“التارجت بيذل”.. عبارة جاءت على لسان أحد أبطال مسلسل “6 شهور” الذى يحكى رحلة المسوقين العقاريين لتحقيق “التارجت” وإقناع العملاء بشراء العقارات المعروضة لدى شركاتهم من أجل الوصول إلى “العمولة”.
فى هذا المشهد يظهر بطل المسلسل وهو يقبل يد والدته التى جاءت إلى الشركة التى يعمل بها من أجل دعمه، ولكن أحد العاملين فى الشركة يعتقد أنه يقبل يدها من أجل إقناعها بشراء عقار، ليقول له “التارجت بيذل”، ومع الانتشار الذى حققه المسلسل بدأ عدد من المسوقين العقاريين فى الحديث عن تجاربهم مع العملاء عبر مواقع التواصل الاجتماعى.
“البورصة” تحدثت إلى عدد من المسوقين العقاريين أو “السيلز” للتعرف على تجاربهم فى تسويق العقارات، خاصة مع التحديات التى تواجه القطاع العقارى، بالإضافة إلى شكاوى العملاء من مطاردة المسوقين لهم من أجل إقناعهم بالشراء.
قال محمد عبدالله، مدير مبيعات بشركة spd للتسويق العقارى، إن موظفي “السيلز” فى القطاع العقارى بمثابة الوسيط الذى يحاول إقناع العميل بشراء وحدة عقارية تتجاوز قيمتها ملايين الجنيهات.
أضاف أن طبيعة عملهم تعتمد بشكل رئيسى على المكالمات الهاتفية، واللقاءات المباشرة، وعرض العقارات بطريقة جذابة، فضلًا عن الجولات الميدانية بالمشروعات العقارية بكل أنواعها سواء السكنى أو التجارى أو الإدارى.
وتابع عبدالله: “وظيفتنا ليست مجرد بيع العقار، نحن نحاول أن نجعل العميل يرى مستقبله داخل هذا العقار، سواء كان بيتًا لعائلته أو استثمارًا مربحًا”.
أشار إلى أن العمل يبدأ بمكالمات طويلة، تتراوح بين مئات المحاولات يوميًا للوصول إلى العملاء المحتملين، وعادةً ما يطلب من موظفى السيلز تحقيق أهداف شهرية “التارجت”، مما يجعلهم تحت ضغط مستمر.
من الآلات إلى المبانى.. القطاع الصناعى يتوسع فى تطوير المشروعات العقارية
أوضح أن رفض العملاء المتكرر يعتبر من أكبر التحديات النفسية التى يواجهها موظفو “السيلز” بشكل يومى فى عملهم.
وقال، إنه من بين كل 50 مكالمة، قد تنجح مكالمة واحدة فى جذب العميل لعمل زيارة ميدانية لموقع المشروع، والبدء فى خطوات البيع بعد ذلك، وهو الأمر الذى يتطلب صبرًا كبيرًا وأسلوبًا مقنعًا فى الحديث مع العميل.
أضاف أن بيع العقارات عبر المكالمات الهاتفية يتطلب مهارات خاصة تتجاوز مجرد التحدث مع العميل، ولكن هناك بعض الآليات التى يعتمد عليها موظفو “السليز”.
وتابع: “نحرص على بناء الثقة مع العميل فى المقام الأول، حيث تبدأ المكالمة بتقديم سريع للشركة ومشروعها، وفهم احتياجات العميل من خلال طرح أسئلة حول ميزانية العميل واحتياجاته لتقديم العرض الأنسب له”.
أوضح أنه يجب توفير حافز للعميل من أجل معرفة المزيد عن المشروع، مثل تقديم عروض خاصة أو توضيح مزايا الموقع، مع إغلاق المكالمة بإيجابية لضمان ترك انطباع جيد، لأن العميل قد يعود لاحقًا.
وتابع عبدالله: “المكالمة الناجحة هى التى تجعل العميل يوافق على تحديد موعد لزيارة الموقع، وبمجرد أن يرى الوحدة بنفسه، تزداد فرصة البيع”.
