تُعتبر مجالس الإدارة العمود الفقري لأي مؤسسة، حيث تلعب دورًا حيويًا في توجيه الشركة نحو تحقيق أهدافها الاستراتيجية، لا سيما في بيئة ريادة الأعمال والشركات الناشئة، فمجلس الإدارة يعد بمثابة العقل المدبر للشركة، حيث يتولى مسئوليات عديدة تشمل الإشراف والتوجيه الاستراتيجي، وضمان استقرار الشركة وتحقيق أهدافها.
وتشير الدراسات إلى أن الشركات التي تتمتع بمجالس إدارات فعالة تحقق أداءً أفضل بشكل ملحوظ، فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسة أجرتها شركة ماكينزي آند كومباني أن الشركات التي تتمتع بمجالس إدارات ذات تنوع في الخبرات والخلفيات تحقق عوائد أعلى بنسبة 21% مقارنة بالشركات التي تفتقر إلى هذا التنوع.
ومع تزايد التعقيدات في بيئة الأعمال الحديثة، أصبح من الضروري أن تكون هذه المجالس مدربة بشكل جيد ومطلعة على مبادئ الحوكمة، حيث إن مجلس الإدارة هو المعني الأول بتطبيق الحوكمة ونشر الوعي على جميع مستويات المؤسسة، لذلك فإن تدريب أعضاء مجالس الإدارة على مبادئ الحوكمة يُعد استثمارًا حيويًا يساهم في تعزيز الأداء المؤسسي، ويضمن تحقيق الشفافية والمساءلة، والذي يحقق بدوره الاستدامة، وهي الهدف الأهم لتطبيق مبادئ الحوكمة.
ويحقق تدريب مجالس الإدارة فوائد جمة، فهي المنوط بها تحديد الرؤية الطويلة الأمد والأهداف الاستراتيجية للشركة، ويتضمن ذلك تحليل البيئة التنافسية، وتقييم الفرص والمخاطر، وتحديد الأولويات الاستراتيجية، وفي الشركات الناشئة، يكون هذا الدور أكثر أهمية نظرًا لضرورة التكيف السريع مع التغيرات السوقية.
علاوة على ذلك، يُعزز التدريب من ثقافة الحوكمة الجيدة داخل المؤسسة، وعندما يتعلم أعضاء مجلس الإدارة مبادئ الحوكمة مثل الشفافية والمساءلة والعدالة، فإنهم يصبحون أكثر قدرة على تطبيق هذه المبادئ وعلى الإشراف على تطبيقها من جانب الإدارة التنفيذية، فالإشراف على عمل الإدارة التنفيذية من مسئوليات مجلس الإدارة الرئيسية، من أجل التأكد أن الشركة تُدار بفعالية وفقًا للخطط والسياسات الموضوعة، ويتضمن ذلك تقييم أداء الإدارة التنفيذية بشكل دوري، واتخاذ القرارات بشأن التعيينات الرئيسية، والتعويضات، وحتى الإقالة إذا لزم الأمر.
مؤمن سليم يكتب: تسمين الشركات الناشئة
وبما أن مبدأ الامتثال هو واحد من أهم مبادئ الحوكمة، فمن المهم أيضًا أن يتضمن التدريب موضوعات تتعلق بالقوانين والتشريعات المحلية والدولية المتعلقة بالحوكمة، فمعرفة القوانين التي تحكم عمل مجالس الإدارة تُساعد الأعضاء على الامتثال للمتطلبات القانونية وتجنب المخاطر المحتملة.
إن مجلس الإدارة يتحمل المسئولية القانونية لضمان تشغيل الشركة بطريقة شفافة ومسئولة، ويشمل ذلك مراجعة التقارير المالية، والتأكد من دقتها وموثوقيتها، والإشراف على نظم الرقابة الداخلية للشركة لضمان الالتزام بالقوانين واللوائح التنظيمية المعمول بها.
