تحافظ المعاملات البنكية الإسلامية فى مصر على معدلات نمو إيجابية سنويًا، لكن حصتها من القطاع المصرفى فى تراجع بالرغم من ذلك.
ومن بين 37 بنكا فى السوق توجد 14 بنكًا تقدم الخدمات المالية الإسلامية، منها 3 بنوك بالكامل، و11 بنكًا تمتلك فروعًا.
ورغم أن المعاملات البنكية الإسلامية فى نمو إلا أن الخدمات المصرفية التقليدية تنمو بشكل أسرع وهو ما قلص حصة الأولى فى القطاع بشكل عام.
وتراجعت حصة القطاع المصرفى الإسلامى من إجمالى القطاع المصرفى إلى 4% بنهاية 2023 مقابل 7% فى 2013.
وخلال تلك الفترة وصلت الصيرفة الإسلامية إلى 606 مليارات جنيه مقابل 114 مليار جنيه فى 2013 بنمو 431%، فى حين وصل إجمالى أصول القطاع المصرفى إلى 14.4 تريليون جنيه مقابل 1.68 تريليون جنيه بنمو 757%.
وتفتقر المعاملات البنكية الإسلامية إلى قواعد تنظيمية خاصة بها وتخضع لنفس القواعد التى تخضع لها البنوك التقليدية، كما أن الأدوات المالية المتاحة لها لتوظيف الودائع محدودة مقارنة بالأدوات التقليدية إضافة إلى تعقيد الأدوات الإسلامية.
وقال مصرفيون إن وجود قواعد منظمة للعمل المصرفية ولجنة مركزية للرقابة الشرعية بجانب إصدار الصكوك المحلية قد يكون له دور فى إطلاق إمكانات الصيرفة الإسلامية.
قواعد حاكمة ولجنة شرعية
وقال الدكتور أحمد شوقى الخبير المصرفي، إن وجود هيئة شرعية تُدير عملية الإشراف على نشاط البنك، لضمان التوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، ليس كافيًا لعملية الرقابة، نتيجة لوجود تضاربات وإشكاليات فى بعض الأحكام والآراء بين الهيئات الشرعية وبعضها.
وقال إن القطاع المصرفى يجب أن يخضع لهيئة شرعية مركزية يفترض تشكيلها داخل البنك المركزي، مشيرًا إلى أنه لا يوجد قانون حتى الآن لتنظيم العمل والنشاط المصرفى الإسلامى.
وصدر قانون جديد للبنوك فى 2020 تضمن قواعد تنظيمية واسعة النطاق بما فى ذلك للمجالات الجديدة مثل التكنولوجيا المالية والبنوك الرقمية، لكنه لم يتطرق إلى وضع قواعد خاصة بالأنشطة المصرفية المتوافقة مع أحكام الشريعة.
وتبدو الهيئة العامة للرقابة المالية ووزارة المالية متقدمتين بخطوة فى هذا المجال على البنك المركزى، فلديهما أدوات مالية مثل الصكوك والمؤشر الإسلامى للأسهم الذى أطلق مؤخرًا، إضافة إلى لجان شرعية بما بتطلبه ذلك من تشريعات وضوابط وقواعد.
ولفت شوقى إلى أن وزارة المالية اتجهت لتأسيس هيئة شرعية داخل وزارة المالية، لتنظيم إصدارات الدولة للصكوك السيادية، كما أطلقت البورصة المصرية مؤشر الشريعة EGX33، للرقابة والإشراف على تداولات ونشاط الأسهم المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، بينما يفتقر البنك المركزى لذلك.
28.8% نمواً لـ”الصيرفة الإسلامية” بمصر خلال الربع الأول 2024
وقال إن الهيئة الشرعية الموجودة فى البورصة المصرية، تجذب فئة كبيرة من المستثمرين الحريصين على الاستثمار بشكل متوافق مع أحكام الشريعة، وتدعم إصدار البنوك المدرجة فى مؤشر الشريعة الجديد للصكوك، بما يُعزز من القيمة السوقية لها.
وتنص تعليمات البنك المركزي المصري على أن البنوك الإسلامية بمصر والبنوك التي لديها فروع إسلامية يجب أن يكون لديها هيئة شرعية، ومركز مالي مستقل لتلك الفروع، وإدارات مستقلة للإشراف علي تقديم التمويل والمنتجات الإسلامية بتلك البنوك.
فيما يرى الدكتور عز الدين فكرى تهامي، رئيس قسم المحاسبة بكلية التجارة جامعة الأزهر، أن كل بنك إسلامى عامل فى السوق المصري، لديه هيئة رقابة شرعية كافية للإدارة والإشراف عليها بشكل عام، وتُعِد الهيئة تقارير دورية سنوية.
وأضاف تهامي، أن هيئات الرقابة الشرعية الموجودة بالبنوك الإسلامية تخضع لمعايير شبه موحدة متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، بمرجعية من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.
وتعمل هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفى)، ومقرها البحرين، على إصدار معايير محاسبية لتنظيم عمل النشاط المصرفى داخل البنوك الإسلامية بما يتوافق مع أحكام الشريعة.
مؤشر الشريعة الإسلامية وإصدارات الصكوك
ومن بين الأمور الصعبة فى الصيرفة الإسلامية هى أدوات توظيف المدخرات، لكن هناك حالة من التفاؤل بدخول مستثمرين معنيين بالتمويل الإسلامى فى السوق المصرفى عبر بوابة سوق المال بما قد يمهد لظهور الصكوك السيادية المحلية.
