بعد سنوات طويلة من رواج مصطلح “الملاذ الآمن” بين المستثمرين فى القطاع العقارى، يتحدث المتعاملون فى السوق حاليًا عن “الفقاعة العقارية”.
ومع الطفرة الكبيرة التى شهدتها مبيعات القطاع العقارى ظهر الحديث عن صعوبة فى إعادة بيع الوحدات العقارية بسبب الارتفاع الكبير فى الأسعار، وهو ما دفع بعض الخبراء لتوقع “الفقاعة العقارية”.
وعلى الرغم من ذلك، يرى عدد كبير من المتعاملين فى القطاع العقارى، أن مصر بعيدة عن “الفقاعة العقارية” لعدة أسباب أبرزها أن حجم الطلب قائم على احتياج حقيقى للعقار، وأن الزيادة الكبيرة فى أسعار العقارات خلال الفترة الماضية ناتجة عن تراجع قيمة العملة، وارتفاع التضخم، وزيادة أسعار مواد البناء، مؤكدين أن تكلفة التمويل ليست هى العامل المؤثر الرئيسى والوحيد فى تكلفة العقارات بل هى أحد المكونات ولا تزيد على 10 إلى 15% من إجمالى التكلفة.
وتعبر “الفقاعة العقارية” عن ارتفاع مفاجئ فى أسعار الوحدات بدافع من زيادة الطلب، والمضاربة، والإنفاق المفرط فى ظل معروض محدود فى السوق، وتنفجر الفقاعة عند تراجع الطلب وركود المبيعات مع زيادة فى نسبة الوحدات المعروضة بالقطاع العقارى ما يؤدى إلى تراجع كبير فى الأسعار.
اقرأ أيضا: تغيير “الماستر بلان” أزمة تواجه عملاء شركات التطوير العقارى
وكانت العقارات السبب الرئيسى فى الأزمة المالية العالمية عام 2008 أو ما يعرف بـ”أزمة الرهن العقارى الأمريكى” التى انتقلت بعدها إلى أسواق عالمية أخرى، حيث منحت البنوك قروضًا عقارية لأعداد كبيرة من المشترين الذين تعثروا فى السداد.
وحققت الشركات العقارية فى السوق المصرى مبيعات مرتفعة خلال السنوات الماضية مع طفرة التنمية العمرانية وارتفاع الأسعار بشكل مستمر وظهور عدد كبير من المطورون الجدد، ولكن يشتكى البعض حاليًا من عدم القدرة على إعادة بيع الوحدات “كاش” فى ظل تفضيل العملاء للشراء بالتقسيط من الشركات بشكل مباشر.
شلبى: تسعير العقار قائم على تكلفة حقيقية
ويرى الدكتور أحمد شلبى، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذى لشركة تطوير مصر، أن الطلب فى السوق العقارى المصرى قائم على احتياج حقيقى للعقار سواء للاستخدام أو الاستثمار.
وقال شلبى، إن تسعير العقار قائم على تكلفة حقيقية تحددها عدة عوامل هى سعر الأرض، وتكلفة التنفيذ، والتسويق، والمبيعات، وسعر الفائدة، لذلك لا يمكن اختزال أسعار العقارات فى عامل واحد فقط.
وأضاف أن أسعار العقارات ارتفعت بنسبة كبيرة خلال السنوات الماضية، ولكنها زيادة حقيقية مرتبطة بتراجع قيمة العملة، وارتفاع أسعار مواد البناء، وزيادة معدلات التضخم، فضلًا عن ارتفاع أسعار الأراضى.
وأوضح أن المطور العقارى يبيع المشروعات “أوف بلان” أو “على الماكيت” ومع ارتفاع تكلفة التنفيذ لجأت الشركات إلى رفع أسعار المنتجات العقارية حتى تتمكن من تسليم المشروعات للعملاء فى المواعيد المحددة.
وتوقع شلبى استمرار ارتفاع أسعار العقارات مع زيادة معدل التضخم وارتفاع تكلفة تنفيذ المشروعات، وتابع: “من المتوقع ارتفاع أسعار العقارات بنسبة تتراوح من 20% إلى 25% خلال عام 2025، فى حالة فى عدم وجود تكلفة إضافية يتحملها المطور العقارى”.
وأكد أن الوضع الاقتصادى الراهن، والمتغيرات المستمرة فى الأسعار تدعونا للعودة إلى فكرة الإيجار، وزيادة دور الصناديق العقارية فى إيجار المخزون الجاهز المتاح، مثل مشروعات الدولة التى تضم وحدات جاهزة.