يحيى: أحد العملاء طلب منى إرسال فيديو مباشر للعقار فى منتصف الليل لأنه لا يثق بالصور
فيما قالت خلود يحيى، موظفة مبيعات بشركة capital for real estate، إن وظيفة “السيلز” توفر فرصة لتحقيق دخل مرتفع عبر العمولات، إلا أنها ليست سهلة، فهناك العديد من التحديات التى تواجه موظفى المبيعات فى القطاع العقارى.
أضافت أن كل موظف مطالب بتحقيق مبيعات محددة شهريًا، مما يزيد من التوتر بالعمل بشكل يومى، خاصة أن بعض العملاء مترددون أو غير جادين، مما يؤدى إلى إضاعة الوقت.
أشارت إلى أن وظيفة “السيلز” عادةً ما تتطلب العمل لساعات إضافية، خاصة فى مواسم الذروة، وذلك فى ظل المنافسة الشديدة بين الشركات العاملة بالسوق، ما يجعل جذب العملاء مهمة صعبة للغاية.
وتابعت يحيى: “أحد العملاء طلب منى إرسال فيديو مباشر للعقار فى منتصف الليل لأنه لا يثق بالصور، واضطررت إلى إقناع حارس العقار بفتح الأبواب لى والتصوير رغم ظلام المكان”.
وقالت إنه رغم الضغوط التى يواجهها موظفو “السيلز”، تعد العمولات من أهم الحوافز من أجل تحقيق “التارجت”، حيث يمكن أن تصل إلى مبالغ مالية كبيرة بناءً على حجم المبيعات.
وأضافت يحيى: “عندما أبيع وحدة عقارية بملايين الجنيهات، قد أحصل على عمولة تصل إلى 50 ألف جنيه أو أكثر بالطبع، هذه الأموال تغير حياتنا”.
شركات العقارات تلجأ إلى الوحدات الصغيرة لإنعاش المبيعات
أوضحت أن بعض الموظفين يستثمرون جزءًا من عمولاتهم فى مشروعات صغيرة أو فى شراء عقارات خاصة بهم، وكثير منهم ينفقون المال على السفر كوسيلة للراحة بعد شهور طويلة من العمل.
وتابعت: “المظهر جزء مهم من الوظيفة، ويستثمر السيلز فى شراء الملابس الفاخرة لتحسين صورتهم أمام العملاء”.
وقالت إنه رغم الصعوبات، ينجح العديد من موظفى السيلز فى الحفاظ على الدافع من خلال التركيز على الأهداف الشخصية والمكافآت، متابعة: “أعرف أن هذه الوظيفة صعبة، لكن كلما فكرت فى العمولات والمكافآت، أجد الدافع لمواصلة العمل”.
أشارت إلى أن بعض الشركات العقارية توفر حوافز إضافية، مثل المكافآت المالية للسيلز الأعلى مبيعًا، أو تنظيم رحلات جماعية للموظفين.
وتابعت: “من بين كل 100 مكالمة، قد نحصل على موعدين أو ثلاثة مواعيد لزيارة المشروع، ومن بين كل خمسة زيارات، قد ننجح فى إتمام صفقة واحدة”.
وأضافت أن الرفض جزء من عمل السيلز، ونتعلم عدم التعامل مع الأمر بشكل شخصى، لأن العميل قد يكون لديه أسبابه، مثل الميزانية المحدودة أو التردد.
محمد: الكثير من العملاء يعتقدون أننا نحاول استغلالهم.. لكن الحقيقة أننا لا نتحكم فى الأسعار
وقال أيمن محمد، موظف مبيعات بإحدى الشركات العقارية، إن واحدة من أكثر التحديات التى تواجه موظفى “السيلز” فى القطاع العقارى هى التعامل مع غضب أو استياء العملاء بسبب ارتفاع أسعار العقارات.
