لجأت الشركات الروسية إلى الصين لسد الفجوة التى نتجت بعد منعها من اللجوء إلى مورديها الأوروبيين التقليديين بسبب العقوبات الغربية التى فرضت عليها عقب شنها حربًا شاملة على أوكرانيا فى 2022.
وتزدهر الروابط الاقتصادية بين الجانبين لكنها تواجه ضغوطًا من العقوبات الغربية، فقد بلغت التجارة الثنائية 240 مليار دولار العام الماضى، بزيادة 26% على العام السابق، وفقًا للجمارك الصينية، حيث تشحن الصين البضائع، مثل السيارات والآلات الصناعية والهواتف الذكية، وشراء مليارات الدولارات من صادرات الطاقة الروسية.
أوضحت الصين أنها لا تزود روسيا بأسلحة فتاكة، لكنها برزت كقناة حاسمة للسلع الخاصة بقطاع الدفاع الروسى، ما دفع وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن ووزيرة الخزانة جانيت يلين، إلى تحذير بكين من العواقب إذا دعمت شركاتها جهود الكرملين الحربية.
وقالت إيلينا ريباكوفا، زميلة غير مقيمة بمعهد بيترسون للاقتصاد الدولى، إن “الصين الشريك الأكثر أهمية لروسيا الآن، حيث تشترى سلعها وتزودها بالسلع، بما فيها السلع المستخدمة فى ساحة المعركة”.
كذلك، يقول محللون إن العلاقات الاقتصادية المزدهرة واحدة من أوضح العلامات على رغبة الصين فى إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية العالمية حولها باستخدام التجارة، وعلى حساب الولايات المتحدة.
يدعى ثانى أكبر اقتصاد بالعالم أنه أكبر شريك تجارى لـ120 دولة، ويتعامل مع معظم الدول بغض النظر عن سياساتها، وهذا يمنحها دورًا متزايدًا كعامل تمكين اقتصادى لمجموعة كبيرة من الدول، بما فيها تلك المعادية للغرب الذى تقوده الولايات المتحدة، مثل روسيا وبيلاروسيا وإيران وكوريا الشمالية وفنزويلا.
وشهدت العلاقات الاقتصادية بين الصين وروسيا نموًا منذ 2014، عندما ضمت شبه جزيرة القرم وفُرضت العقوبات الغربية الأولى، وبدأ الرئيس شى جين بينج فى اتباع سياسة خارجية أكثر حزمًا، حسب ما نقلته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية
لكن بعد الحرب واسعة النطاق خلال 2022، تسارع الأمر كثيرًا، فقد اتجهت دول أخرى لدعم الاقتصاد الروسى أيضًا، حيث اشترت الهند البترول الروسى، وساعدت الإمارات العربية المتحدة فى المعاملات المالية، وقدمت كازاخستان وبيلاروسيا وتركيا مراكز موازية لواردات روسيا، وهى بضائع تُشحن دون إذن عبر دول ثالثة.
كانت الصين الأكثر أهمية، ليس فقط فى زيادة الصادرات إلى جارتها، بل أيضًا فى شراء البترول الروسى، فقد تفوقت روسيا العام الماضى على المملكة العربية السعودية لتصبح أكبر مورد للبترول للصين.
وقال تيمور عمروف، الخبير فى شؤون الصين وآسيا الوسطى، إن “الدعم الذى تتلقاه روسيا من الصين، بجانب النهج العملى الذى تتبعه العديد من الدول الأخرى سلط الضوء على القيود المفروضة على القوة الاقتصادية الغربية”.
فى 2023، جاءت 60% من واردات روسيا من السلع عالية التقنية، والتى تتحرك وفقًا لما هو محدد فى اللوائح التجارية للاتحاد الأوروبى، من الصين، وفقا لتحليل أجرته “فاينانشيال تايمز” لبيانات التجارة الروسية.
وتشكل معدات الاتصالات، مثل الهواتف الذكية، الحصة الأكبر بقيمة 3.9 مليار دولار من هذا التدفق، الذى يبلغ إجماليه 26 مليار دولار، فيما تأتى الحواسيب فى المركز الثانى بقيمة 2.3 مليار دولار.
كما اشترت روسيا معالجات دقيقة بقيمة 2 مليار دولار ومعدات مختبرية بقيمة 1.7 مليار دولار.
يبدو أن التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات ثانوية على البنوك والشركات الصينية التى تدعم الجهود الحربية الروسية أعاقت تدفق البضائع منذ أن استهدفت إدارة بايدن التجارة أواخر العام الماضي.
وانخفضت صادرات الصين إلى روسيا بنحو 16% مقارنة بالعام السابق فى مارس، و13.5% فى أبريل.
تعتقد الصين أن علاقاتها مع الولايات المتحدة ستتدهور سواء حصل بايدن على ولاية ثانية أو تمكن ترامب من الحصول عليها.
يقول ألكسندر جابويف، مدير مركز كارنيجى روسيا أوراسيا فى برلين: “إنهم لا يستطيعون السيطرة على ذلك، لكن يمكنهم التحكم فى مدى سرعة تدهور العلاقات، لذا فإنهم يحاولون دعم روسيا بأكبر قدر ممكن من الحرص، مع إبقاء الإمدادات منخفضة فى محاولة لإظهار تراجع التجارة أمام الأمريكيين”.
كذلك، أفادت أندريا كيندال تايلور، مديرة برنامج الأمن عبر الأطلسى فى مركز الأمن الأمريكى الجديد، بان اعتماد موسكو المتزايد على بكين لا يزعج الكرملين بالضرورة، فهذه هى التجارة التى يستعدون لاتباعها للعمل مع شريك لا يهدد استقرارهم الداخلى ولديه رؤية مماثلة لطريقة ترتيب العالم.
وفى المقابل، تكتسب بكين وصولاً قيمًا إلى الموارد الطبيعية وطرق التجارة الداخلية بعيدًا عن الممرات البحرية فى المحيطين الهندى والهادئ الأكثر عرضة للضغوط الأمريكية.
وأوضح فيليب إيفانوف، مؤسس البرنامج الصينى الروسى فى مركز التحليل الصينى التابع لمعهد سياسات المجتمع الآسيوى، أن الصين وروسيا تهدفان “عن عمد ومن خلال مجموعة من الظروف”، إلى خلق عالم متعدد الأقطاب تتوزع فيه القوة، و”أهم ما يميز هذا العالم هو تلاشى قوة الولايات المتحدة”.
أحرزت روسيا تقدمًا فى مقاومة العقوبات الغربية، لكن المعضلة لا تزال تتعلق بالصناعة المالية.
فبينما نمت تسوية الصين وروسيا لتجارتهما بالعملات المحلية من 45% فى 2022 إلى 95% الآن، كان متوسط الاستثمار المباشر السنوى للصين فى روسيا أقل من مليار دولار، ومتوسط استثمار روسيا فى الصين كان أقل من ذلك.
وانج وين، الأستاذ والعميد التنفيذى لمعهد تشونجيانج للدراسات المالية بجامعة رنمين الصينية، قال إن “آليات التعاون المالى بين الصين وروسيا ليست راسخة بعد، وهناك نقص فى أدوات تخفيف مخاطر السوق، وتبادل المعلومات الكافية، والآليات التنظيمية، فضلاً عن قنوات الدفع والتسوية الفعالة”.