عبدالله: المصريون يشترون العقار من مدخراتهم وثرواتهم والتمويل العقارى “ضعيف”
وقال أحمد عبدالله، نائب رئيس مجلس إدارة شركة ريدكون بروبرتيز، إن الفقاعة العقارية ناتجة عن التضخم غير المبرر فى أسعار العقارات، والذى يعتبر أحد نتائج زيادة الطلب بشكل غير طبيعى مع وجود التمويل العقارى بدون ضمانات فعلية وهو أمر لا يحدث فى مصر.
واستبعد حدوث فقاعة عقارية فى مصر، لافتًا إلى أن الموضوع اقتصادى بحت ولا يعتمد على آراء فردية، فالقطاع العقارى من أكثر الاستثمارات أمانًا حول العالم ومن أفضل الأوعية الادخارية حفظًا للقيمة.
وأضاف أن المصريون يشترون العقار من مدخراتهم وثرواتهم وليس من خلال القروض، ونسبة التمويل العقارى فى مصر أقل من 5% من السوق العقارية، فضلًا عن أن الطلب على العقار فى مصر طلب حقيقى ولا يوجد فيه مضاربة.
وأوضح أن الزيادة السكانية فى مصر وصلت إلى 1.7 مليون نسمة سنويًا، ولهذا تحتاج مصر إلى نحو 500 ألف وحدة سكنية سنويًا من مختلف الفئات، وهو ما لا يحققه المعروض والمنتج فى السوق العقارية المصرية، فطبقًا لإحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء نفذت مصر 240 ألف وحدة سكنية فى عام 2022-2023، علاوة على الحذر الشديد من قبل البنوك المصرية فى منح القروض والتمسك بأخذ ضمانات فعلية على المقترضين.
وأشار إلى أن انخفاض أسعار الفائدة بشكل عام هو مطلب للمطورين والمستثمرين ليس فى مصر فقط بل فى العالم أجمع، فلا يمكن لأى اقتصاد أن ينمو ولا أى سوق أن ينشط فى ظل ارتفاع تكلفة التمويل.
وقال عبدالله، إن ارتفاع الفوائد والتى تعكس الزيادة فى تكلفة التمويل لفترات طويلة تؤدى إلى الركود الاقتصادى وهو ما تتجنبه كافة اقتصاديات العالم.
وأضاف أن تكلفة التمويل ليست هى العامل المؤثر الوحيد فى تكلفة العقارات بل هى أحد المكونات ولا تزيد عن نسبة تتراوح من 10 إلى 15% من إجمالى التكلفة، فى حين أن تكلفة الأرض تتراوح من 30 إلى 40% من إجمالى تكلفة العقار.
وأوضح أن انخفاض الفائدة إلى نسبة 16% على سبيل المثال سيؤدى إلى تخفيض نسبة تكلفة التمويل من إجمالى تكلفة العقار إلى 6 – 8%، وهذا الانخفاض لن يقابله انهيار فى الأسعار أو “فقاعة عقارية”.
وقال إن الزيادة السنوية الناتجة عن التضخم بالإضافة إلى نسب التحوط التى يضعها المطور تحسبًا لأى تقلبات اقتصادية، قد تؤدى إلى زيادة أسعار العقارات فى حدود النسب الطبيعية المتعارف عليها، والتى تتراوح من 10% إلى 25%.
اقرأ أيضا: بسبب المنافسة والأسعار.. تباطؤ القروض العقارية فى البنوك النصف الأول 2024
وأشار إلى أن الطلب على العقار بكافة أنواعه فى تزايد مستمر، فالزيادة السكانية والطلب على العقارات السكنية بكل مستوياتها سيظل لسنوات عديدة أعلى بكثير من المعروض بالسوق.
وأضاف عبدالله، أن انخفاض قيمة العملة المحلية سيعزز من قدرة مصر على التصدير وخاصة تصدير العقار، وهو أحد المؤثرات الإيجابية التى تدعم زيادة الطلب على العقارات.
وأوضح أن تفعيل الصناديق العقارية سيجعلها اللاعب الرئيسى لجذب الاستثمارت لقطاع العقارات المدرة للربح، مثل الوحدات الإدارية والتجارية والوحدات الفندقية.
وقال عبدالله، إن التأثير الواضح لانخفاض أسعار الفائدة، هو تراجع تكلفة التمويل وتنشيط سوق التمويل العقارى للأفراد، وهو ما سيرفع القدرة الشرائية للأفراد ويزيد من الطلب الفعلى على العقار.
