شهدت بريطانيا خلال الأعوام الخمسة الماضية نمواً كبيراً مدفوعاً بقطاعين خارقين فقط، ما يكشف عن التحديات التي تواجه رئيس الوزراء كير ستارمر، في إحياء أجزاء كبيرة من الاقتصاد.
يظهر تحليل أجرته وكالة أنباء “بلومبرج” للبيانات الرسمية أن النمو المفرط في قطاعي التكنولوجيا والصناعات العلمية يخفي حقيقة وجود تعافٍ غير متوازن، إذ تعاني قطاعات مثل الضيافة والتصنيع من صعوبة في التوسع.
لا تزال ثلث القطاعات التي تسهم بحوالي 20% من القيمة المضافة الإجمالية أقل من مستويات إنتاجها في 2019، أي بعد ما يقرب من خمسة أعوام من جائحة كوفيد، فيما لم تحقق قطاعات أخرى مثل العقارات والبناء سوى ارتفاعات طفيفة.
وفي المقابل، اعتمدت بريطانيا على قطاعين فقط، وهما المعلومات والاتصالات والأنشطة المهنية والعلمية والتقنية، لدفع أدائها المتقلب بفضل موجة الابتكار.
هذه الأرقام تسلط الضوء على التحديات الكبيرة التي يجب أن يتغلب عليها ستارمر، للوفاء بوعده بجعل الاقتصاد البريطاني الأسرع نمواً ضمن مجموعة السبع.
ويتوقف تحقيق هذا الهدف على استمرار القطاعات الأقوى في الازدهار، وانتعاش القطاعات المتعثرة.
الواقع أن المخاطر قد تشمل مستقبل سيطرة حزب العمال على السلطة، فقد كان فوزه الساحق في الانتخابات في يوليو الماضي، وارتفاع شعبية حزب الإصلاح اليميني المتطرف، نتيجة فشل حزب المحافظين في الوفاء بوعده بـ”رفع مستوى” المناطق الفقيرة التي تعتمد بشكل أكبر على الصناعات التقليدية.
كما تعهدت وزيرة المالية، راشيل ريفز، خلال مؤتمر حزب العمال هذا الأسبوع بتقديم “ميزانية للنمو الاقتصادي” في 30 أكتوبر.
ومنذ نهاية عام 2019، نما اقتصاد المملكة المتحدة بوتيرة أبطأ من جميع دول مجموعة السبع باستثناء ألمانيا.
ومع ذلك، تواجه ريفز، تعافياً يفتقر إلى الزخم، ويرجع ذلك جزئياً إلى تحذيرات حزب العمال المستمرة بشأن المالية العامة واحتمال رفع الضرائب.
رغم أنه المتوقع أن تؤكد البيانات المقرر صدورها اليوم الاثنين أن الاقتصاد نما بنسبة جيدة قدرها 0.6% في الربع الثاني، تشير المؤشرات الحديثة إلى أن الوتيرة قد تباطأت إلى حوالي 0.3% في الربع، كما توقعت بنك إنجلترا.
واستقر الناتج المحلي الإجمالي في يوليو للمرة الثالثة خلال أربعة أشهر، بينما أظهر مسح إدارة المشتريات الرئيسي تباطؤاً في النشاط في سبتمبر.
يغطي التحليل القطاعي فترة مضطربة لبريطانيا، إذ أثر الخروج من الاتحاد الأوروبي “بريكست” وجائحة كوفيد ونقص العمالة وأسوأ موجة تضخم منذ عقود على بعض الشركات، بينما رفعت التقدمات التكنولوجية شركات أخرى.
قطاعا المعلومات والاتصالات والأنشطة المهنية والعلمية والتقنية قدما ما يقرب من 90% من التوسع الإجمالي في القيمة المضافة البالغ 2.8% منذ نهاية عام 2019، حيث نما القطاع الأول بأكثر من 20%.
كما شهدت مجالات مثل الاتصالات والبرمجة وأبحاث وتطوير العلوم والخدمات المهنية مثل القانون والمحاسبة قوة خاصة.
وقال مارتن سارتوريوس، كبير الاقتصاديين في اتحاد الصناعة البريطانية: “شهد قطاع التكنولوجيا طلباً قوياً على خدمات مثل الذكاء الاصطناعي والأتمتة وتحليلات البيانات والحوسبة السحابية والأمن السيبراني، وقد استثمرت الشركات عبر مختلف الصناعات في هذه التقنيات لتعزيز الكفاءة والأمان وقدرات اتخاذ القرار”.
وقد تم تصنيف المملكة المتحدة كواحدة من أكبر الرابحين من نمو الذكاء الاصطناعي نظراً لاعتمادها على الخدمات المهنية.
في الوقت نفسه، عانى قطاع الزراعة، وهي قطاع تأثر بشكل كبير بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، من انخفاض حاد في الإنتاج، وخاصة في قطاع الصيد.
وكان التصنيع، والتعدين، والضيافة من بين القطاعات التي انكمشت منذ عام 2019.
وقال سورين ثيرو، مدير الاقتصاد في معهد المحاسبين القانونيين في إنجلترا وويلز: “نحن نشهد تعافياً غير متوازن، مع اعتماد مفرط على قطاع الخدمات لدفع النشاط الاقتصادي الكلي، بينما تعاني القطاعات الأخرى”.
وأضاف أن “العوامل العالمية لعبت دوراً أيضاً، مع الطلب الدولي القوي على الخدمات المهنية، بينما تستمر الشركات المصدرة للسلع إلى الاتحاد الأوروبي في مواجهة احتكاكات تجارية بعد بريكست”.
كذلك، تتأثر آفاق الشركات في هذه الصناعات المتعثرة بالحكومة الجديدة لحزب العمال.
بينما تأثرت شركات الضيافة بنقص العمالة في الأعوام الأخيرة، قد يؤدي وعد حزب العمال بتشديد سياسة الهجرة إلى إبقاء سوق العمل ضيقاً.
وسيتابع المصنعون سياسة الحكومة عن كثب، حيث تضع الوزارات خططا لاستراتيجية صناعية جديدة قد تكون أكثر تدخلاً.
كما صدرت تحذيرات بشأن خطط حزب العمال للطاقة وتأثيرها على إنتاج البترول والغاز، وهي جزء من قطاع التعدين، حيث يعتزم الحزب زيادة معدل ضريبة الأرباح على الطاقة ووقف إصدار تراخيص جديدة للبترول والغاز في بحر الشمال.