وبلغ حجم الودائع الإسلامية في نهاية مارس 2024 حوالى 510.5 مليار جنيه تشكل نسبة 6.5% من حجم السوق المصرفي المصري فيما بلغ حجم التمويل حوالى 576 مليار جم تشكل نسبة 5.4% من حجم السوق المصرفي المصري بزيادة قدرها 145 مليار جنيه وبنسبة نمو قدرها 33.8% عن مارس 2023.
ويرى تهامى أن إطلاق مؤشر البورصة للشريعة الإسلامية يعمق دخول المستثمرين المهتمين بالصيرفة الإسلامية للسوق، وقد يحفز وزارة المالية على إصدار صكوك سيادية بالعملة المحلية بما يؤدى لنمو الإيرادات والأرباح.
%179.8 نموًا فى أرباح بنك فيصل الإسلامى خلال الربع الأول من 2024
وقال إن تفضيل الموعدين فى مصر للبنوك المتوافقة مع الشريعة يجعلها تتلقى ودائع بقيم كبيرة، ولكنه لفت إلى أن تلك الكيانات فى حاجة إلى توفير منافذ أوسع للاستثمار بشكل متوافق مع أحكام الشريعة لحُسن توظيف تلك السيولة النقدية، وأهم تلك المنافذ هى الصكوك لكونها منضبطة بمعيار شرعي، بالإضافة إلى المؤشرات الشرعية.
وبحسب الجمعية المصرية للتمويل الإسلامى فإن عدد المنتجات التى تقدمها البنوك الإسلامية وصل 65 منتجًا ما بين أوعية ادخارية وخدمات مصرفية وصيغ تمويلية واستثمارية، وما زالت تحتاج السوق لتطوير وابتكار العديد من المنتجات المتوافقة مع الشريعة لكافة القطاعات سواء الأفراد أو الشركات أو الهيئات العامة وشركات التمويل وكذلك قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
تحديات المعيار 62
لكن هناك مخاوف على الصعيد العالمى من تعقد هيكل الصكوك خاصة بعد إدخال معيار 62 والذى يميز أنواع الصكوك، من حيث أطراف عملية إصدار الصك، وحقوقهم.
وقال تهامي، إن معيار رقم 62، المفترض الإعلان عنه من قِبل هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، ما هو إلا تعديل إضافى على معيار صكوك الاستثمار رقم 17 الذى تناول نظرة عامة عن الصكوك، من حيث المفهوم والخصائص والأطراف المتعلقة بالصكوك.
وتشمل عملية إصدار الصكوك، 3 أطراف رئيسية، بخلاف الفرعية، وهى الجهة المنشأة للصكوك أى الشركة طالبة التمويل، وحاملى الصكوك، والشركة ذات الطابع الخاص (شركة التصكيك) التى تتولى إدارة العملية.
وتختلف طبيعة الصكوك ما بين صكوك مدعومة الأصول، وفيها تنتقل ملكية الأصول محل التصكيك لحاملى الصكوك، بما يعنى امتلاكهم الحق فى النفاذ إلى الصكوك وبيعها فى حالة تعثر المُنشأة، وبين صكوك قائمة على الأصول، وفيها لا تنتقل ملكية الأصول محل التصكيك من المنشئ إلى حاملى الصكوك، أى تظل الأصول فى قائمة المركز المالى للمنشيء.
كيف تطور أداء أكبر 5 بنوك تقدم منتجات إسلامية خلال 2023؟
ولفت إلى أن الصكوك تُصدر فى طرح عام أو خاص، مشيرًا إلى أن معظم الصكوك الصادرة حتى الآن تمت فى طرح خاص، أى مُحدد جهة الاكتتاب، مؤكدًا أنه غالبًا ما يُكتتب عليها من المؤسسات المالية الإسلامية.
ويرى شوقي، أن المعيار المحاسبى رقم 62، يُدعم نشاط البنوك الإسلامية من خلال إتاحة تمويلات مقابل صكوك بشكلٍ متوافق مع الشريعة الإسلامية، بما يُعزز من الإيرادات والأرباح.
وقال إن المعيار رقم 62 الخاص بالمحاسبة المالية عن الصكوك، قدمت مسودة دليل استرشادى بشأن التعامل مع الصكوك فى الحسابات والمعالجة المحاسبية بشكل عام، وذلك لتحديد طرق حساب التمويل والإيرادات وما إلى ذلك، وجاءت تلك الخطوة بسبب تباين تسجيل المؤسسات للصكوك ضمن الميزانية أو خارجها، ولكنه لم يتطرق إلى فروق التعامل بين كل نوع صك و أخر.
وقال بشار الناطور، الرئيس العالمي للتمويل الإسلامي في وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، إنه لا يزال من السابق لأوانه تحديد التأثير المحتمل للمعيار الشرعي رقم 62 الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (AAOIFI) على صناعة التمويل الإسلامي.
أوضحت أن هناك العديد من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها، “على سبيل المثال، لم يتم تأكيد الشكل النهائي للمعيار، ومن غير الواضح من سيختار تطبيق المعيار، ومن غير المعروف أيضًا كيف سيختارون تنفيذه”.
أضاف:”يمكن للمعيار أن يغير الملف الائتماني للصكوك من القائمة على الأصول إلى المدعومة بالأصول، من بين أشياء أخرى، لكننا سنستمر في تقييم أي تأثير من هذا القبيل على أساس كل حالة على حدة حيث إن هناك اختلافًا كبيرًا بين الهيئات التنظيمية والمؤسسات. “
وقالت وكالة “فيتش ريتينج” للتصنيف الائتماني إن الصكوك كأداة رئيسية للتمويل برزت مؤخرًا بشكل لافت، حيث تمثل 12.4% من إجمالي ديون الأسواق الناشئة باستثناء الصين والتى صدرت حتى الآن في عام 2024 مقابل 5% فقط فى 2017.