تقرير: تأثير الفائدة ضئيل على سعر العقار.. والمطورون لا يعتمدوا على قروض البنوك
وذكر تقرير بحثى لشركة “ماونتن فيو” للتطوير العقارى، أن تكلفة العقارات تتكون من عدة عوامل أبرزها تكلفة الأرض، والتكلفة الإنشائية، وتكلفة إدارية، فضلًا عن تكلفة تسويق المشروعات، حيث تتزايد تكلفة الأرض سنويًا بسبب التضخم.
وقال التقرير، إن الطلب على العقارات فى مصر أغلبيته طلب حقيقى وليس طلب وهمى مثل ما حدث فى بعض الأسواق الأخرى، حيث كان يمثل الطلب الوهمى 80% من قيمة العقارات.
وأوضح التقرير أن عملية تطوير المشروع تتم من خلال عدة مراحل، الأولى التعاقد على الأرض، وبعدها يقوم المطور بعملية البيع والبناء، وكل مرحلة تتراوح من 4 إلى 5 سنوات، وتكون مدة تحصيل أقساط الوحدات 8 سنوات فى المتوسط.
وأضاف التقرير، أن التمويل يكون هو الجزء المتبقى من التكلفة فى السنة الخامسة أو السنة الثامنة، وهذا دليل على أن تأثير فائدة التمويل ضئيل على سعر العقار، لافتًا إلى أن المطورين العقاريين لا يعتمدوا على تمويلات البنوك، لذلك تمثل تمويلات البنوك نسبة قليلة من إيرادات العقارات.
وأشار التقرير إلى أن المطور العقارى يمول المشروع عادةً من أرباحه، لأن معظم شركات العقارات تمول التنفيذ من رأس مالها أو من أرباحها المتراكمة عن السنوات السابقة، حيث أن توزيعات الأرباح نتيجة توسع الشركات العقارية تعد ضئيلةً جداً بالنسبة لمعدل أرباحها.
وقال التقرير، إن السنوات السابقة أكدت أن العميل محمى بدرجة كبيرة، أولاً لثبات سعر الوحدة وبالتالى تقع مخاطر زيادة الأسعار على المطور وليس العميل، كما أن المطور بدوره يحمى نفسه عن طريق احتفاظه بنسبة 20% من وحدات المشروع وتسويقها بعد انتهاء المشروع للحفاظ على ربحيته والاستفادة من ارتفاع أسعار البيع.
أنيس: “الفقاعة العقارية” لم تحدث من قبل فى مصر والمصطلح منقول من الخارج
وقال الدكتور أحمد أنيس، رئيس الجمعية المصرية لخبراء التقييم العقارى، إن “الفقاعة العقارية” لم تحدث من قبل فى مصر وهذا المصطلح منقول من الخارج، ولا يحدث إلا لسببين أحدهما تراجع أعداد السكان، والأخر ارتفاع التعاملات فى نشاط التمويل العقارى.
وأضاف أنيس، أن الأسواق التى شهدت انفجار الفقاعة العقارية كانت تعتمد بشكل أكبر على صناعة ما، وعند انهيار هذه الصناعة يتجه العمال والسكان لترك وظائفهم، ما يدفعهم لبيع العقارات المصحوبة بديون كالوحدات المشتراة من خلال التمويل العقارى.
وأوضح أن نشاط التمويل العقارى فى مصر ضعيف، مشيرًا إلى أنه حال انخفاض الأسعار وتوجه أصحاب العقارات للبيع، فستكون نسبة ضئيلة، كما أن تراجع قيمة العملة المحلية يدفع العملاء لشراء الذهب أو العقارات.
محمد: السعر الحقيقى للعقار لم يتغير بعد ارتفاع الدولار.. وتوقعات باستمرار نمو القطاع
وقال عبدالخالق محمد، استراتيجى الأسهم بشركة ثاندر لتداول الأوراق المالية، إن السعر الحقيقى للعقار لم يتغير بعد ارتفاع الدولار خلال الفترة الماضية، حيث لم ترتفع أسعار الوحدات بنفس الوتيرة، كما أن الزيادة كانت نتيجة التضخم وارتفاع تكاليف البناء.
وأضاف محمد، أن المصريون يفضلون التحوط من انخفاض قيمة الجنيه وارتفاع التضخم بالاستثمار فى العقارات، متوقعًا أن تشهد الفترة المقبلة نموًا طبيعيًا فى القطاع العقارى، على أن تزيد الاستثمارات مع تراجع أسعار الفائدة.