أضاف محمد: “الكثير من العملاء يعتقدون أننا نحاول استغلالهم، لكن الحقيقة أننا لا نتحكم فى الأسعار.. نحن فقط نحاول توصيل المعلومات بأفضل طريقة، وعندما يشعر العميل أن السعر مرتفع جدًا، أحاول شرح كيف أن العقار استثمار طويل الأجل وأن الموقع والمرافق تبرر السعر، وفى بعض الأحيان، هذا يساعد فى تغيير نظرتهم وقرارهم النهائى”.
وتابع: أحد العملاء كان غاضبًا بسبب السعر وكان رده “ازاى هشترى شقة بالمبلغ دا وأنا بوفر احتياجاتى الأساسية بالعافية”، وشعرت بالحرج، لكننى حاولت تهدئته وأوضحت أن هناك خيارات تمويلية يمكن أن تساعده مثل التمويل العقارى.
أوضح أن اختيارات العملاء تتفاوت حسب الطبقة الاجتماعية والقدرة المالية، لكن هناك مناطق بعينها تحظى بشعبية كبيرة، ومنها القاهرة الكبرى ومناطق مثل التجمع الخامس، و6 أكتوبر، والشيخ زايد هى الأكثر جذبًا، حيث توفر هذه المناطق السكن الراقى والبنية التحتية المتطورة، بالإضافة إلى قربها من المدارس الدولية والمجمعات التجارية.
شركات العقارات تعود إلى “زيرو مقدم” لتنشيط المبيعات
أشار إلى أن شريحة السكن المتوسط تضم مناطق مثل الشروق وبدر، حيث تجذب العائلات الباحثة عن سكن بأسعار معقولة نسبيًا مع سهولة الوصول إلى الخدمات.
وقال محمد، إن إلغاء الصفقات فى عالم السيلز يتكرر بشكل يومى، خاصة عندما يغير العميل رأيه فى اللحظة الأخيرة.
وأضاف: “قضيت أسابيع أتحدث مع عميل مهتم بوحدة فى العاصمة الإدارية، ووصلنا إلى مرحلة توقيع العقود، ولكن فى اليوم الأخير، أبلغنى أنه لن يشترى بسبب عدم قدرته على الحصول على التمويل اللازم، وكانت قيمة الوحدة السكنية حوالى 5 ملايين جنيه”.
أوضح أن هذا النوع من المواقف يعتبر محبطًا، ليس فقط لأنه يضيع وقت وجهد الموظف، ولكن لأنه يضعف احتمالية تحقيق الهدف البيعى الشهرى.
وتابع محمد: “العملاء ليسوا دائمًا على حق، لكنهم يحتاجون إلى التوضيح والدعم لفهم القيمة الحقيقية للوحدة التى سيشترونها، وعندما أرى عميلًا سعيدًا بوحدته الجديدة، أشعر أن كل الجهد كان يستحق”.
أشرف: من بين كل 150 مكالمة قد نحصل على عميلين أو ثلاثة جادين فى الشراء
وقالت هدى أشرف، موظفة مبيعات بإحدى شركات التسويق العقارى، إنها تقوم بإجراء مئات المكالمات الهاتفية يوميًا، ولكن نسبة صغيرة جدًا منها تتحول إلى صفقات ناجحة.
أضافت أشرف: “من بين كل 150 مكالمة، قد نحصل على عميلين أو ثلاثة فقط جادين فى الشراء، وقد ننجح فى إتمام صفقة واحدة خلال شهر”.
وتابعت: “رغم بيع وحدات سكنية فاخرة فى مشروعات كبيرة، إلا أن مستوى معيشتنا غالبًا لا يتناسب مع المنتجات التى نروج لها، حيث يعيش معظمنا فى مناطق متوسطة أو شعبية، نظرًا لأن الرواتب الأساسية تكون محدودة، ونعتمد بشكل كبير على العمولات، وبعد أول عمولة كبيرة لى، قررت الانتقال إلى شقة صغيرة فى الشروق، لأنها أكثر هدوءًا وتناسب ميزانيتى”.
أوضحت أنه فى السنوات الأخيرة، شهد السوق العقارى تغيرًا كبيرًا فى الفئات الأكثر إقبالًا على الشراء، وأصبح للفتيات حضور قوى فى قرارات شراء العقارات.
