفجرات في مصفاة تبعد 1115 كيلومترا عن الحدود، وهذا الهجوم أشعل النيران في وحدة مسؤولة عن 3% من طاقة التكرير في روسيا.
ورغم أن هذا الهجوم لم يتسبب في أي ضرر دائم، إلا أن هجمات أخرى كانت أكثر نجاحًا.
وإجمالاً، أدى القصف الأوكراني إلى تدمير سُبع طاقة التكرير الروسية، وفقًا لشركة البيانات “ستاندرد آند بورز جلوبال”.
و أوكرانيا التي كانت هي نفسها هدفًا لضربات على البنية التحتية للطاقة، تأمل أن تؤدي الهجمات إلى إبطاء تدفق الدولارات إلى الآلة الحربية لعدوها وتقويض الدعم للحرب.
يعاني عمالقة البترول في روسيا أكثر من غيرهم، كما تحولت المصافي التي تنتج عادةً البنزين والديزل للعملاء في الخارج، علاوة على الإنتاج المحلي، ووصلت كمية الديزل المقرر خروجها من الموانئ الروسية إلى أدنى مستوياتها منذ خمسة أشهر.
في الوقت نفسه، يبحث أباطرة البترول عن عملاء جدد لبترولهم الفائض، إذ يتكبدون خسائر تبلغ 15 دولارًا تقريبًا مقابل كل برميل كان يمكن تصديره كمنتج مكرر، كما يقول سيرجي فاكولينكو، وهو مسؤول تنفيذي سابق في قطاع البترول.
ورغم أن الهجمات الأوكرانية تباطأت منذ إعادة انتخاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مارس، فإن أوكرانيا لم تعط أي إشارة إلى أنها ستتوقف، بل يمكنها إطلاق طائرات مُسيرة بشكل أسرع وبتكلفة أقل مما تستطيع روسيا إصلاح مصافيها.
وكانت بعض المرافق، مثل مصفاة نورسي في مدينة نيجني نوفجورود، بطيئة بشكل خاص ومكلفة في الإصلاح، ويرجع ذلك جزئيًا إلى عرقلة الوصول إلى المعدات بسبب العقوبات الغربية.
واعتبارًا من هذا الشهر، يجب على منتجي البترول الروس أيضًا خفض الكمية التي يضخونها بنحو 5% كجزء من سقف الإنتاج المتفق عليه مع تحالف “أوبك+”.
ووضعت الحكومة الروسية حدًا للأسعار من خلال حظر صادرات البنزين لمدة ستة أشهر اعتبارًا من الأول من مارس، وإبرام صفقة مع بيلاروسيا، الدولة العميلة لها، حيث استوردت روسيا 3000 طن من الوقود من بيلاروسيا في النصف الأول من مارس، ارتفاعًا من الصفر في يناير.
وخوفا من أن ذلك قد لا يكون كافيًا، طلب المسؤولون أيضًا من كازاخستان المجاورة أن تضع جانبًا ثلث احتياطياتها، أي ما يعادل 100 ألف طن، إذا احتاجت روسيا إليها، وفقًا لوكالة أنباء “رويترز”.
وإذا استمرت الهجمات، فقد تبدأ في رفع الأسعار.
ولابد أن تكون العواقب على الموارد المالية العامة في روسيا محدودة، حتى رغم أن عائدات البترول تمثل 34% من ميزانيتها.
وستعمل شركة البترول الحكومية “روسنفت” على توزيع أرباح أصغر إذا لم تتمكن من تعويض إيراداتها المفقودة، لكن الكثيرين يشكون في وصول هذه الأرباح إلى خزائن الدولة على الإطلاق، بل إن الحكومة ستوفر بعض الأموال من خلال دفع إعانات أقل لكل برميل لمصافي التكرير.
يذكر أيضًا أن أكبر مصدر للأموال في روسيا هي الضرائب على الموارد، وطالما أن روسيا قادرة على تصدير البترول الخام، فيمكنها تحصيل مثل هذه الرسوم.
ويعمل المراقبون خارج روسيا على مراقبة الوضع لمعرفة ما إذا كانت هجمات أوكرانيا ستؤثر على سوق البترول العالمية، فهي لم يكن لها تأثير كبير بعد، لكن سعر خام برنت ارتفع بنسبة 19% هذا العام إلى ما يقل قليلاً عن 90 دولارًا للبرميل، بسبب القيود المفروضة على الإمدادات القادمة من “أوبك+” والظروف الاقتصادية العالمية الأفضل من المتوقع والاضطرابات في البحر الأحمر.