وفي بيئة ريادة الأعمال، تواجه مجالس الإدارات تحديات فريدة تتطلب مرونة وسرعة في اتخاذ القرارات، من بينها التكيف مع التغيرات السريعة، فالشركات الناشئة تحتاج إلى التكيف بسرعة مع التغيرات في السوق والتكنولوجيا، ويتطلب ذلك من مجالس الإدارات أن تكون على دراية بأحدث الاتجاهات وأن تكون قادرة على تعديل الاستراتيجيات بسرعة.
وغالبًا ما تواجه الشركات الناشئة قيودًا في الموارد المالية والبشرية، لذا يجب على مجالس الإدارات أن تكون قادرة على تحقيق أقصى استفادة من هذه الموارد لضمان النمو المستدام، كما يعد جذب المواهب وتطويرها من أهم التحديات التي تواجه الشركات الناشئة، وعلى مجالس الإدارات وضع استراتيجيات فعالة لجذب أفضل الكفاءات والاحتفاظ بها.
ويمكن القول إن الحوكمة ليست خيارًا للشركات والمؤسسات بل ضرورة، خاصة للشركات الناشئة التي تسعى لتحقيق النجاح والاستدامة، فمن خلال تبني مبادئ الحوكمة، يمكن للشركات الناشئة بناء أساس قوي يضمن لها النمو والازدهار في بيئة الأعمال التنافسية.
فالحوكمة توفر إطارًا تنظيميًا يضمن الشفافية، والمساءلة، والعدالة في إدارة الشركة، وفي ظل التحديات الاقتصادية والمالية التي تواجهها الشركات الناشئة، تصبح الحوكمة أداة حيوية لضمان استدامة الشركة ونموها.
مالك سلطان يكتب: كتابة الكود فى مصر.. مستقبل الشركات الناشئة
والحوكمة ليست مجرد مجموعة من القوانين والإجراءات، بل هي إطار شامل يضمن تحقيق الشفافية، العدالة، والمساءلة داخل الشركة، وقد أثبتت فعاليتها في بناء الثقة بين الشركة وأصحاب المصلحة، بما في ذلك المستثمرين، الموظفين، والعملاء، وعندما تكون الشركة ملتزمة بمبادئ الحوكمة، فإنها تظهر التزامها بالنزاهة والشفافية، مما يعزز مصداقيتها في السوق.
والحوكمة الجيدة عامل جذب رئيسي للمستثمرين، الذين يبحثون عن شركات تتمتع بإدارة جيدة ونظام رقابي فعال لضمان حماية استثماراتهم، والشركات التي تطبق مبادئ الحوكمة تكون أكثر قدرة على جذب التمويل اللازم للنمو والتوسع، وقد أكدت البحوث التي أجرتها شركة ماكينزي آند كومباني بالتعاون مع البنك الدولي، أن المستثمرين على استعداد لدفع قيمة أعلى للسهم للشركات التي تمتاز بممارسات الحوكمة، مقارنة بتلك التي تفتقر إلى مثل هذه الممارسات، كما أظهرت دراسة أخرى أن 85% من المستثمرين يفضلون الاستثمار في الشركات التي تتبنى الحوكمة الجيدة.
كما تساهم الحوكمة في تحسين الأداء الإداري من خلال وضع هياكل تنظيمية واضحة وتوزيع الأدوار والمسئوليات بشكل محكم، ويساعد هذا في تحقيق الكفاءة والفعالية في إدارة العمليات اليومية للشركة، مما يؤدي إلى تحسين الأداء العام.
إلى جانب ذلك، تعمل الحوكمة على مكافحة الفساد وضمان المساءلة داخل الشركة، ومن خلال وضع آليات رقابية فعالة، يمكن للشركات الناشئة تقليل المخاطر المرتبطة بالفساد وسوء الإدارة، مما يساهم في تحقيق بيئة عمل صحية ومستدامة، وبذلك تساعد الحوكمة الشركات الناشئة في تحقيق الاستدامة والنمو على المدى الطويل، من خلال تبني ممارسات حوكمة فعالة، يمكن للشركات الناشئة التكيف مع التغيرات في السوق وتحقيق أهدافها الاستراتيجية بشكل مستدام.