وتابعت: “فى الماضى، كان الرجال أصحاب قرارات الشراء، سواء للزواج أو الاستثمار، الآن، نرى الكثير من الفتيات يأتين بمفردهن لشراء شقق أو استثمارات عقارية”.
أشارت إلى أن الفتيات يركزون على المناطق الآمنة والراقية مثل الشيخ زايد أو التجمع الخامس، بينما الشباب يميلون إلى البحث عن وحدات بأسعار أقل مع التركيز على الاستثمار طويل الأجل.
وقالت إن العديد من العملاء يفضلون التعامل مع السيلز الشباب، خاصة إذا كان العميل نفسه رجلا لأنه يشعر براحة أكبر عند الحديث عن التفاصيل المالية والتفاوض.
أضافت أن نجاح السيلز لا يعتمد على أنه شاب أو فتاة، بل فى قدرته على بناء علاقة ثقة مع العميل، وفهم احتياجاته بطريقة جيدة، وتوفير المنتج العقارى الذى يتناسب مع احتياجاته وقدراته المالية.
الزاملى: مشروعات الساحل الشمالى وصفقة “رأس الحكمة” ساعدت السيلز فى البيع بسهولة
قال خالد الزاملى، موظف مبيعات بشركة TG للتسويق العقارى، إن مشروعات الساحل الشمالى وصفقة “رأس الحكمة” غيرت فى القطاع العقارى بشكل كبير ومن ضمنها مجال التسويق العقارى، وساهمت فى نمو مبيعات الشركات.
أضاف أن تلك الصفقات ساعدت السيلز فى البيع بسهولة خلال الفترات الماضية، وإنعاش مبيعات الشركات بعد فترة كبيرة من الهدوء نتيجة عدة عوامل أبرزها ارتفاع معدلات التضخم وتراجع القدرة الشرائية لشريحة كبيرة من العملاء.
وتابع الزاملى: “تلك الصفقة ساعدت السيلز بشكل كبير فى تحقيق مبيعات جيدة فى عدد من المشروعات العقارية، والوحدات السكنية كانت صاحبة النصيب الأكبر من المبيعات”.
أشار إلى أن تلك المشروعات ساهمت فى إقناع العميل وتحفيزه على قرار الشراء، حيث تضم مرافق مثل الموانئ السياحية، النوادى، والمساحات الخضراء، مما يجعلها الاختيار الأول لشريحة كبيرة من العملاء خاصة الأجانب أو المصريين العاملين بالخارج.
وقال إن شركات التسويق العقارى استفادت بشكل كبير من التطور فى الساحل الشمالى، وركزت الشركات على حملات إعلانية تستهدف العملاء المحليين والدوليين، واستخدمت مواقع التواصل الاجتماعى والفيديوهات الترويجية.
أضاف أن التسهيلات فى أنظمة السداد التى وفرتها الشركات ساهمت فى جذب شريحة أكبر من العملاء، فضلًا عن الترويج للمنتجات العقارية المصرية فى الخارج من خلال الفعاليات والمعارض العقارية الدولية.
أوضح أن الأسعار التنافسية للعقارات فى الساحل الشمالى مقارنة بنظيراتها فى الأسواق الخارجية ساعدت فى جذب عدد كبير من العملاء الأجانب، وأصبح الترويج أسهل بكثير مقارنة بفترة ما قبل الإعلان عن صفقة “رأس الحكمة”.
أشار إلى أن “السيلز” يعتمدون فى الترويج للمنتجات العقارية المصرية بالأسواق الخارجية على المميزات التى يتمتع بها السوق العقارى المصرى من الأمان والاستقرار حيث تعد مصر تعد وجهة آمنة للاستثمار العقارى مقارنة بمناطق أخرى.
وقال الزاملى، إن الزيادة المستمرة فى أسعار العقارات تضمن عوائد استثمارية مربحة للعملاء، موضحًا أن مبيعات العقارات فى منطقة رأس الحكمة ارتفعت بنسبة 30% خلال العام الماضى، مع مساهمة العملاء الأجانب بنسبة 15% من إجمالى المبيعات.